دول » دول مجلس التعاون

السوشال ميديا في الخليج.. بين الحرية وجيوش الهيمنة على الرأي العام‎

في 2020/12/01

الخليج أونلاين-

أحدثت مواقع وسائل التواصل الاجتماعي ثورة في عوالم الاتصال والتواصل والمعلومات، ومست بقوة بمنظومات القيم الاجتماعية والثقافية، وتدخلت على نطاق واسع في تغيير البنى والمؤسسات السياسية، التلاعب بموازين القوى السائدة.

وشهد العالم، ومن ضمنه دول الخليج العربي، متغيرات كبيرة في السنوات الماضية، فقد مرت دول المجلس بأزمات سياسية متصلة ومتلاحقة وبشكل متصاعد، وكان لوسائل التواصل دور بارز فيها.

من خلال هذا الحوار الذي أجراه موقع "الخليج أونلاين" مع الكاتب والإعلامي الكويتي الدكتور علي السند، نستشرف مستقبل منطقة الخليج من جانب الدور الذي تؤديه مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً في المعارك السياسية.

"الخليج أونلاين": ما الدور الذي تمارسه مواقع التواصل في تحديد وجهة المواطن الخليجي سياسياً أو اجتماعياً أو حتى اقتصادياً؟

السند: في الوقت الحاضر تمثل وسائل التواصل الاجتماعي أصدق تعبير عن رأي المواطن، وهذا لا يعني أنها لا تخضع لأطراف موجهة، سواء كانت رسمية أو غير رسمية.

في بدايات انكباب الجمهور على تلك الوسائل في العالم العربي عموماً والخليج خصوصاً، كان التعبير فيها يتم بشكل عفوي وصادق، وذلك قبل تدخل الحكومات والأجهزة الأمنية في هذا الفضاء الجديد الذي مثل لهم صدمة، وأحدث لهم إرباكاً، فهم أمام فضاء جديد يسبح فيه المواطن، الذي عانى كبتاً وتضييقاً على الرأي عقوداً طويلة، ثم فجأة فُتح أمامه المجال للتعبير.

لكن هذه العفوية لم تدم طويلاً، إذ سرعان ما استطاعت الأنظمة أن تستوعب الصدمة، وتعيد ترتيب صفوفها، والدخول في هذا المجال الجديد بشكل منظم، وهو ما مثّل انحساراً في حرية التعبير والعفوية في المشاركة، ولكن رغم ذلك ما زالت هذه الوسائل هي الأصدق في التعبير وتحديد مسار المواطن الخليجي.

"الخليج أونلاين": ما الدور الذي يمارسه مشاهير السوشال ميديا في صناعة الرأي بدول الخليج؟ وهل هناك من يستخدمهم؟

السند: هناك هامش لا بأس به من التأثير وصناعة الرأي العام يشارك فيه مشاهير السوشال ميديا، فقد باتوا يصنفون في هذا الوقت بأنهم إحدى أدوات القوة الناعمة، وذلك لمتابعة قطاع عريض من الجمهور لهم، ولأنهم يغطون جانب الترفيه والتسلية في حياة الناس.

هذا الجانب إذا ما امتزج مع الرسالة الموجهة بطريقة ذكية فإنها تكون سريعة التأثير، لكنه برأيي ليس تأثيراً عميقاً، ولا يبقى مفعوله طويلاً، وإنما تأثير يأتي سريعاً ويذهب سريعاً، كما أن هناك مستوى من التأثير لا يمكن اختراقه من قبل مشاهير السوشيال ميديا، خصوصاً فيما يتعلق بالثوابت الدينية والاجتماعية والقيمية، فالرأي العام عند هذا الحد يمثل رقابة قوية على المشاهير من الصعب تجاوزها.

"الخليج أونلاين": هل نتحدث عن "صناعة مشاهير" لتحقيق التأثير في قضايا معينة؟ في المقابل هي سلاح ذو حدين إذ يمكن أن تستخدم لاغتيال معنوي لأحد المشاهير أو تهديده.

السند: بقدر ما تأتي الشهرة والانتشار فإن السقوط يكون سريعاً إذا ما توافرت شروطه، كأن يتم استغلاله بشكل فج ومفضوح من أجل أجندات خاصة، وقد وقع العديد من المشاهير في هذا الفخ، وأصبحوا مكشوفين، مما جعلهم محل ازدراء، وهذا لا يعني فقط فقدان أعداد من المتابعين، وإنما يعني فقدان ثقة واحترام الناس عامة والمتابعين خاصة.

هذا التوظيف للمشاهير لخدمة أجندات خاصة تكون وراءه عدة أسباب، من ضمنها الابتزاز والتهديد، أو الترغيب ودفع الأموال والهبات، وأحياناً يكون بسبب سذاجة المشهور، لكن في كل الأحوال فإن دخول المشاهير في مسار التوظيف السياسي المكشوف يسقطهم من أعين الناس، ومن ثم يحد من تأثيرهم.

