الخليج أونلاين-
قطعت القمة الثلاثية التي عُقدت في العاصمة العراقية بغداد شوطاً جديداً في مشروع التعاون المشترك المتكامل بين العراق والأردن ومصر "مشروع الشام الجديد"، الذي كان محور القمة بعد حديثٍ طويل عنه.
ورغم أن هذه ليست القمة الأولى لآلية التعاون الثلاثية بين البلدان الثلاثة فإن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هي أول زيارة لرئيس مصري للعراق، منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990، الذي تلاه حصار العراق، ثم غزوه من قبل أمريكا عام 2003.
وتذكِّر القمة الثلاثية بين مصر والعراق والأردن بأيام مختلفة في تاريخ الشرق الأوسط، حينما كانت القاهرة وبغداد مركزين رئيسين للقرار في المنطقة، وهو ما يطرح تساؤلات عما إذا كانت إقامة تحالفٍ جديد بين الدول الثلاث قد يدفعها للاستغناء عن الدعم الخليجي ليشكل قوة جديدة في المنطقة.
قمة بغداد
في 27 يونيو 2021، عقدت في بغداد قمة ثلاثية ضمت رئيس الوزراء العراقي والرئيس المصري والملك الأردني، لمناقشة ملفات عدة في طليعتها التعاون الاقتصادي والأمني والتجاري، فيما اعتبرت وسائل إعلام في تلك البلدان أنها تحمل "أبعاداً سياسية" أيضاً.
وتعد "قمة بغداد 2021"، كما يطلق عليها الإعلام الرسمي العراقي، الرابعة؛ إذ إنه في أقل من عام عقد الرؤساء اجتماعات ثلاثة، الأول كان بالقاهرة إبان عهد الرئيس العراقي عادل عبد المهدي عام 2019، وتبعه في سبتمبر الماضي لقاء آخر على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، والأخير بالعاصمة الأردنية عمان في ظل جائحة كورونا.
وركز الحديث في الجانب الاقتصادي على مشروع "الشام الجديد"، والذي أطلقه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للمرة الأولى في أغسطس الماضي، إذ قال حينها لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إنه يعتزم الدخول في مشروع استراتيجي يجمع القاهرة وبغداد وعمان.
ونهاية مارس الماضي، أعلن الكاظمي تأجيل القمة الثلاثية، التي كان من المقرر عقدها في 27 من الشهر ذاته في العاصمة بغداد، بسبب حادث تصادم قطارين في مدينة سوهاج جنوب مصر، ثم أجلت مرة أخرى بسبب تداعيات "قضية الفتنة" في المملكة الأردنية.
ما هو "الشام الجديد"؟
أشارت وسائل إعلام عدة إلى أن القمة الثلاثية ناقشت مشروع الشام الجديد، وكان أبرزها تزويد العراق لمصر والأردن بالنفط، مقابل مشاركة الشركات المصرية والأردنية في عملية إعادة إعمار العراق، وتزويد العراق بالكهرباء، فيما يعرف بالنفط مقابل الإعمار، إضافة إلى استفادة مصر من فائض قدرات التكرير لديها، لتكرير النفط العراقي وتصديره لأوروبا، أما الأردن فيقوم بدور الممر في أغلب هذه المشروعات.
تعود جذور مشروع الشام الجديد إلى دراسة أعدّها البنك الدولي في مارس 2014، لكن بخريطة جغرافية أوسع، واشتملت على دول بلاد الشام، سوريا ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينيّة، بالإضافة إلى تركيا والعراق ومصر.
أخذ مشروع الشام الجديد زخماً كبيراً بعد أن تبناه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في زيارته لواشنطن في سبتمبر 2020، ثم خلال الاجتماع الثالث بين قادة الأطراف الثلاثة، الذي جمعه بالعاهل الأردني عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في العاصمة الأردنية عمان بنفس الشهر.
لم يشر البيان الختامي للقمة إلى لفظ مشروع "الشام الجديد"، ولكن وفقاً للبيان اتفق قادة الدولة الثلاث على ضرورة تعزيز مشروع الربط الكهربائي وتبادل الطاقة الكهربائية بين الدول الثلاث وربط شبكات نقل الغاز بين العراق ومصر عبر الأردن، وإتاحة منفذ لتصدير النفط العراقي عبر الأردن ومصر من خلال المضي باستكمال خط الغاز العربي وإنشاء خط نقل النفط الخام (البصرة-العقبة).
لا مشروع بدون الخليج
لا يرى المحلل السياسي المصري قطب العربي أي أهمية لهذا التحالف، مرجعاً ذلك إلى أن الاجتماع "ضم دولتين فقط من الشام إلى جانب مصر التي هي بعيدة عن الشام".
ويشير إلى أن الاجتماع لم يضم سوريا "التي هي قلب الشام وبه تسمى"، لافتاً، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن الاجتماع يجمع "ثلاثة أنظمة ضعيفة لا تقوى على تشكيل تحالف، وليست قادرة على إنفاذ قرارات مشتركة".
ويرى أن الدولة المضيفة (العراق) "قرارها مرتهن لجارتها إيران، حتى وإن قيل إن أحد أهداف الاجتماع سحب العراق بعيداً عن النفوذ الإيراني، فهذا أحد المستحيلات في الوقت الحالي".
أما عن دور الخليج الغائب في هذا التحالف وإمكانية إقامته فيقول: "لا يستطيع هذا التحالف، حتى مع توسيعه، الاستغناء عن الدعم المالي الخليجي، فالنظامان المصري والأردني تحديداً يقومان أساساً على هذا الدعم".
ويطرح أمثلة قائلاً: "حين انقطع الدعم السعودي عن الأردن حدثت المظاهرات الشعبية بسبب ارتفاع الأسعار، وفي مصر فإن نظام السيسي الذي أغرق مصر في ديون خارجية تجاوزت 150 مليار دولار لا يستطيع إتمام مشاريعه بدون دعم خليجي".
كما يعتقد أن دول الخليج، وتحديداً الإمارات والسعودية، "لن تقبلا بوجود هذا التحالف ما لم تكن عضوة فيه بل قائدة له".
الموقف السعودي والإماراتي
قد تكون السعودية سعيدة أيضاً بمحاولة القاهرة تعزيز التعاون مع العراق لتقليل النفوذ الإيراني، أو مزاحمته ولو قليلاً، وهو ما بدا من خلال احتفاء وسائل إعلامها بالقمة.
وطرح الإعلام السعودي عناوين فضفاضة، كان أبرزها ما كتبته صحيفة "الشرق الأوسط"، بأن قمة بغداد "تحسم هوية العراق العربية وسط آمال بمشاريع تنهي هيمنة إيران وتركيا على اقتصاده"، فيما اعتبرت صحيفة عكاظ أنها "تنسيق استخباراتي لمكافحة الإرهاب".
ولكن لا يُعرف مدى نظرتها إلى آلية التعاون الثلاثي بين مصر والعراق والأردن، وهل تعتبرها شكلاً، ولو محدوداً، من التمرد من قبل هذه الدول الثلاث غير الخليجية على الهيمنة الخليجية، ولا سيما السعودية والإماراتية، خلال السنوات الماضية على السياسة العربية.
ولعل أبرز ما يؤكد أن مصر بدأت تحركات فاعلة في ملفات عدة وبشكل مستقل عن السعودية والإمارات تمثل في الحالة المصرية في المصالحة مع قطر، والتهدئة مع تركيا، والوساطة في غزة، والحراك في الملفين الليبي والإثيوبي.