الخليج أونلاين-
اتخذت العلاقات الخليجية الإثيوبية منحى جديداً خلال الفترة الماضية بعدما أعلنت دول مجلس التعاون تأييدها موقفي مصر والسودان في خلافهما المتفاقم مع أديس أبابا بشأن السد الذي تقيمه الأخيرة على منابع النيل.
وكجزء من الجامعة العربية، طالبت دول مجلس التعاون الشهر الماضي، مجلس الأمن الدولي بالتدخل في أزمة السد وإيجاد حل يراعي مصالح الأطراف الثلاثة ويضمن تنفيذ القانون الدولي، منعاً للتوترات.
وخلال افتتاح قاعدة "3 يوليو" البحرية، الذي حضره ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (السبت 3 يوليو)، إن بلاده لن تتفاوض مع الجانب الإثيوبي إلى ما لا نهاية بشأن السد.
وأكد السيسي أن القاهرة تتفهم متطلبات التنمية الإثيوبية، مشيراً إلى أن هذه التنمية لا يمكن أن تكون على حساب الآخرين.
وشدد على ضرورة توقيع اتفاق ملزم بين أطراف الأزمة وفق القوانين الدولية، وقال إن التوصل إلى هذا الاتفاق يحتاج إلى دعم "الأصدقاء والأشقاء" الذين وجه لهم الشكر على ما يبذلونه من جهد لحل هذه القضية التي قال إنها تمثل أهمية للشعب المصري.
وتملك دول خليجية استثمارات كبيرة في الأراضي الإثيوبية، فضلاً عن علاقات سياسية قوية أفضت لإنهاء حرب استمرت 20 عاماً بين أديس أبابا وجارتها إرتريا، غير أن أزمة السد تفرض تضامناً عربياً شددت عليه وثيقة "العلا" التي أعلنت في يناير من العام الجاري بين دول الخليج والحليفة مصر.
وبعد اجتماع عقد في الدوحة، الشهر الماضي، أكد وزراء الخارجية العرب دعم بلادهم الكامل لحقوق مصر والسودان المائية، وطالبوا مجلس الأمن الدولي بالتدخل لحل الأزمة منعاً للتوتر، وبما يضمن حقوق الجميع.
وفي ظل رفض دول الخليج لتوجه إثيوبيا في قضية السد، دعت السفيرة الإثيوبية في قطر سامية زكريا، أواخر يونيو، المستثمرين القطريين إلى الاستفادة من الإمكانات الاستثمارية الضخمة في بلادها، حسب قولها.
وجاءت تصريحات الوزيرة الإثيوبية على هامش فعالية نظمتها السفارة الإثيوبية في قطر، يوم الاثنين، للترويج لإثيوبيا كوجهة استثمارية وترفيهية محتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الإثيوبية.
وقالت زكريا إن إثيوبيا تتمتع بمجموعة متنوعة من العروض السياحية، مضيفة أن بلادها "وطن البن العربي، ومصدر النيل الأزرق، وثقافة غنية".
وخلال السنوات الماضية، أصبحت دول الخليج بمنزلة رئة اقتصادية تتنفس منها أديس أبابا؛ حيث حصلت على قروض ومنح واستثمارات بمليارات الدولارات، وهو ما ساعد على تخفيف بعض مشاكلها الداخلية، وذلك ما يجعل الاقتصاد وسيلة ضغط ناجعة في حال أرادت دول الخليج مساندة مصر والسودان لإنهاء هذا الملف.
استثمارات سعودية ضخمة
تعتبر المملكة العربية السعودية ثالث أكبر مستثمر أجنبي في إثيوبيا، بمجموع استثمارات يقترب من 5.2 مليارات دولار. في حين بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 577 مليون دولار بين 2015 و2020، بحسب تصريح لوزير التجارة والصناعة الإثيوبي، ملاكو ألابل، منتصف يونيو.
وفي مايو الماضي، حصلت أديس أبابا على قرضين من السعودية بقيمة 140 مليون دولار، لتمويل مشروعات للبنية التحتية والطاقة، وتحديداً إنشاء طرق ومحطات للطاقة الشمسية وشبكات إمداد المياه.
وحالياً، يوجد 229 مستثمراً سعودياً في مختلف القطاعات بإثيوبيا، يتصدرهم الملياردير محمد العمودي، وهو من أصول إثيوبية، ويوصف بأنه الذراع السعودية للاستثمار في البلد الأفريقي الذي يخوض صراعاً وجودياً مع مصر والسودان.
وقالت مجلة "فوربس" الأمريكية إن العمودي يعمل لديه قرابة 40 ألف شخص، ويملك مجموعة من الشركات المتخصصة في الإنشاءات والزراعة والطاقة بالرياض وأديس أبابا.
وفي ديسمبر 2016، وقع البلدان اتفاقيات تجارية واستثمارية بقيمة 600 مليون ريال سعودي (نحو 160 مليون دولار) أثناء زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هيلي ماريام ديسالين للرياض.
وبعد الاتفاقية أعلن صندوق التنمية السعودية عن خطة لتمويل نحو 305 مستثمرين سعوديين من أجل الاستثمار في "تطوير الإمكانيات الإثيوبية".