"الخليج أونلاين": لعل مصطلح "الجيوش الإلكترونية" أصبح واقعاً عملياً في كل دولة؛ ما رأيكم في الدور الذي يقوم به، خصوصاً أن بعض المعارك تُقاد عبر هجمات سيبرانية؟

السند: وجود جيوش إلكترونية لدى الأجهزة الأمنية في أغلب الدول العربية أصبح أمراً واقعاً لا يمكن إنكاره، وحاجة ملحة لدى كثير من الأنظمة لمواكبة الرأي العام ومحاولة التأثير فيه، أو تحويل مساره، أو صناعة رأي عام معاكس للرأي العام العفوي والصادق، أو ممارسة الإرهاب الفكري على أصحاب التوجهات المعارضة للسياسات الحكومية، بل أصبح الأمن الإلكتروني جزءاً مهماً من أي منظومة أمنية في أي دولة.

لكن بعض تلك الأجهزة تجاوزت الحد المقبول في ممارسة هذا الدور إلى التجسس والدخول في الخصوصيات فضلاً عن الاختراقات السيبرانية التي باتت مجرمة قانونياً في أكثر الدول، رغم أن أكثر من يمارس تلك الاختراقات هي الأجهزة الأمنية أو التي تدور في فلكها.

"الخليج أونلاين": من جانب آخر؛ لو تحدثنا عمَّا يسمى بـ"الذباب الإلكتروني"، كيف ساهم في شق الصف الشعبي الخليجي خلال الأزمة الخليجية الراهنة؟ وهل التسمية دقيقة للتعبير عن طرف بعينه؟

السند: مما يؤسف له الدور الهابط الذي مارسه الذباب الإلكتروني في الأزمة الخليجية، والذي يعد انحداراً أخلاقياً غير مسبوق، ليس عند الذباب الإلكتروني نفسه فحسب، بل عند من يديره ويحركه، ويعطيه التوجيه، حيث تجاوز الأمر النزاع السياسي بين الأنظمة السياسية ليتم إقحام الشعوب الخليجية فيه بطريقة غاية في الابتذال، كما أقحمت الأعراض، وانحدرت لغة الخطاب بالشتائم، وكان للذباب الإلكتروني النصيب الأكبر في شيوع ذلك، مما جعل العلاقات بين الأشقاء تتعقد أكثر بسبب الفجور بالخصومة والانحدار إلى القاع بشكل مسف ومؤسف.

الخطورة في الموضوع أن الأثر السيئ الذي قد يتركه الذباب في نفوس الشعوب يبقى طويلاً حتى لو تصالحت الأنظمة، وعند ذلك قد نكون أمام مفارقة نادرة الحدوث، وهي أن تكون هناك علاقات طبيعية بين الأنظمة في المقابل علاقات عدائية بين الشعوب!

"الخليج أونلاين": لمواقع التواصل دور في محاولة تهيئة شعوب الخليج للتطبيع، أو إظهار رفضه.. باعتقادكم هل الخوف من التعبير عن الرأي المناهض للتطبيع في بعض الدول من شأنه أن يظهر غلبة الفريق الأول (المطبع)؟

السند: الترويج للتطبيع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي تم بشكل ممنهج وعلى مدى سنوات، حتى يتقبله الجمهور الخليجي، حتى وصلنا إلى اليوم الذي يعلن فيه التطبيع بشكل فج وغير مسبوق.

لم نصل إلى هذا الحد إلا بعد سنوات من التمهيد شهدت محاولات لاختراق الوعي الشعبي من تشويه القضية الفلسطينية بمختلف الطرق والوسائل، وعملوا على شيطنة الشعب الفلسطيني بأطيافه كافة، فالمقاومة الفلسطينية صُنفت على قوائم الإرهاب، وفلسطينيو المهجر صاروا يُتهمون ببيع أراضيهم للاحتلال، ويروَّج لهذه الكذبة بشكل كبير، كما وصفوا عرب 48 بأنهم صهاينة، ثم حجّموا القضية الفلسطينية واعتبروها شأناً فلسطينياً خاصاً.

على العرب ألا يبحثوا عن مصالحهم بعيداً عن تبعات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومع كل ذلك لم ينجحوا في تزييف الوعي العربي تجاه القضية الفلسطينية بشكل كامل، ولذلك لجؤوا إلى الإرهاب الفكري والأمني تجاه كل من يعارض قرارات التطبيع، بل البعض لم يمنح الشعب هامشاً ولو شكلياً لمعارضة هذا القرار، وهذا بحد ذاته يعبر عن فشل محاولات تشويه القضية وتبرير التطبيع.

