ديفيد دي روش- معهد دول الخليج العربية- ترجمة الخليج الجديد-
تأتي كل إدارة أمريكية إلى السلطة بوعود تتحول بعضها إلى سياسات، بينما يتم تجاهل البعض الآخر في إطار التوجه الطبيعي للحكم.
ويبدو أن آراء خبراء إدارة "جو بايدن" متضاربة قليلاً فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة إلى دول الخليج.
من ناحية، وعد "بايدن" بالعودة إلى "الوضع الطبيعي"، ومن ناحية أخرى، وعدت حملة "بايدن" بإنهاء الدعم العسكري الأمريكي للتدخل الذي تقوده السعودية في اليمن كما عارض الديمقراطيون في الكونجرس مبيعات الأسلحة الأخيرة للإمارات.
وبمجرد وصولهم إلى السلطة، يعدل معظم الرؤساء وعودهم الانتخابية الأكثر دراماتيكية، وقد يكون هذا هو الحال بالنسبة لـ"بايدن".
فبينما من المحتمل أن تكون هناك فترة قصيرة للتقييم والتوقف المؤقت في مبيعات الأسلحة الجديدة، فمن المرجح أن يكون هناك تشابه مع مواقف إدارة "ترامب" و"أوباما" بشأن مبيعات الأسلحة للحلفاء الخليجيين الرئيسيين.
بشكل عام، كان هناك إجماع من الحزبين على مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الشرق الأوسط، وخاصة لحلفاء الولايات المتحدة في دول الخليج العربية.
على سبيل المثال تم الانتهاء من أكبر عملية بيع عسكرية أجنبية في تاريخ الولايات المتحدة، وهي إعادة رسملة وتحديث أسطول "إف 15" السعودي، خلال إدارة الرئيس السابق "باراك أوباما".
ونتيجة لذلك، تم بيع أحدث الطائرات التي تحلق فوق اليمن اليوم بفضل جهود متواصلة واستثنائية من قبل إدارة "أوباما".
وقد واصلت إدارة "أوباما" أيضًا مبيعات الأسلحة الأمريكية (ومدفوعات المساعدات العسكرية) لمصر بعد الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال "عبدالفتاح السيسي" ضد الرئيس المنتخب "محمد مرسي". ورفضت إدارة "أوباما" تسمية ما جري بالانقلاب لتجنب الالتزام بالقوانين التي تفرض تعليق المساعدات الأمنية والعسكرية بعد الانقلابات.
وبدلاً من كونها قضية حزبية بحتة، غالبًا ما تميل معارضة مبيعات الأسلحة إلى أن تكون مشكلة بين فروع الحكومة.
ويميل الكونجرس (خاصة إذا كان يسيطر عليه حزب مختلف عن البيت الأبيض) إلى أن يكون أكثر تقييدًا تجاه مبيعات الأسلحة.
ويختلف المشرعون، الذين يمكنهم انتقاء واختيار القضايا التي يرغبون في مناقشتها والتدقيق فيها، عن الرئيس الذي يجب أن يدير النطاق الكامل للعلاقات الثنائية.
ونتيجة لذلك، غالبًا ما تستخدم السلطة التنفيذية مبيعات الأسلحة كأداة رئيسية للسياسة الخارجية، وتعطيها الأولوية في بعض الأحيان على اعتبارات أخرى مثل انتهاكات حقوق الإنسان.
في عهد الرئيس "دونالد ترامب"، تم انتهاك القواعد والمعايير التي تحكم مبيعات الأسلحة الأمريكية.
وإلى حد ما، عكس هذا النهج بعض خطاب حملته.
وغالبًا ما نظر "ترامب" إلى هذه المعايير والقواعد على أنها مشكلة، وكان يعد بإحداث تغيير.
ومع ذلك، فإن المنظومة التي تحكم المبيعات العسكرية الأجنبية تطورت على مدى عقود إلى عملية معقدة أثبتت أنها قادرة على مقاومة أي سلطة تنفيذية تسعى إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن المبيعات المسلحة.
وللتحايل على هذه المنظومة، استغلت إدارة "ترامب" الأحكام الطارئة في قانون مبيعات الأسلحة الأمريكي.
كان استدعاء حالة الطوارئ في مايو/أيار 2019 لتسريع المبيعات للإمارات والأردن والسعودية بمثابة مشكلة تأسيسية.
