ويليام رويباك/معهد دول الخليج العربي في واشنطن - ترجمة الخليج الجديد-
على مدى الأشهر القليلة الماضية، اكتسبت إعادة دول الخليج لعلاقاتها مع سوريا زخما خاصة مع إجراء انتخابات صورية في 26 مايو/أيار الماضي لإعطاء "بشار الأسد" ولاية جديدة مدتها 7 أعوام.
وفي أوائل مايو، التقى رئيس المخابرات السعودية اللواء "خالد الحميدان" مع نظيره في دمشق.
وبحسب ما ورد، فإن "الحميدان" التقى مع "الأسد" أيضا.
بعد ذلك، كانت هناك تقارير غير مؤكدة تفيد بأن السعوديين على وشك التوصل إلى اتفاق بشأن التطبيع الدبلوماسي مع نظام "الأسد".
وفي 26 و27 مارس/آذار الماضي، ترأس وزير السياحة السوري "رامي مارتيني" وفدا سوريا إلى الرياض لحضور الاجتماع الـ47 للجنة الإقليمية لمنظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط، وهي أول زيارة سورية إلى السعودية من قبل وزير في النظام منذ عام 2011.
واحتفت مستشارة "الأسد" السياسية "بثينة شعبان" بهذه الزيارة وأعربت عن أملها في أن تؤدي إلى "نتائج إيجابية" أخرى في القريب العاجل.
وفي أواخر يونيو/حزيران الماضي، أعلنت الخطوط الجوية السورية عن استئناف الرحلات المباشرة إلى دبي ابتداء من 3 يوليو/تموز، بعد استئناف رحلات الناقل السوري الرئيسي إلى أبوظبي.
وفي وقت سابق من مايو، سمحت الإمارات والبحرين وعُمان والكويت للمغتربين السوريين بالتصويت في انتخابات "الأسد"، بالرغم من القيود الشديدة التي فرضها النظام.
دوافع إعادة الارتباط الخليجي
ويثير كل هذا النشاط (الذي ينطلق من النشاط الدبلوماسي الخليجي السابق على مدى الأعوام الـ 3 الماضية) عددا من التساؤلات. ويتعلق الأول بالدوافع المختلفة لدول الخليج والتوقعات المحتملة لأفعال متبادلة من دمشق.
وطوال الحرب في سوريا، تمسكت سلطنة عمان بموقفها غير المنحاز ضد دمشق وأكدت عدم رغبتها في التدخل فيما اعتبرته "شؤون الدول العربية الشقيقة".
وحتى في ذروة الحرب، أرسلت عُمان وزير خارجيتها إلى دمشق للقاء "الأسد".
وتأرجحت علاقات السعودية والإمارات وقطر مع سوريا بشكل كبير على مدى العقد الماضي.
وبدرجات متفاوتة، قدمت هذه الدول الأسلحة في وقت مبكر من الحرب لبعض فصائل المعارضة المسلحة، بالرغم من انسحاب كل منها في نهاية المطاف، فيما اتخذت الرياض وأبوظبي على الأقل خطوات نحو إعادة الارتباط بنظام "الأسد".
ويبدو أن الإمارات وعُمان والسعودية مدفوعة بتقييم أن الحرب قد انتهت، وأن سوريا بحاجة إلى إعادة دمجها في المنطقة لمنع أي سيناريو يجعلها دولة فاشلة أو يتسبب في تداعيات أخرى مزعزعة للاستقرار من الحرب الأهلية.
واكتسب هذا التقييم زخما متزايدا منذ التدخل العسكري الروسي الحاسم في عام 2015.
ويبدو أن هناك ارتياحا متزايد في الخليج لفكرة إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، خاصة مع دعم مصر والأردن التي لديها مصلحة حيوية في استئناف التجارة عبر الحدود السورية لدعم الاقتصاد المأزوم، وهي قضية أثارها الملك "عبدالله الثاني" مع المسؤولين الأمريكيين في زيارته الأخيرة.
