الخليج أونلاين-
حالة من الذهول عاشها العالم أمام الانهيار المتسارع للحكومة في أفغانستان، والذي كان مفاجئاً بالنسبة للكثيرين، فخلال عدة أسابيع اجتاحت قوات حركة طالبان معظم أرجاء أفغانستان، وتسارع في الأيام الأخيرة سقوط الولايات بيدها بشكل دراماتيكي، وأعلنت، منتصف أغسطس 2021، فرض سيطرتها على البلاد بعد وصولها إلى العاصمة كابل.
وسارعت قطر إلى إعلانها استمرار دورها لتحقيق السلام في أفغانستان، بالشراكة مع الأمم المتحدة والشركاء الدوليين.
وباستثناء قطر ثم السعودية، لم تصدر أي تصريحات رسمية من دول الخليج العربي، فيما بدت دول العالم مترقبة لما ستؤول إليه الأحداث خلال الأيام المقبلة، ومدى تقبل المجتمع الدولي لوجود طالبان على رأس السلطة في أفغانستان.
الموقف الخليجي
وقالت وزارة الخارجية القطرية إنها "تتابع من كثب التطورات المتسارعة للأوضاع في العاصمة الأفغانية كابل"، داعية إلى "وقف فوري وشامل ودائم لإطلاق النار في كافة الأراضي الأفغانية".
وأكدت ضرورة "العمل عاجلاً على انتقال سلمي للسلطة يمهد لتسوية سياسية شاملة تستوعب كافة الأطراف الأفغانية، وتحقق الأمن والاستقرار في البلاد".
وجددت الدوحة التزامها بـ"مواصلة العمل مع الأمم المتحدة والشركاء الدوليين لإحلال السلام الدائم في أفغانستان بما يحقق تطلعات شعبها في الأمن والاستقرار والتطور".
كما اعتبر مطلق القحطاني، مبعوث وزير الخارجية القطري للوساطة في تسوية النزاعات، أن "الاعتراف بالخطوات التي تقوم بها حركة طالبان ترجع لما تقرره كل دولة".
بدورها أكدت السعودية "وقوفها إلى جانب الشعب الأفغاني الشقيق وخياراته التي يقررها بنفسه دون تدخل من أحد".
وأضافت في بيان، أن المملكة تأمل في استقرار الأوضاع في أفغانستان بأسرع وقت، وأن "تعمل حركة طالبان وكافة الأطراف الأفغانية على حفظ الأمن والاستقرار والأرواح والممتلكات".
يأتي ذلك بعد أن أعلنت المملكة إجلاء جميع أعضاء بعثتها الدبلوماسية في أفغانستان، فيما حذرت الكويت مواطنيها من زيارة أفغانستان في الوقت الحالي، ودعت الموجودين هناك إلى المغادرة فوراً، في وقتٍ قالت فيه الخارجية الإماراتية إنها تعمل على تسهيل إجلاء عدة بعثات دبلوماسية أجنبية من أفغانستان عبر مطارات البلاد.
الدور الخليجي في أفغانستان
وبالعودة تاريخياً، وتحديداً في أعقاب هجمات 11 سبتمبر من عام 2001، والإطاحة بنظام طالبان من السلطة، أرسلت الإمارات حينها فرقة عسكرية تحت رعاية بعثة حلف شمال الأطلسي "الناتو "التابعة للقوة الدولية للمساعدة الأمنية في عام 2003، وشاركت في مهام التدريب والدعم، بعد أن كانت سابقاً لها علاقات دبلوماسية مع الحركة قبل 2001.
وأخذت مشاركة الإمارات في أفغانستان منعطفاً كبيراً بعد مقتل السفير الإماراتي، جمعة محمد عبد الله الكعبي، في أعقاب تفجير وقع في مدينة قندهار في جنوب أفغانستان، أسفر أيضاً عن مقتل خمسة دبلوماسيين إماراتيين آخرين، كما عززت علاقتها مع حكومة الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني.
من جانبها أدت السعودية دوراً رئيسياً في الساحة السياسية الأفغانية منذ الاحتلال السوفييتي، حيث دعمت أولاً قادة المجاهدين، ثم حركة طالبان، وكان لديها علاقات دبلوماسية، غير أن مشاركتها في أفغانستان تغيرت تغيراً كبيراً بعد أحداث 11 سبتمبر، ودعمت التحالف الدولي العسكري في الحرب على "الإرهاب" هناك.
وقامت الحكومة السعودية، في عام 2008، بتيسير محادثات السلام بين مسؤولي الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، ولكن في عام 2009 فقدت المملكة تأثيرها على حركة طالبان وعلى عملية السلام؛ عندما قامت الحكومة بإبعاد المبعوث السياسي لطالبان عن المملكة.