واعتبر الكونجرس أن إشعار المبيعات العسكرية الأجنبية السريع في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بشأن بيع مقاتلات وطائرات بدون طيار إلى الإمارات بمثابة انتهاك جديد.
وفي حين أن الكونجرس لم يتمكن من تجاوز حق النقض (الفيتو) الذي استخدمه "ترامب" ضد إجراء يهدف إلى وقف البيع، فقد حصل القرار على أغلبية أصوات الكونجرس.
ويبقى أن نرى ما إذا كان الديموقراطيون (وبعض الجمهوريين) في الكونجرس ينظرون إلى هذه المشكلات على أنها مشاكل نظامية يجب حلها بالتشريع أو كمشكلة خاصة بإدارة "ترامب".
وهناك عدد قليل من العوامل الأخرى التي قد تعرقل المزيد من مبيعات الأسلحة الأمريكية لدول الخليج.
الأول مرتبط بالتقارب الاستثنائي بين "ترامب" وبعض الحكام في العالم العربي، بما في ذلك السعودية والإمارات ومصر.
وبالنسبة لأعضاء الحزب الديمقراطي في الكونجرس، فقد كانوا ينظرون إلى مهاجمة المبيعات لهذه البلدان باعتبارها وسيلة لمهاجمة "ترامب".
بدأ التدخل السعودي في حرب اليمن بدعم كبير من إدارة "أوباما" أكثر مما تقدمه الولايات المتحدة للتحالف الذي تقوده السعودية اليوم.
لكن بمجرد أن تولى "ترامب" منصبه، اجتذبت حرب اليمن معارضة شبه موحدة من الديمقراطيين في الكونجرس.
والآن يسيطر الديمقراطيون على مجلسي الشيوخ والنواب.
بالإضافة إلى ذلك، تمثل حقوق الإنسان في دول الخليج مصدر قلق للديمقراطيين - وبعض الجمهوريين في الكونجرس- وكذلك لإدارة بايدن" القادمة.
ولا يزال مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" واستمرار حبس "لجين الهذلول" وسجناء سياسيين آخرين من القضايا الشائكة في العلاقات الأمريكية السعودية.
وكما أشرنا، ترشح "بايدن" لمنصب الرئاسة مع وعود بوقف كل الدعم الأمريكي للحرب في اليمن.
وأصر النائب "رو خانا"، وهو ديمقراطي من كاليفورنيا، على أن هذا يعني الوقف الفوري لجميع مبيعات الأسلحة والاستخبارات والدعم اللوجستي للسعودية.
ويبقى أن نرى كيف ستضغط الإدارة الجديدة من أجل إنهاء الصراع في اليمن مع تجنب الإجراءات التي قد تضر بالعلاقات مع الحلفاء الخليجيين الرئيسيين أو ربما تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن.
على سبيل المثال، يوفر الدعم الاستخباراتي الأمريكي الكبير للسعودية معلومات عن المواقع المدنية التي يجب تجنبها، لذلك إذا انخفض هذا الدعم، فقد تزيد الخسائر في صفوف المدنيين.
بالرغم من أهميتها، إلا أن مخاوف الديمقراطيين لا تشير على الأرجح إلى انتهاء مبيعات الأسلحة إلى دول الخليج العربية، لكنها تعزز ما يحتمل أن يكون ميل الإدارة الجديدة للمضي بحذر في هذه القضية.
ومن المرجح أن يختار "بايدن" وضع مبيعات الأسلحة للخليج في مرتبة متأخرة لعدة أسباب.
أولاً، ليس من المحتمل أن تكون هناك طلبات أسلحة كبيرة مثيرة للجدل من أي من دول الخليج في الأشهر الستة الأولى من إدارة "بايدن" حيث جرى إبرام صفقات الأسلحة باهظة الثمن التي تريدها دول الخليج بالفعل خلال إدارة "ترامب".
قد تكون هناك عمليات تعليق مؤقتة لتسليم الأسلحة (كما هو الحال مع البحرين ومصر خلال إدارة "أوباما") ، لكن هذه ستكون جهودا قصيرة الأجل.
ثانيًا، ستحتاج إدارة "بايدن" إلى بعض الوقت لتهيئة فريق الأمن القومي لديها ووضع سياسات تجاه المنطقة.
