الخليج أونلاين-
بعد أيام قليلة من اندلاع الأزمة الخليجية، في يونيو 2017، نادت بريطانيا رسمياً بإيجاد حل فوري، داعية إلى تخفيف الإجراءات المترتبة عن الأزمة، واتخاذ خطوات تقلل من تصعيد الموقف.
وكانت بريطانيا تفضل استمرار حالة الاستقرار السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي بدل حدوث أي أزمة تؤثر على العلاقات الخليجية البريطانية بشكل عام، وبين عواصمها ولندن بشكل خاص، في إطار تشابك اقتصادي بارز بين مختلف الأطراف.
وبعد سنوات من اندلاع الأزمة واتخاذ لندن لموقف واضح يدعم أي وساطة لإنهاء الخلاف الذي كان دائراً في البيت الخليجي، في واحدة من أسوأ أزمات مجلس التعاون منذ أسس عام 1981، انتهت الأزمة، مطلع يناير 2021، لتؤسس لمرحلة جديدة للمنطقة.
دعمت الصلح
لم تكن بريطانيا تريد استمرار الأزمة الخليجية بحال من الأحوال؛ باعتبار أن ذلك يهدد استقرار المنطقة التي تعد من أبرز منابع النفط المُورد إلى العالم، ولذلك دعت لإيجاد وسيط ينهي الخلاف الدائر منذ الأيام الأولى.
وفي 29 يونيو 2017، أي بعد نحو شهر على اندلاع الأزمة، دعمت لندن الوساطة الكويتية، مؤكدة أهمية الحوار في تهدئة التوتر بمنطقة الخليج.
صحيح أن الأزمة الخليجية لم تؤثر على العلاقات القوية التي تجمع مختلف دول الخليج ببريطانيا، إلا أن لندن فضلت أن يستمر الوئام بين مختلف الأطراف بما يضمن تعاوناً أكبر وتحقيق المزيد من الاستثمارات.
فقد أدت الأزمة الخليجية إلى انقطاع الطرق البرية والبحرية والجوية مع قطر، ما جعل التنقلات شديدة الصعوبة، خاصة على المستثمرين وأصحاب الشركات التي لديها مقرات في الأراضي البريطانية أو الخليجية الأخرى، ورغم تغلب الدوحة عليها فإنها صعبت من حركة الأعمال السابقة.
واستمرت المملكة المتحدة في دعمها لكل سبل إنهاء الخلاف الخليجي، وكان مسؤولوها يزورون العواصم الخليجية مؤكدين ضرورة التوصل إلى اتفاق ضمن الوساطة الكويتية.
وتعبيراً عن ذلك قالت المتحدثة باسم الحكومة البريطانية، روزي دياز، في حوار سابق مع "الخليج أونلاين": إن "لندن تعرب عن دعمها المستمر والقوي لجهود الوساطة التي تقودها الكويت، والتي نأمل أن تعيد وحدة الخليج التي تعتبر حيوية لأجل أمن واستقرار المنطقة".
وشددت: "نحن مستمرون في التواصل مع شركائنا في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأولئك الذين يشاطروننا الرأي، في بذل كل ما بوسعنا من أجل دعم تدابير بناء الثقة من خلال الدبلوماسية وسبل خفض التصعيد".
وبالفعل تمكنت الوساطة الكويتية من إحراز خرق في جدار الأزمة، لتتمكن من جمع الفرقاء في 5 يناير 2021، وإعلان انتهاء الأزمة الخليجية بشكل كامل وإعادة العلاقات الدبلوماسية لسابق عهدها.
في الوقت ذاته ثمنت الخارجية البريطانية "الجهد الكبير" الذي قامت به دولة الكويت، مؤكدة أن "أمن ووحدة دول مجلس التعاون ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة المتحدة الخارجية".
وفي 8 يناير 2021، هنأ رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بالمصالحة عبر اتصال هاتفي، معتبراً أنها تعزز الأمن والاستقرار في المنطقة.
