عبدالهادي ناصر العجمي- منتدى الخليج الدولي -
لطالما تمتعت دول الخليج العربي في تاريخها الحديث بعلاقة فريدة مع الولايات المتحدة، فقد رأت بعد تراجع نفوذ بريطانيا وانسحابها من الخليج عام 1971 أن الهيمنة الأمريكية قد تحقق استقرارًا كبيرًا في المنطقة. ولاحقا، شكلت هذه العلاقة السلوك السياسي الخليجي على المستوى الدولي.
وساعدت العلاقة القوية بين دول الخليج والولايات المتحدة على تعزيز النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، كما ضمنت الولايات المتحدة استقرار وأمن دول الخليج، مما جعل العلاقة مفيدة للطرفين.
التكاليف الخفية للصداقة الأمريكية
ومع ذلك، يتضح الآن أن التحالف مع أمريكا كان له ثمن، فقد واجهت دول الخليج العديد من المشاكل السياسية والدبلوماسية بسبب علاقتها مع الولايات المتحدة. فقد تسبب التحالف مع أمريكا في انتقادات لدول الخليج من قبل خصومها في المنطقة، بالإضافة إلى انتقادات داخلية من جانب المجتمع الخليجي الذي انزعج من تزايد النفوذ الأمريكي في المنطقة.
ووجدت دول الخليج صعوبة في التقليل من الرمزية التي تمثلها الولايات المتحدة كراع للإمبريالية والرأسمالية في العالم، بالإضافة إلى مواقفها غير الشعبية والمثيرة للجدل من قضايا الشرق الأوسط، وخاصة القضية الفلسطينية.
وأدى التدخل الأمريكي في حرب الخليج الأولى 1990-1991 إلى الاعتراف بشرعية وأهمية العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة.
وبالرغم من التغيير العميق الذي أحدثته هذه التجربة في عقول وقلوب المجتمعات الخليجية، إلا أن الصورة الإيجابية للولايات المتحدة سرعان ما تلاشت حين استأنفت واشنطن تأييدها لمواقف منحازة ضد مصالح العرب، بما في ذلك الدعم غير المشروط لما تفعله إسرائيل ضد الفلسطينيين.
اختبار الربيع العربي
ثم جاء الربيع العربي ليعطي مواطني الخليج سببًا آخر للريبة بشأن دور الولايات المتحدة. ففي الأيام الأولى، دعمت أمريكا الحركات الديمقراطية المتنامية في جميع أنحاء المنطقة. ولكن، بمجرد أن أدركت أن مصالحها الاستراتيجية أصبحت على المحك، بدأت في تجاهل حملات القمع الاستبدادية لحلفائها.
وسرعان ما فقد المواطنون العرب أي أمل في إصلاح أو تغيير أنظمة الحكم الاستبدادية في بلادهم، وبالتالي فقدوا الثقة في الولايات المتحدة التي أدى دعمها للقادة الاستبداديين في النهاية إلى كسر الحركة الديمقراطية.
ومع أفول ثورات الربيع العربي، واصلت الولايات المتحدة تقديم نفسها كحليف للأنظمة الاستبدادية بدعوى المحافظة على استقرار دول مجلس التعاون الخليجي وباقي دول العالم العربي، وبعدها ازدادت حملات القمع ضد الناشطين والحركات الديمقراطية.
وخلال فترة ولاية الرئيس السابق "دونالد ترامب"، عزز الدعم الأمريكي الصريح للاستبداد، الصورة النمطية السلبية عن الولايات المتحدة بين المواطنين العرب؛ مما عزز رفض الرأي العام العربي للتعامل مع واشنطن كحليف.
وبالرغم من ذلك، استمر المواطنون العرب والخليجيون في الاهتمام بالإجراءات والمواقف الأمريكية من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية وأوضاع العالم العربي.
