الخليج أوناين-
أعاد الاختراق الإلكتروني الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية، منتصف ديسمبر 2020، والذي لا تزال تداعياته مستمرة حتى الآن، تسليط الضوء على خطورة تلك الهجمات الإلكترونية مع تزايدها وتوسُّع نطاقها.
ووُصف الهجوم الأخير بأنه الأسوأ في تاريخ واشنطن، خاصة مع تكشُّف تفاصيل جديدة كل يوم حول طبيعة القرصنة، وسط اعتقاد سائد بأن الاختراق "أسوأ بكثير مما كان يعتقد في السابق"، فيما وُجهت أصابع الاتهام نحو روسيا.
ومن شأن هذا الاختراق الذي تعرضت له "أقوى دولة في العالم"، أن يُسرع من خطط حكومات الخليج لمجابهة الهجمات الإلكترونية وتشكيل حائط صد متقدم لها أو حتى منعها، في ظل التقارير التي تتحدث عن كونها إحدى أكثر المناطق المستهدفة في العالم.
كما تعالت الأصوات متسائلة عن إمكانية أن تشرع دول مجلس التعاون الخليجي قدماً في إنشاء مركز موحد للأمن السيبراني، في ظل التهديدات المتتالية والهجمات الإلكترونية التي تصاعدت في السنوات الأخيرة ومن المتوقع تزايدها مستقبلاً أيضاً.
ما الهجمات الإلكترونية؟
تهدد الهجمات السيبرانية الأمن الإلكتروني عالمياً؛ عبر إرسال برمجيات خبيثة تطور بهدف الإساءة، أو القرصنة لحاسوب، أو هاتف ذكي، أو خوادم إنترنت، أو شبكة حاسوبية، أو موقع تجاري إلكتروني، أو تطبيق ما.
ويمكن من خلال تلك الفيروسات التجسس على الضحية والتحكم في أجهزته أو أعماله، واستهداف معلومات خاصة به، وصولاً إلى السرقة والابتزاز أحياناً.
وتعتبر الهجمات الإلكترونية بمنزلة اعتداء شبه مباشر على السيادة الوطنية (الإلكترونية)؛ لما تحمله من مخاطر على الأفراد، خصوصاً إن اخترقت حساباتهم البنكية، أو على الدول في حال قرصنة مواقع أو وكالات حكومية.
ولهذا يدعو الباحثون بمجال أمن المعلومات الدول إلى بذل جهود كبرى لتمتين حصانتها الإلكترونية وأمنها السيبراني، وهو ما تعهد به الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن من خلال "تعطيل وردع الخصوم عن شنّ هجمات إلكترونية كبيرة في المقام الأول"، علاوة على "فرض تكاليف باهظة على المسؤولين عن مثل هذه الهجمات".
خطوات خليجية
في 16 سبتمبر 2020، وافق مجلس الوزراء القطري على مشروع قرار أميري يقضي بإنشاء وكالة وطنية للأمن السيبراني بهدف "توحيد رؤى وجهود تأمين الفضاء السيبراني للدولة، والمحافظة على الأمن الوطني السيبراني".
وذكرت وكالة الأنباء القطرية (قنا)، أن الدوحة تسعى دائماً إلى "تعزيز أمن المعلومات داخل الدولة، وتشجيع التعاون الدولي على مكافحة الجريمة السيبرانية".
وأواخر أكتوبر 2019، دق أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ناقوس الخطر عندما غرّد على حسابه في "تويتر"، بقوله: إن "ثمة فجوة تشريعية وتقنية مقلقة في الأمن السيبراني، والأعوامُ الأخيرة شاهدة على أزمات خطرة بفعل ذلك"، مشدداً على أن من الضروري "سدها كحاجة حياتنا المعاصرة للتقنية".
وفي سلطنة عُمان، أصدر السلطان هيثم بن طارق، في 10 يونيو 2020، مرسوماً بإنشاء مركز الدفاع الإلكتروني، الذي يستهدف المعاملات الإلكترونية ومكافحة جرائم تقنية المعلومات، ويتبع مباشرة جهاز الأمن الداخلي.
ونهاية نوفمبر 2020، اعتمدت الإمارات إنشاء مجلس للأمن السيبراني، يختص باقتراح وإعداد التشريعات والسياسات والمعايير اللازمة لتعزيز الأمن السيبراني للقطاعات المستهدفة كافة في الدولة.
كما يختص بإعداد وتطوير وتحديث استراتيجية للأمن السيبراني وخطة وطنية متكاملة للاستجابة، وضمن ذلك الهجمات والتهديدات وتقييم جاهزيتها، ووضع الآلية لتبادل ومشاركة وحوكمة المعلومات المرتبطة بالأمن السيبراني بين الجهات والقطاعات المختلفة محلياً ودولياً.