المصالحة تفيد بريطانيا
ويرى محمد فتوح، الخبير بالشأن الأوروبي، أنه بشكل عام كانت هناك حالة من عدم الرضا في الغرب بخصوص الأزمة الخليجية، فعدا الرئيس الأمريكي دونالد وترامب وصهره جاريد كوشنر، ولأسباب غالبتيها شخصية متعلقة بهما، كانت هناك نظرة قلق تجاه توتر العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي، الذي حرصت دوله دائماً على إظهار التمسك بوحدته ولو بالحد الأدنى، وخصوصاً بعد ورود إشارات عن خطر تطور الخلاف إلى عمل عسكري، وهذا شكل مصدر قلق لدى العديد من دول العالم وبينها بريطانيا".
وأشار فتوح في حديث مع "الخليج أونلاين" إلى أن "الأزمة الخليجية فرضت ضغوضاً على الدول الغربية بشأن تعاملاتها مع دول الخليج، وكذلك فيما يتعلق بصفقات السلاح التي ترى كل دولة أن حصول الدول الأخرى عليها يشكل دافعاً لها للدخول في سباق التسلح هذا".
وأكّد أن "المصالحة تريح بريطانيا ودولاً أخرى؛ لأنها تحرص على استمرار علاقاتها مع جميع الأطراف في الخليج، فهي لها مصالح كبرى هناك، وهي بحاجة دائماً للحفاظ على التوازن، وخصوصاً بعد مرحلة بريكست، حيث تحتاج لإبرام اتفاقيات تجارية جديدة، إضافة إلى حاجتها لاستمرار صفقات السلاح دون الوقوع تحت ضغط الانتقادات الخاصة باحتمال استخدام هذا السلاح بأي نزاع في المنطقة".
ولفت إلى أن هناك استثمارات ضخمة لدول الخليج، وخصوصاً قطر، في بريطانيا، ومن ثم فهي تحرص على استمرار تدفق الاستثمارات إليها، واستعادة التوافق بين دول الخليج يساعد بريطانيا على التعامل بأريحية مع هذه الدول".
فتوح أضاف أيضاً أن "بريطانيا أظهرت خلال الأزمة الخليجية عدم ارتياحها للانقسام بين دول الخليج، وحاولت لعب دور الوسيط، بخلاف فرنسا (إضافة إلى ترامب) على سبيل المثال، التي أبدت تفهماً لدوافع التحالف المناهض لقطر، وتحدثت عن ضرورة معالجة قطر مخاوف هذه الدول".
وقال كذلك إن حكومة حزب المحافظين تعرضت لضغوط داخلية ومن المعارضة بشأن علاقاتها بالسعودية، و"كانت الأزمة الخليجية عاملاً في زيادة الضغط على الحكومة لتضغط بدورها على السعودية لإنهاء الأزمة، إضافة إلى قضايا حقوق الإنسان في هذا البلد، وعليه فإن المصالحة الخليجية تشكل عامل ارتياح وتخفيف للضغط بشأن علاقاتها مع السعودية".
العلاقات البريطانية الخليجية
تعد العلاقات البريطانية الخليجية قديمة وتاريخية وذات حضور قوي بالمجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، خصوصاً مع النفوذ التاريخي للمملكة المتحدة بالشرق الأوسط خلال القرن الماضي.
ورغم أن بريطانيا فقدت الكثير من نفوذها مع الحضور الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية، فإنها احتفظت بجزء منه وبحضور قوي لواحدة من أبرز القوى الاستعمارية عالمياً.
وبشكل جماعي تشكل دول الخليج العربية ثالث أكبر شراكة تجارية للمملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي؛ حيث استثمرت دول الخليج مليارات الدولارات في اقتصاد بريطانيا، فيما كان للشركات البريطانية استثمارات بارزة في الأراضي الخليجية عموماً.
وعلى مدار السنوات وثقت بريطانيا علاقاتها، وتتضافر عدة عوامل في ضمان ترجيح توجه العلاقات مع دول الخليج العربية نحو مزيد من القرب والصلات الوثيقة، وتحول دون تغير كامل في سياسات لندن في هذا الصدد.