تطلع الشارع العربي لأمريكا
وما زال هناك أمل لدى الشارع العربي في تحسن الموقف الأمريكي تجاه حقوق الإنسان دون تستر ضمني على الانتهاكات التي ترتكبها الأنظمة العربية.
وبسبب الطبيعة الدولية للقوة الأمريكية، والعلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة والعديد من الحكومات في الخليج، كانت التقارير الصحفية الأمريكية وبيانات الكونجرس الأمريكي وتصريحات الإدارة الأمريكية أكثر تأثيرًا على حكومات الخليج من الجهود التي بذلها آلاف الناشطين المحليين داخل دول الخليج نفسها.
والسبب في ذلك واضح؛ فالحكومات والسلطات ليست معنية بالحركات المحلية التي يمكن قمعها، ولكنها تهتم بالموقف الأمريكي الذي يملك القوة الحقيقية لإحداث التغيير. وهكذا، فإن حكومات الخليج تستمع دائمًا للأمريكيين وتهتم بتعليقاتهم بدرجة أعلى بكثير من الوضع الداخلي الذي يمكنهم إسكاته بالاعتقال أو السجن أو النفي.
ومؤخرًا في الكويت، ظهر مثال واضح على تأثير الولايات المتحدة على السياسة الداخلية لدول الخليج، ففي خضم أزمته السياسية والديمقراطية الحالية، ظل الشارع الكويتي يترقب التقارير والمناقشات والمواقف الأمريكية. وبعد تقرير أمريكي اتهم شخصية سياسية بارزة بالتورط في الفساد وغسيل الأموال، تم اعتقاله، أي إن التقارير الأمريكية أدت إلى مساءلة جادة.
وأصبح الشارع الكويتي أكثر اقتناعاً بأهمية التقارير الحكومية والإعلامية الأمريكية، لا سيما تلك التي سببت ضغوطا على السلطات لمحاسبة الشخصيات القوية.
وأصبح التدخل الأمريكي معيارا مهما في هذا الصدد، أي أن الشارع الخليجي والكويتي ينظر إلى الولايات المتحدة كعامل مهم في تحديد مصير الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلادهم، ما يعني أن سياسة الولايات المتحدة أثرت حتى على طبيعة الحركات المحلية.
الكرة في ملعب "بايدن"
لم توجه إدارة "بايدن" اهتمامًا كبيرًا حتى الآن للوضع في الكويت أو دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنه في حين استمرت المخاوف بشأن الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، فقد انتظر الشارع الكويتي موقف الولايات المتحدة بشأن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومعارضة الفساد.
ولا يعني ذلك بالضرورة زيادة الثقة في الدور الأمريكي؛ لأن الموقف الرسمي الأمريكي لا يظهر مؤشرات مبشرة.
وبالرغم من ذلك، فإن ضغط الولايات المتحدة أصبح الخيار الوحيد للعرب الساعين إلى الإصلاح؛ بسبب أدوات التغيير الضعيفة والخيارات المحدودة للقوى المؤيدة للديمقراطية، في مواجهة شبكات الفساد والاستبداد القوية.
ويمثل ذلك تحديا لإدارة "بايدن" الذي قدم نفسه من زاوية حقوق الإنسان والديمقراطية ومعارضة الديكتاتورية. وفي مخالفة للنموذج الأمريكي التقليدي للتعامل مع المستبدين، انتقد "بايدن" العديد من الحكام المستبدين، بمن في ذلك حلفاء الولايات المتحدة.
وربما أثارت هذه الخطوات استعداء بعض قادة دول مجلس التعاون الخليجي، لكنها عززت صورة الولايات المتحدة بين الشعوب العربية المؤيدة للديمقراطية.
وبطريقة أو بأخرى، فإن الكرة الآن في ملعب "بايدن"؛ وما زال بإمكانه فعل الكثير لتحفيز التطور الديمقراطي في دول مجلس التعاون الخليجي. وفي حال تمسك "بايدن" بالمواقف الأمريكية التقليدية، فإن ذلك يعني توقف هذا التحول إلى حد كبير.