وتتربع السعودية على رأس قائمة مستوردي البن الإثيوبي عالمياً بنحو 80 ألف طن سنوياً، تعادل نحو خمس الإنتاج الإثيوبي بالكامل من البن.
كما تستورد الرياض المواشي الحية واللحوم من إثيوبيا بإجمالي 47.465 مليون دولار، بخلاف منتجات زراعية بقيمة 13.429 مليون دولار، وزهور بقيمة 7.262 ملايين دولار.
حضور إماراتي متنام
وتحل الإمارات، حليفة مصر الوثيقة، ثانية في قائمة المستثمرين الخليجيين في إثيوبيا، وقد تعهدت بعد شهور من تولي رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد منصبه، بتقديم مساعدات واستثمارات بقيمة 3 مليارات دولار.
كما أسس البلدان في 2018 مجلساً استشارياً مشتركاً تشرف عليه سفارة أبوظبي في أديس أبابا بهدف بحث خطط تسهيل الاستثمارات الإماراتية، وإزالة جميع المعوقات التي تقف في طريق دخولها.
ومؤخراً، أعلن رئيس وزراء إثيوبيا توجّه بلاده لإرسال 50 ألف عامل إثيوبي إلى الإمارات، في سياق برنامج يهدف إلى تطوير اليد العاملة المحلية.
وحققت التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين نمواً بنسبة 7% خلال العام الماضي، لتبلغ حوالي 3.1 مليارات درهم (840 مليون دولار).
وتحتل الإمارات مرتبة متقدمة في الاستثمار بإثيوبيا، فعدد مشروعاتها الاستثمارية المرخص لها بالعمل تصل إلى نحو 92 مشروعاً.
ووفق بيانات هيئة الاستثمار الإثيوبية، تمتلك الإمارات 21 مشروعاً في مجال الزراعة، و37 في الصناعة، و20 في العقارات وتأجير الآلات، و7 في الإنشاءات وحفر الآبار، و5 في التعدين والفندقة والصحة، أشهرها مصنع "جلفار" للأدوية.
قطر.. علاقات سياسية أكبر
على الرغم من العلاقات السياسة الآخذة في التطور بين الدوحة وأديس أبابا فإن العلاقات الاقتصادية والاستثمارية ليست على نفس المستوى، رغم أن البلدين تحركا في اتجاه تطوير الشراكة الاقتصادية.
وأعلنت الحكومة القطرية خلال زيارة رئيس وزراء إثيوبيا للدوحة، في مارس 2019، عزمها تنفيذ عدد من المبادرات الاستثمارية في أديس أبابا، غير أن التبرعات والأعمال الخيرية القطرية في إثيوبيا ما تزال أكبر من نظيرتها الاستثمارية.
وفي مارس 2019، قال السفير الإثيوبي في قطر إن حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2016 بلغ نحو 4.73 ملايين دولار أمريكي (3.99 ملايين صادرات قطرية إلى إثيوبيا، و 730 ألفاً واردات تتمثل معظمها في المنتجات الزراعية)، مشيراً إلى أن الواردات الإثيوبية من قطر شهدت زيادة بنسبة 5.76% عام 2017 لتبلغ 4.23 ملايين دولار أمريكي.
متنفس حقيقي
في ديسمبر 2018، نشر مركز "مقديشو" للبحوث والدراسات مقالاً للدكتور أمينة العريمي، وهي باحثة إماراتية متخصصة في الشأن الأفريقي، قالت فيه إن أديس أبابا وجدت في الاستثمارات الخليجية على أراضيها، وفي استقبال عواصم الخليج للعمالة الإثيوبية، متنفساً حقيقياً لحل أزمة البطالة الحادة التي تعاني منها، ومُساهماً كبيراً في دفع عجلة الاقتصاد الإثيوبي.
وأكد المقال أن أبوظبي والرياض هما الأكثر حضوراً هناك، في حين تراقب دول أخرى الأجواء من بعيد، كسلطنة عمان والكويت، وهي تفكر في دخول السوق الإثيوبية، بحسب العريمي، التي أكدت أهمية تدفق التحويلات النقدية القادمة إلى بنوك إثيوبيا من العمالة الإثيوبية في الخليج.
عوامل الضغط
وتمثل العمالة الإثيوبية في دول الخليج واحدة من أوراق الضغط المهمة التي يمكن من خلالها معاقبة أديس أبابا في حال وجود رغبة حقيقية لدعم الموقف المصري والسوداني، بيد أن التبادل التجاري يظل العامل الأكثر تأثيراً.
الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبد النبي عبد المطلب قال إن دول الخليج يمكنها فعلياً الضغط على الجانب الإثيوبي بربط الاستثمارات بإيجاد حل يضمن حقوق مصر والسودان في مياه النيل.
ولفت عبد المطلب، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن الاستثمارات تظل هي عامل الضغط الأكبر على الجانب الإثيوبي، لافتاً إلى أن التبادل التجاري بين أديس أبابا ودول الخليج ليس كبيراً إلى حد يجعله آلية ضغط في أزمة كبرى كأزمة السد.
أما مسألة العمالة الإثيوبية، فيرى عبد المطلب أنها ليست عامل ضغط قوياً بالنظر إلى حاجة دول الخليج إلى هذه العمالة لسد بعض الوظائف.