الخليج أونلاين-
عادت الأزمة المشتعلة بين المغرب والجزائر بسبب الصحراء الغربية، خلال شهر يوليو 2021، إلى الواجهة مجدداً بعد عقود من اندلاع الخلاف بين الجانبين، وأخذت منطقاً أكثر حدة دبلوماسياً.
في مقابل ذلك جاءت دعوة الملك المغربي محمد السادس، الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إلى تغليب منطق الحكمة، في 31 يوليو، بعد أسابيع من التوتر بين الجانبين، بمنزلة تحريك جديد لإمكانية فتح صفحة جديدة بين البلدين الجارين.
وفي ظل تلك الدعوة الملكية المغربية للجزائر، يبدو أن تحركاً خليجياً تقوده السعودية انطلق للعمل على الوساطة بين البلدين، خصوصاً أن للرياض أدواراً سابقة في تقريب وجهات النظر بين الدولتين المغربيتين، فهل تتمكن دول خليجية من إعادة العلاقات بين الجارتين؟
مبادرة مغربية
ملك المغرب دعا رئيس الجزائر إلى العمل في أقرب وقت، على تطوير العلاقات المتوترة بين البلدين بسبب قضية الصحراء الغربية، مجدِّداً أيضاً الدعوة إلى فتح الحدود المغلقة منذ عام 1994.
وقال العاهل المغربي في الخطاب السنوي بمناسبة ذكرى جلوسه على العرش: "أدعو فخامة الرئيس الجزائري للعمل معاً، في أقرب وقت يراه مناسباً، على تطوير العلاقات الأخوية التي بناها شعبانا عبر سنوات من الكفاح المشترك"، في إشارة إلى تعاون الحركتين الوطنيتين بالبلدين في أثناء مواجهة الاستعمار الفرنسي بخمسينيات القرن الماضي.
وتشهد علاقات الجارتين توتراً منذ عقود، بسبب دعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، فيما يعتبرها المغرب جزءاً لا يتجزأ من أرضه ويقترح منحها حكماً ذاتياً تحت سيادته.
وسجّل فصل جديد من التوتر في بدايات يوليو 2021، حين استدعت الجزائر سفيرها في الرباط للتشاور، على خلفية إعلان سفير المغرب لدى الأمم المتحدة دعم "حركة استقلال منطقة القبائل" الجزائرية؛ وهو الإعلان الذي جاء رداً على إثارة وزير خارجية الجزائر، رمطان العمامرة، قضية الصحراء الغربية في اجتماع لحركة عدم الانحياز.
وأعرب الملك محمد السادس في خطابه، عن "أسفه للتوترات الإعلامية والدبلوماسية التي تعرفها العلاقات" بين البلدين، مؤكداً "لأشقائنا في الجزائر أن الشر والمشاكل لن تأتيكم أبداً من المغرب، ونعتبر أن أمن الجزائر واستقرارها وطمأنينة شعبها من أمن المغرب واستقراره".
وسبق أن اقترح الملك محمد السادس، أواخر عام 2018، إحداث آلية للحوار الثنائي، بينما ردت الجزائر بشكل غير مباشر بالدعوة إلى اجتماع لوزراء خارجية اتحاد المغرب العربي (ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا) الذي يعد مجمداً عملياً.
وتبرر الجزائر عدم فتحها الحدود مع المغرب، بتخوفها من الجريمة العابرة للحدود، وتجارة المخدرات، والتهريب، وفق بلقاسمي، الذي أكد في السياق متحدثاً لموقع "الحرة"، أنها "تخوفات مؤسسة".
ويشهد إقليم الصحراء منذ العام 1975، نزاعاً بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، وذلك بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة.
وتحوَّل النزاع إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991 بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية من الأمم المتحدة.
وتقترح الرباط حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادتها منذ عام 2007، فيما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تُؤوي عشرات الآلاف من اللاجئين من الإقليم.
ولا تعترف الأمم المتحدة بسيادة المغرب على المنطقة، وقد فشلت محاولاتها حل النزاع على مدار سنوات، لكنها نجحت في وقف القتال بين الطرفين.
تحرك سعودي
ويبدو أن المملكة العربية السعودية تريد أن يكون لها دور في جمع الفرقاء الجزائريين والمغربيين بعد طول شقاق بين الطرفين، حيث بحث وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في 3 أغسطس 2021، مع وزير الخارجية الجزائري التطورات الإقليمية والدولية.
وذكرت وزارة الخارجية السعودية، أن "بن فرحان" أجرى اتصالاً بـ"لعمامرة"، استعراضا خلاله العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها "بما يحقق مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، إضافة إلى بحث التطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".
وذكرت أن الوزير السعودي هنَّأ رمطان لعمامرة بتوليه مهامه وزيراً لخارجية الجزائر، معبّراً عن تطلعه إلى العمل معه على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين.