الإماراتيون يركزون على التطرف ونفوذ تركيا
وبالنسبة للمسؤولين الإماراتيين، فهناك اعتبارات إقليمية وأيديولوجية أوسع تتعلق بالمخاوف بشأن اضطرابات الربيع العربي والتهديدات التي كان يمكن أن تشكلها للأنظمة الملكية في الخليج.
وأصر المسؤولون الإماراتيون على أن دعم تركيا لجماعة الإخوان المسلمين غذى هذه الاضطرابات مع اعتبار أنقرة أن الاحتجاجات فرصة لإعادة تشكيل الخليج والشرق الأوسط الأوسع بطرق من شأنها أن تزيد من نفوذ تركيا.
وبالنظر إلى مخاوف الإماراتيين من الإسلاميين، فقد أصبحوا قلقين بشأن الجماعات الجهادية التي أصبحت أكثر بروزا في مواجهة "الأسد".
ودفع ذلك صناع القرار الإماراتيين إلى التعبير بحذر عن دعمهم للتدخل العسكري الروسي في عام 2015.
ويعد قلق الإماراتيين من نفوذ تركيا في سوريا جزءا من مخاوفهم بشأن طموحات أنقرة الإقليمية، والتي وصفها أحد كبار المسؤولين الإماراتيين بـ"السلوك الاستعماري".
ويساعد ذلك في تفسير ميل الإمارات إلى إعادة العلاقات مع النظام السوري وتصريحات كبار المسؤولين مثل وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية "أنور قرقاش" التي تؤكد على "الدور العربي" في إنهاء الأزمة السورية.
وبينما أدلى "قرقاش" بتصريح في يناير/كانون الثاني حول احتمالات تحسن العلاقات مع تركيا، أشار بعض المحللين إلى أن الإماراتيين لا يزالون قلقين للغاية بشأن أنقرة.
مخاوف السعودية ركزت على إيران وليس تركيا
ومع مساعيها لإصلاح العلاقات مع أنقرة خلال الأشهر الأخيرة، تبدو السعودية أقل قلقا في الوقت الحالي من النفوذ التركي في سوريا.
ومع ذلك، فإن المسؤولين السعوديين يشاركون الإمارات مخاوفهم بشأن نفوذ إيران المتزايد في سوريا، الأمر الذي يساعد في تفسير الخطوات السعودية المبدئية نحو إعادة التواصل مع الحكومة السورية.
وبحسب ما ورد أكد المسؤولون السعوديون والإماراتيون خلال تواصلهم مع المسؤولين الأمريكيين أن إعادة التواصل مع نظام "الأسد" يمكن أن تقنع سوريا بتقليل اعتمادها على إيران.
ولكن يبدو أن الرياض أكثر بطئا في إعادة الارتباط بسوريا مقارنة بالإمارات.
ويرجع ذلك إلى تاريخ الدعم السعودي للمعارضة السورية وأعوام من الجهود الإعلامية القاسية المناهضة لـ "الأسد" داخل المملكة، وهو الأمر الذي أدى إلى تشكيل رأي محلي سعودي مناهض لـ "الأسد".
ومن المحتمل أن يكون هذا النهج الحذر نتيجة شكوك أيضا حول استعداد "الأسد" للرد على الخطوات الإيجابية بالمثل.
وبالنسبة للإماراتيين، يبدو القلق القوي بشأن تركيا متفوقا على أي شك تجاه استجابة النظام السوري.
وتعتبر قطر هي الدولة الوحيدة التي تغرد خارج السرب فيما يتعلق بإعادة ارتباط الخليج بـ"الأسد".
وفي حين أنها قلصت تدريجيا الدعم النشط لفصائل المعارضة في سوريا، إلا أنها ظلت معادية نسبيا لنظام "الأسد"، وظلت في تحالف وثيق مع حليفتها تركيا.