وفي حين أن مبيعات الأسلحة تقع ضمن الاختصاص الرسمي لوزارة الخارجية، فإن وزارة الدفاع بشكل عام هي المحرك والميسر للمبيعات من الناحية العملية.
ويعتبر الجنرال "لويد أوستن"، المرشح لمنصب وزير الدفاع، على دراية كبيرة بالخليج ومخاوفه الأمنية.
وبافتراض تأكيد تعيينه، سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى يؤسس فريقه وأولوياته.
ومن المحتمل أن يكون بناء استراتيجية عالمية جديدة مع فريق جديد – وليس مسألة مبيعات الأسلحة - هو القضية الأكثر إلحاحًا لبعض الوقت.
أخيرًا، من غير المرجح أن تضغط دول الخليج نفسها من أجل مبيعات أسلحة كبيرة قريبًا مع إدارة "بايدن".
تراقب هذه الدول عن كثب التطورات في واشنطن وهي على علم بالاعتراضات التي أثارها الحزب الديمقراطي على مبيعات الأسلحة السابقة.
ولذلك من المرجح أن تتراجع القيادة الحذرة والبراغماتية للخليج عن طلبات الأسلحة الجديدة وتتجنب ذلك حتى تظهر الديناميكية الجديدة لواشنطن.
وتعرف دول الخليج العديد من اللاعبين الجدد في إدارة "بايدن" وعملت معهم.
على سبيل المثال، كان المرشح لمنصب وكيل وزارة الدفاع - اللاعب الرئيسي للبنتاجون في العلاقات الثنائية - المسؤول في وزارة الدفاع عن شؤون الشرق الأوسط لعدة سنوات خلال إدارة "أوباما".
وستكثف دول الخليج من نفوذها، وستوظف جماعات ضغط جديدة تتمتع بصلات أفضل بالإدارة الجديدة، وتقيم ما يمكن أن يتغير.
علاوة على ذلك، من المرجح أن تذكّر دول الخليج الولايات المتحدة بأن لديها خيارات بديلة للأسلحة الأمريكية.
من المحتمل أن تكون هناك بعض الأسلحة الإضافية المشتراة من أوروبا وروسيا والصين، مثل المركبات المدرعة وأنظمة المدفعية الرخيصة نسبيًا، وليس الطائرات المقاتلة.
وبالفعل، تمتلك الإمارات حالياً نظام الدفاع الجوي الروسي "بانتسير"، ويمتلك السعوديون مدفع هاوتزر الصيني. وقد يكون هناك زيادات لهذه المعدات.
وعندما تسعى دول الخليج في نهاية المطاف إلى شراء أسلحة أمريكية إضافية، فمن المرجح أن تطلب أنظمة ليست مثيرة للجدل وليست ذات صلة بالصراع في اليمن.
وقد كانت الذخائر الموجهة بدقة هي محور محاولات الكونجرس لمعاقبة السعوديين والإماراتيين على الحرب في اليمن. بدلاً من ذلك، من المرجح أن تسعى هذه الدول إلى شراء أسلحة تتوافق مع هدف الولايات المتحدة الطويل الأمد المتمثل في رؤية دول الخليج مجهزة لردع إيران بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي والأنظمة البحرية وأنظمة دعم الخدمات القتالية.
لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى كانت المعارضة الديمقراطية لمبيعات الأسلحة السعودية والإماراتية وسيلة لمهاجمة "ترامب".
ولكن مع انتقال إدارة "بايدن" من الحملات الانتخابية إلى الحكم، فمن المرجح أن تتبع نمط الإدارات السابقة وتتحول من بعض تعهدات الحملة المبسطة نسبيًا إلى إدارة العلاقات الثنائية مع مجموعة كاملة من أدوات السياسة بما في ذلك مبيعات الأسلحة، فسرعان ما تكتشف جميع الإدارات - بغض النظر عن خطاب حملتها - أن المصالح الأمنية الأمريكية في الخليج حقيقية ولا يمكن تأمينها دون دعم الشركاء الإقليميين، بغض النظر عن الخلافات حول سياسات محددة.
سيكون هناك بعض المواقف والكثير من الخطابات، ولكن في النهاية - كما هو الحال مع الإدارات الأمريكية الأخرى - سيكون أكثر ما يلفت الانتباه هو الاستمرارية وليس التغيير.