وتعد العلاقات السعودية مع كل من الجزائر والمغرب قوية، حيث لديها استثمارات ومصالح في البلدين، وقد ذكرت صحيفة "إندبندنت عربية" التي تملكها السعودية أن "التراشق الإعلامي بين المغرب والجزائر لا يزال قائماً حتى بعد المبادرة من جانب ملك المغرب؛ مما دفع إلى اعتقاد أن السعودية التي تربطها علاقات تاريخية بالجانبين يمكنها أن تعيد تحريك وساطتها القديمة، لتخفيف حدة التوتر بين العاصمتين المغاربيتين في أقل الأحوال".
وبحسب الصحيفة فقد "لعبت الرياض دوراً مماثلاً في في ثمانينيات القرن الماضي، أنهى آثار حرب دامية بين الجارتين في ذلك الحين".
وكان من آثار تلك المصالحة التاريخية التي كانت إثر خلاف وتباين حول الموقف المغربي والجزائري من قضية الصحراء ونزاع حدودي، إنهاء تلك القطيعة وعودة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء وفتح الحدود، وإلغاء فرض تأشيرة بين الشعبين الشقيقين، وإرساء مشاريع اقتصادية مشتركة وغيرها، بحسب الصحيفة.
مواقف خليجية
ورغم أنه لم تصدر أي مواقف جديدة من دول الخليج بخصوص الأزمة الأخيرة بين المغرب والجزائر، فإن الإمارات افتتحت في 2 يوليو 2021، المنتدى الاقتصادي المغربي الإماراتي في مدينة العيون (بالصحراء المغربية)، التي اعترفت بها جزءاً من المغرب، وافتتحت قنصلية بها في نوفمبر 2020 ثم التحقت بها البحرين، معلنةً فتح قنصلية لها بالمدينة ذاتها.
وأشار القنصل الإماراتي في الصحراء المغربية، عيسى البلوشي، خلال افتتاح المنتدى الاقتصادي، إلى أن الإمارات ساهمت بنحو 1.25 مليار دولار ضمن المنحة الخليجية للمغرب، التي تبلغ نحو خمسة مليارات دولار، لتمويل مشاريع اقتصادية واجتماعية وإنمائية، ولديها استثمارات تجاوزت 20 مليار دولار منذ بدء العلاقات بين البلدين عام 1971.
ولعل التحركات الاقتصادية الإماراتية تأتي في ظل دعم أبوظبي لتوجهات المغرب بخصوص الصحراء الغربية ومقترحها تشكيل حكم ذاتي تحت سيادة الرباط.
وتدعم كل دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية والإمارات وسلطنة عُمان والكويت وقطر والبحرين) المقترح المغربي بمنح إقليم الصحراء الحكم الذاتي، مؤكدةً دعمها سيادة الرباط على أراضيها كافة، ومن ضمنها إقليم الصحراء المتنازع عليه.
وقال الباحث المغربي لقمان العلوي: "لا شك في أن دول الخليج لديها مصلحة في حصول تقارب جزائري مغربي وعلى رأس ذلك السعودية، بما يدعم الاستثمارات التي تملكها في البلدين".
وأضاف العلوي في حديث مع "الخليج أونلاين": إن "الرياض سبق أن توسطت بين الجزائر والمغرب، ونظمت قمة مؤتمر التعاون الإسلامي في مكة المكرمة عام 1987، وقادت الحكومة السعودية في نهاية الثمانينيات، مبادرة للصلح بين الدولتين عبر جمعهما على الحدود بعد قطيعة استمرت لسنوات".
وأردف: إن الرياض "ربما تفضّل أن يكون لها دور في أي حل بين الجانبين، وربما تحركاتها جاءت برغبة مغربية غير معلنة عنها، وقد يكون وزير الخارجية السعودي قد بحث ذلك بالجزائر إلا أنه لم يعلن عنه".
وبيّن أن "الكرة اليوم، في ملعب الجزائريين، فقد كان كلام الملك محمد السادس يحمل صبغة أخوية وتآلفية، ويدعو بجد إلى إنهاء حالة الشقاق التي استمرت عقوداً بين الجانبين، وعلى الحكومة الجزائرية أن تردَّ على السلام بمثله أو بأحسن منه".
ولفت إلى أن "الدور الخليجي عموماً يدعم المغرب وليس ضد الجزائر، بل ضمن ما بات أشبه باعتراف دولي، فقد اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء وافتتحت أكثر من 15 قنصلية فيه".
وأشار العلوي إلى أن "الاستثمارات الإماراتية لها دور إيجابي في منطقة الصحراء، والرباط ستعمل على جذب كل الإخوة الخليجيين ليكون لهم دور في إحياء تلك المناطق اقتصادياً".