وتشير علاقة الدوحة القوية بإيران خاصة بعد تعرضها للحصار لأكثر من 3 أعوام من قبل بعض جيرانها الخليجيين، إلى أن قطر لا تهتم كثيرا بالمخاوف بشأن النفوذ الإيراني في سوريا.
سياسة الولايات المتحدة
ومن المرجح أن تراقب جميع دول الخليج عن كثب السياسة الأمريكية الناشئة لمعرفة موقف إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" من إعادة الارتباط بسوريا.
وحتى الآن، لا يبدو أن لدى دول الخليج سببا يدعو للقلق.
وشدد فريق "بايدن" على الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سوريا، والعمل من أجل وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، لكنه لم يتبن حملة "أقصى ضغط" التي اتبعتها الإدارة السابقة مع "الأسد".
ويبدو أن المسؤولين في الإدارة الجديدة أقل انزعاجا من هذه الخطوات الخليجية نحو إعادة الانخراط والتطبيع الدبلوماسي مع نظام "الأسد". ويبدو أن الرسالة الأمريكية لدول الخليج تتمحور حول الشكوك من استجابة "الأسد" بالمثل.
لكن مثل هذه الرسالة لن تبطئ جهود إعادة الارتباط الخليجي مع "الأسد" ونظامه.
ومع ذلك، فإن عقوبات "قانون قيصر" لحماية المدنيين في سوريا، التي فرضها الكونجرس، ستضع بعض العوائق التي تبطئ أو تمنع أنواع معينة من إعادة الارتباط الاقتصادي، بما في ذلك النشاط الاستثماري الخليجي وجهود إعادة الإعمار داخل سوريا، وهو ما يحبط قادة الخليج الذين قد يرغبون في المضي قدما بجرأة أكبر.
وتستهدف هذه العقوبات على وجه التحديد الأجانب الذين يقدمون "خدمات إنشائية أو هندسية مهمة للحكومة السورية"، أو "دعما ماليا أو ماديا أو تقنيا مهما"، أو "يشاركون في صفقات مهمة مع الحكومة السورية أو عناصر أجنبية تدعم المجهود الحربي لنظام الأسد".
الجمود في سوريا والمستقبل المنظور
وبالنظر إلى تهديد العقوبات، فإن إعادة الارتباط الخليجي مع سوريا سيواجه صعوبة في التطور إلى ما هو أكثر من المواقف الدبلوماسية الحالية والتي ربما تكون رمزية إلى حد كبير.
وفي حين أن روسيا ستدفع بالتأكيد بقوة من أجل المزيد من الإجراءات الخليجية، فمن المرجح أن يحذر المسؤولون الأمريكيون المسؤولين الخليجيين من التعرض لعقوبات "قيصر" المفروضة من الكونجرس.
ولكن مع أو بدون حل الصراع ووجود تقدم دبلوماسي، من المرجح أن تستمر إعادة الارتباط الخليجي مع "الأسد" حتى مع سعي دول الخليج لتجنب التعرض للعقوبات الأمريكية، خاصة مع مخاوف دول الخليج بشأن النفوذ الإيراني والتركي والمخاوف المتعلقة بالحركات الإسلامية.
ومما لا شك فيه أن قادة الخليج سيحاولون توضيح موقفهم هذا للمسؤولين الأمريكيين في الأشهر المقبلة وهم يضغطون لإيجاد طريقة للالتفاف حول ما يعتبرونه المأزق الخطير وغير المجدي في سوريا.
ويبدو أن المسؤولين الأمريكيين، المتشككين في أي استعداد من قبل "الأسد" للتفاوض بشأن قضايا مثل السجناء والوصول غير المقيد للمساعدات الإنسانية ناهيك عن الانتقال السياسي الحقيقي، من غير المرجح أن يفعلوا أكثر من إجراء تعديلا على تطبيق العقوبات في الهوامش الخارجية.
وفي الوقت الحالي، من غير المرجح أن تزيد الولايات المتحدة ضغوطها على النظام السوري عبر استخدام العقوبات بشكل جدي كأداة للتقدم الدبلوماسي.