خالد الجابر- منتدى الخليج الدولي- ترجمة الخليج الجديد-
في نهاية العام الماضي، كان العديد من خبراء الشرق الأوسط واثقين من أن مجلس التعاون الخليجي آخذ في الانهيار نظرًا للخلاف المستمر بين أعضائه.
ثم جاءت قمة العلا في 5 يناير/كانون الثاني الماضي لتضع حداً للحصار المستمر منذ 3 سنوات على قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر، مما خلق أملا في قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على التوحد مجددا.
ومع ذلك، جادل البعض في أن قمة العلا كانت مجرد محاولة لكسب الوقت لإطالة عمر منظمة تعاني من انقسامات عميقة.
واليوم، بعد 4 عقود من ولادة مجلس التعاون الخليجي، ليس من الواضح ما إذا كان بإمكان المنظمة أن تدرك إمكاناتها كمؤسسة عربية إقليمية من أجل تحقيق الأهداف التي حددتها الدول الأعضاء الست في عام 1981.
ويدعو إعلان العلا إلى "التنسيق" والتكامل بين الدول الأعضاء في جميع المجالات"و"سياسة خارجية موحدة وفعالة" ولكن، على الأقل في الوقت الحالي، لا تبدو هذه الرؤية السامية واقعية.
وأوضحت الأزمة الدبلوماسية الخليجية أن دول مجلس التعاون الست لديها وجهات نظر مختلفة بشكل كبير حول السياسة الخارجية.
ويوافق أعضاء مجلس التعاون الخليجي بشكل عام على الأمن المتبادل الذي توفره المنظمة، لكنهم يختلفون فيما يتعلق بقضايا مثل دور الأحزاب الإسلامية المنتخبة ديمقراطيًا في المنطقة، وسلوك إيران في الشرق الأوسط، والقضية الفلسطينية.
وبالرغم أن هذه الدول قد وضعت بعض خلافاتها جانبًا مؤقتًا بسبب مجموعة من العوامل، أبرزها انتخاب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" فإن هذه التوترات تبقى تحت السطح.
تؤيد الكويت وعمان وقطر بشكل متزايد إدارة "بايدن" والتفاوض مع إيران على إحياء الاتفاق النووي في فيينا.
على النقيض من ذلك، لدى السعودية والإمارات والبحرين مخاوف كبيرة بشأن الآثار الجيوسياسية للاتفاق النووي الذي يعاد إحياؤه من خلال المحادثات الجارية في فيينا.
وفيما يتعلق بإسرائيل، اتخذت الإمارات والبحرين قرارًا بإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع تل أبيب العام الماضي، في حين اختارت الدول الأعضاء الأربعة الأخرى في مجلس التعاون الخليجي مواصلة دعمها الرسمي لمبادرة السلام العربية، والتي تتطلب من إسرائيل العودة إلى حدود 4 يونيو/حزيران 1967 قبل توقيع أي اتفاقيات دبلوماسية.
وسط هذه التوترات، تم تنحية قضية التطور الديمقراطي في الخليج إلى حد كبير.
وعلى مدى العقد الماضي، لم تكن هناك تغييرات كبيرة في المشهد العام بشأن توسيع المشاركة الشعبية أو تعزيز دور المؤسسات المنتخبة في دول مجلس التعاون الخليجي.
وكان أحد الاستثناءات لهذه القاعدة هو قطر، التي أعلنت عن أول انتخابات ديمقراطية لمجلس الشورى في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتخطط لتوسيع دور المجلس من مجرد هيئة استشارية ليشمل القدرة على سن القوانين، وهو دور كان مخصصًا سابقًا للسلطة التنفيذية.
ومع ذلك، ليس هناك ما يضمن أن تكون الهيئة التشريعية الأكثر ديمقراطية أكثر نجاحًا.
وفي الكويت، يواجه مجلس الأمة ، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره المؤسسة الأكثر ديمقراطية في الخليج، أزمة حادة حيث تصاعدت المواجهة المستمرة بين الحكومة والمعارضة بشكل كبير بعد الانتخابات البرلمانية في ديسمبر/كانون الثاني 2020، ومن المرجح أن يؤدي تصاعد الصراع إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة في الأشهر المقبلة.
وتجنبت دول الخليج الأخرى مشاكل الكويت بتجاهل الديمقراطية جملة وتفصيلا.
فقد حرمت السلطات البحرينية المعارضة من أي دور في العملية السياسية داخل البلاد. فيما تواصل العائلات الحاكمة في الإمارات السبع في الإمارات السيطرة على الحكومة.
وأخيرًا، مع صعود ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" تجاهلت المملكة تمامًا الدعوات لإجراء إصلاحات سياسية قريبة مما يحدث في بعض دول الخليج.
وفي جميع أنحاء الخليج، تم سجن الإصلاحيين والسياسيين المعارضين أو أرسلوا إلى المنفى في الولايات المتحدة أو أوروبا أو تركيا.