"الخليج أونلاين": كيف نجحت الجيوش الإلكترونية في دفع المواطن الخليجي لتلقي الشائعات أو التسريبات دون التشكيك بها؟ هل هناك خبراء في علم النفس يوجهون هذه الجيوش وطريقة عملها للتأثير؟ وهل أصبح الجمهور أكثر قابلية لتصديق كل ما ينشر؟

السند: مقياس نجاح الشائعة ليس مجرد التلقي لها والاستماع إليها، ولكن مدى انتشارها وقربها إلى الواقع، وتصديقها، وبقائها مدة طويلة دون تكذيب، ومن هنا نجد الصعوبة في قياس نجاح الجيوش الإلكترونية في ترويج شائعاتهم، باعتبار أن أغلب الشائعات تُطلق لا من باب الرغبة في تصديقها لدى الجمهور المحايد، وإنما من أجل إشغال الخصم وإرباكه أولاً، ثم من أجل إعطاء الموقف السلبي من الخصم مبرراً بعد شيطنته بالإشاعات، وإعطاء الموقف بعداً أخلاقياً من أمام الجمهور المؤيد لمطلق الإشاعة.

لكن الإشاعة تعتبر من أسرع أدوات الخداع السياسي انكشافاً، ومفعولها في الغالب لا يدوم طويلاً، خصوصاً بعد تكذيبها، لكن مطلق الإشاعة يراهن على الوقت الفاصل بين إطلاقها وانتشارها، وبين تكذيبها أو انكشافها، ففي هذا الوقت بإمكانه خدمة أجندته في إشغال الخصم أو تشويهه، كما يراهن على الفئات البسيطة التي لا يصلها الرد والتكذيب للإشاعة.

"الخليج أونلاين": من هم الأخطر بنظرك، من خلال طرح فكرة ما على المتلقين، مشاهير السوشيال ميديا، أم الذباب الإلكتروني؟ وهل هناك دور للقضاء في الحد من الأثر السلبي لأي منهما؟

السند: باعتقادي أن المشاهير أخطر من الذباب، فالذباب غالباً ما تكون حسابات وهمية، أما المشاهير فيكونون محل ثقة عند كثير من متابعيهم، وهو ما يجعلهم في موقع متقدم من التأثير والتوجيه.

بالنسبة إلى القضاء لا أعتقد أن له دوراً كبيراً في مسائل التوجيه أو التوظيف السياسي الذي يقوم به المشاهير مهما كان سيئاً، لكن دور القضاء والقانون يأتي عندما يتجاوز المشهور حده في التحريض على الكراهية مثلاً، أو إثارة العنصرية، أو التجاوزات الأخلاقية، أو استغلال المنصة لعمليات مخالفة للقانون كالإعلانات غير المرخصة وعمليات غسل الأموال.

"الخليج أونلاين": تجييش الإعلاميين الخليجيين واستخدامهم في مواقع التواصل من قبل أي طرف، أهو أمر تلقائي أم بشكل مخطط له؟

السند: لا شك أنه مخطط له وليس تلقائياً، وهناك دور مشروع للإعلاميين عندما يعبرون عن توجهاتهم الحقيقية والصادقة، ويكون التعبير بشكل أخلاقي ومهني، وإن كان متوافقاً مع توجهات المؤسسة الإعلامية التي يظهر من خلالها، لكن الإشكالية عندما يتحول الإعلامي إلى بوق وأداة، يعبر فقط عما يُملى عليه، أو لمن يدفع له، حتى ولو كان مخالفاً لقناعاته، أو تجاوز الحدود المهنية والأخلاقية.

"الخليج أونلاين": لماذا تراجع دور الإعلام في مواجهة مواقع التواصل الاجتماعي وفيما ينشر فيه؟ هل يمكن القول إن مواقع التواصل أصبحت أكثر خطورة من الإعلام المرئي والمقروء؟

من حيث الخطورة نعم، باعتقادي أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أكثر خطورة باعتبار سهولة الوصول إليها وسهولة النشر فيها، كما أنها لصيقة بالمستخدم، وملازمة له بصورة أكبر من الإعلام التقليدي، وهذا ما يضاعف أثرها وخطورتها، لكن الإعلام التقليدي والرسمي ما زال يتمتع بثقل لا يمكن الاستهانة به، فما زال هو المغذي الرئيس للإعلام الجديد، كما أنه يكتسب أهميته من أهمية الجهات التي يمثلها، وخصوصاً الحكومات.

"الخليج أونلاين": هل أصبحت مواقع التواصل جزءاً من مصدر القرار الخليجي؟ وما خطورة ذلك؟

السند: أظن ذلك، وهذا سلاح ذو حدين، فكما أن مواقع التواصل الاجتماعي تعد حالياً أبرز معبر عن نبض الرأي العام، فإنه بسهولة يمكن ممارسة التضليل فيها، كما أن الخطورة في أن تكون هي المصدر الأكبر للقرار على حساب مراكز الدراسات والأبحاث وآراء المختصين.

في الأزمة الخليجية اتضح أن مواقع التواصل تمثل لدى بعض أطراف الأزمة الجانب الأكبر من المعركة، فغالب المعارك تخاض عن طريق الوسوم وبواسطة الذباب الإلكتروني، وهذا يمنح شعوراً وهمياً بالانتصار والسيطرة على حساب التأثير الحقيقي على أرض الواقع، ولذلك نلاحظ أن تلك الأطراف تكسب معارك في الفضاء الافتراضي بقدر خسارتها للمعارك على أرض الواقع!