بدورها تعكف الكويت على مشروع إنشاء مركز الأمن الوطني السيبراني؛ لتحقيق الإدارة الاستباقية لتهديدات ومخاطر الفضاء الإلكتروني، بحسب ما أوردته صحيفة "الأنباء" المحلية، مطلع العام الحالي.
وكانت السعودية قد أنشأت هيئة وطنية للأمن السيبراني نهاية أكتوبر 2017، لكن ذلك لم يمنع من كونها أكثر دول الخليج عرضة للهجمات الإلكترونية الخبيثة عام 2019، وفق تقرير لشركة "تريند مايكرو" العالمية المتخصصة بأمن المعلومات، في 31 مارس 2020.
توحيد الجهود
الحكومة البحرينية أيدت في نوفمبر الماضي، مقترحاً نيابياً بشأن إنشاء مركز خليجي موحد للأمن السيبراني، لمواجهة "القرصنة الإلكترونية، والإرهاب الإلكتروني، وتزامناً مع التقدم التقني المتسارع"، وفق ما أوردته صحيفة "أخبار الخليج" المحلية.
وفي هذا السياق، قالت وزارة الخارجية البحرينية في تقرير لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب، إن الاتفاقية الأمنية الخليجية لعام 1994 جُددت بموجب الاتفاقية الأمنية بين دول المجلس لعام 2012، بغية المساهمة في محاربة الجريمة بأنواعها كافة، وعلى الأخص الجرائم السيبرانية.
وكان خبراء في أمن المعلومات قد دعوا إلى ضرورة توحيد الجهود الخليجية لمواجهة تحديات الأمن السيبراني وتوفير الحماية اللازمة للبيانات والمعلومات الحساسة الخاصة بدول الخليج من خلال وضع استراتيجيات وطنية لمواجهة تلك التحديات.
جاء ذلك في فعاليات مؤتمر الأمن السيبراني الخليجي الثاني، الذي عُقد في الكويت منتصف نوفمبر من العام الماضي، خاصةً أن المعطيات التقنية المتطورة وتسارع وتيرتها وكثافة الربط الشبكي تزيد مخاطر الهجمات الإلكترونية وما يصاحبها من ضياع للخصوصية وسطو مالي وغيره.
ارتفاع بالهجمات
وفي فبراير 2020، حذّر خبراء في مجال الأمن السيبراني، في تقرير نشره موقع "cisomag.com"، من أن دول الخليج ستشهد ارتفاعاً في الهجمات الإلكترونية المدعومة من الدول، أو ما يعرف بـ"التهديدات المستمرة المتطورة"، خلال العام الحالي، مقارنة بالأنشطة الإجرامية الأخرى.
ووفقاً للتقرير أوضح مدير المرونة الرقمية والأمن السيبراني في شركة "PwC" الشرق الأوسط، سيمون فيرناشيا، أن التوترات الجيوسياسية نتج عنها ارتفاع في التهديدات السيبرانية المحتملة التي تستهدف بنى تحتية حساسة.
وتوقع أن تكون هناك تهديدات من جهات فاعلة عالمياً تهدف إلى تخريب خطوط الإمداد الرئيسة في المنطقة؛ مثل النفط والغاز والبتروكيماويات، إضافة إلى شبكات الكهرباء، مبيناً أن أنشطة الجرائم الإلكترونية ستستمر في النمو بالمراكز المالية في دول الخليج.
وحسب تقرير نشرته "Honeywell"، من المتوقع أن ينمو سوق الأمن السيبراني في الشرق الأوسط بمعدل سنوي مركب 22.5%، وذلك بين عامي 2018 و2024.
ووفق تقرير نشره موقع "مودرن دبلوماسي" الأمريكي، فإن المجال السيبراني بات المجالَ العملياتي الخامس، إلى جانب الجو والفضاء والبر والبحر، وإن أكثر من 40 دولةً الآن تمتلك إمكانات عسكرية في هذا المجال، منها 12 دولة تتمتع بقدرات سيبرانية هجومية صريحة.
وفي 16 يونيو 2020، كشف باحثون بشركة "كاسبرسكي" المتخصصة بالأمن الإلكتروني، أن دول الخليج الست تعرضت لقرابة 282 ألف هجمة على مستخدمي الهواتف الذكية فيها؛ من يناير حتى يونيو 2020.
وكشفت إحصاءات شبكة "كاسبرسكي" الأمنية (KSN)، في أكتوبر 2020، أن البرمجيات المالية الخبيثة التي شوهدت في جميع أنحاء دول الخليج، زادت بنسبة 45% في النصف الأول من عام 2020، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وبحسب المنصة المتخصصة التي صُمّمت لمعالجة المعلومات المتعلقة بالتهديدات وتحويلها إلى رؤى متعمقة قابلة للتنفيذ، فقد جاءت عُمان في قائمة الأعلى بالمنطقة بنسبة بلغت 72%، تلتها السعودية بـ55%، وتبعتها الإمارات بـ42.5%.