علاوة على ذلك، بدأ الوضع المالي لدول مجلس التعاون الخليجي في الانهيار حيث بدأ النفط يفقد قيمته في ظل الاندفاع العالمي لاستخدام مصادر الطاقة البديلة.
وبطريقة أو بأخرى، سينتهي اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي على النفط في نهاية المطاف. وبالرغم من الجهود المتزايدة لتنويع مواردها الاقتصادية، ظلت خطط التنويع هامشية في الهيكل الاقتصادي لدول الخليج.
ومع أن أعضاء مجلس التعاون الخليجي لم يتمكنوا من حل جميع خلافاتهم في العلا، إلا أن هناك بعض الطرق التي يمكن للمجلس تحقيق هدفه المعلن من خلالها.
وبشكل عام، تكون دول مجلس التعاون الخليجي أكثر نجاحًا عندما يتعلق الأمر بمجالات التعاون الأقل حساسية من الناحية السياسية، بما في ذلك مكافحة فيروس كورونا، والبحث العلمي المشترك، والتعاون الاقتصادي والتجاري، ومشاريع البنية التحتية المشتركة.
تشهد دول مجلس التعاون الخليجي لحظة تغيير جيلي لكل من قيادتها ومواطنيها، ففي يناير/كانون الثاني 2020 توفي السلطان "قابوس بن سعيد" آخر الملوك المؤسسين للسلطنة، وفي وقت لاحق من العام توفي أمير الكويت الشيخ "صباح الصباح"، وهو رجل دولة مخضرم وزعيم بلاده منذ عام 2006.
وأصبح مصير دول مجلس التعاون الخليجي بيد جيل أكثر شبابا لديه تجارب مختلفة ووجهات نظر مختلفة، على عكس أسلافهم الذين شاركوا سياسات خارجية وداخلية مماثلة.
وسيحتاج الجيل الحالي إلى معالجة العديد من القضايا والتوترات الحساسة التي أدت إلى الانقسامات الداخلية للمجلس على مدى العقود الأربعة الماضية - بما في ذلك فترة 43 شهرًا (2017-2021).
ولخلق مستقبل يمكن أن يكون فيه مجلس التعاون الخليجي مؤسسة فعالة ذات قوة حقيقية، ستكون هناك حاجة إلى طريقة جديدة في التفكير. وفي هذه اللحظة، بعد 40 عامًا من إنشاء مجلس التعاون الخليجي، هناك نافذة ضيقة أمام دول الخليج للنظر في كيفية موازنة المصالح والأولويات ووجهات النظر الوطنية لكل دولة مع المصالح الجماعية المشتركة عبر الخليج.
وبغض النظر عما يخبئه المستقبل، فلا جدال في أن مجلس التعاون الخليجي استطاع الصمود على مدى العقود الأربعة الماضية، مع تحول دوره حسب الحاجة، للحفاظ على أهميته.
وفي السنوات القادمة، سيكون المجلس موجودًا في شرق أوسط مختلف وفي عالم يتزايد فيه عدد الأقطاب وتتسارع فيه عملية التغيير من خلال الابتكارات التكنولوجية التي يستحيل إبطاء سرعتها.
وبالرغم من أنه من المشكوك فيه أن تجد دول الخليج الست طريقة لتوحيد سياساتها الخارجية بشكل أساسي على المدى القصير، إلا أن هناك تفهمًا واضحًا بين الحكومات الخليجية لقيمة مجلس التعاون الخليجي، ورغبة واضحة في الحفاظ على هيكله الأساسي ووظائفه على الأقل.
ومع ذلك، فإن التغلب على أزمة الثقة والتنافس التي تزايدت خلال السنوات الماضية لن تكون مهمة سهلة للجيل الجديد.
وسيكون من الأهمية بمكان ملاحظة ما إذا كان هؤلاء قادة الخليج سيتطلعون إلى محاكاة كبار السن مثل السلطان الراحل "قابوس" والأمير "صباح"، الذين سعوا دائمًا إلى تعزيز التسوية والتوافق، أو القادة الأكثر طموحًا والمتطرفين الذين رأوا في السنوات الأخيرة العلاقات الدولية على أنها لعبة محصلتها صفر بغض النظر عن الصحة المؤسسية لدول مجلس التعاون الخليجي.
ووسط كل هذه التحديات، ما يزال قادة الخليج غير مهتمين بالرأي العام الخليجي. وبينما يسعى المواطنون إلى توحيد الخليج في منطقة مضطربة وغير مستقرة بشكل متزايد، تواصل الدول العمل من جانب واحد وغير متسق، مع إعطاء الأولوية لمصالحها الخاصة فوق وحدة المنظمة.
وبهذا المعنى، ظلت دول مجلس التعاون الخليجي طوال الأربعين عامًا الماضية واجهة تمثل الحكام فقط ولم تتحول إلى منظمة تمثل تطلعات مواطني دول مجلس التعاون الخليجي.