أما قطر فقد أدت دوراً رئيسياً في المجال السياسي الأفغاني، حيث استضافت مكتب حركة طالبان منذ عام 2013، بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة، وكانت مسرحاً لمحادثات السلام بين الحركة وواشنطن، التي أقرت بموجبها في نهاية المطاف انسحاب القوات الأمريكية، ثم محادثات مع الحكومة الأفغانية.
وكما باقي دول الخليج، سعت سلطنة عُمان، التي تقود وساطات هادئة في العديد من النزاعات، لدور في تحقيق السلام في أفغانستان؛ فقد استضافت عام 2017، محادثات تهدف إلى تحقيق السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان، تحت مسمى "مجموعة التنسيق الرباعية"، بمشاركة وفود من أفغانستان وباكستان والصين والولايات المتحدة.
فيما قدمت الكويت والبحرين دعماً مالياً في سبيل إعادة إعمار أفغانستان، وشاركتا في مؤتمرات دولية، كان آخرها مشاركة وفد البحرين في المؤتمر الدولي حول أفغانستان 2020.
تغير المعادلة.. ودور الخليج
إلا أن المعادلة في أفغانستان وبالجهود المبذولة لتحقيق الهدوء والسلام فيها ستتغير بشكل واضح، كما يرى رئيس أكاديمية قطر الدولية للدراسات الأمنية (قياس)، الدكتور ماجد الأنصاري، ويوضح أنه "تغير المشهد من مفاوضات مباشرة بين حكومة مكتملة الأركان وبين طالبان، إلى نقاشات بين الأطراف التي يجب أن تشكل المرحلة الانتقالية القادمة".
ويشير الأنصاري إلى إعلان طالبان استعدادها للحديث مع أطراف مختلفة، مضيفاً: "هناك لجنة شكلها عبد الله عبد الله (رئيس لجنة المصالحة الأفغانية)، وحامد كرزاي (رئيس أفغان السابق)، وبإمكان الدوحة أن تؤدي وساطة بينهم، أو بين طالبان والأطراف الدولية المختلفة".
وفي 12 سبتمبر 2020، انطلقت مفاوضات سلام تاريخية في الدوحة بين الحكومة الأفغانية وطالبان بوساطة قطرية وبدعم من الولايات المتحدة، كان هدفها إنهاء 42 عاماً من النزاع المسلح بالبلاد.
وفيما يتعلق بالاتفاق الذي رعته الدوحة بين طالبان وواشنطن، في فبراير 2020، يقول الأنصاري في تصريح لـ"الخليج أونلاين" إنه وضع أسساً للانسحاب الأمريكي، "ولكن لا يبدو -على الأقل فيما نعلم عنه- أنه لا يقضي بسقوط الحكومة الأفغانية بهذا الشكل".
[س]
ويعتقد المحلل السياسي القطري أن ما حدث في أفغانستان وانهيار الحكومة السريع "يرجع إلى الفشل المرتبط بهذه الحكومة في التغيير بالواقع الميداني والصمود بشكل مؤسسي أمام طالبان، بل إن خروج الحكومة من كابل كان بشكل فاجأ العالم بأكمله".
دور الخليج المرتقب
وعن الدور الذي يمكن أن تؤديه دول الخليج بعد سيطرة طالبان على الحكم، يقول ماجد الأنصاري: "هناك دور مهم على دول الإقليم والمنطقة، ولكن دول الخليج بإمكانياتها المادية وخبراتها المختلفة، من المهم أن تؤدي دوراً في إعادة الإعمار في أفغانستان، وتقريب وجهات النظر بين طالبان والأطراف الأخرى".
ويشير في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إلى الفترة الأولى لحكم طالبان، بين عام 1996 و2001، حين كانت تحكم أفغانستان للمرة الأولى، موضحاً أن "الإمارات والسعودية هما الدولتان التي كانتا خليجياً تعترفان بهذه الحكومة وتتعامل معها دبلوماسياً"، مضيفاً: "وحالياً هناك مكتب لطالبان في قطر، فالدور الخليجي من الناحية الدبلوماسية والاقتصادية مهم جداً".
وبالنسبة للمواقف الدولية التي ما زالت غير واضحة، يرى الأنصاري أن المجتمع الدولي انقسم إلى فريقين؛ "أحدهما وجد نفسه أمام واقع مضطر للتعامل معه مع دخول طالبان إلى كابل وانتهاء المعركة مع الحكومة الأفغانية، وهناك فريق آخر على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية التي ترى أن لديها من خلال معرفتها الميدانية قبل شهور عدة أن هذه النتيجة هي نتيجة حتمية".
ويضيف: "لذلك بدأت واشنطن بالإعداد لها بشكل مبكر، وبكل الأحوال كانت التقديرات تشير إلى نحو 6 أشهر، ثم 3 أشهر، لسيطرة طالبان على كامل الأراضي الأفغانية، واليوم ما حدث كان مفاجئاً بالنسبة لهذه الأرقام، حتى إن وزير الخارجية الأمريكي، وأيضاً الرئيس الأمريكي، نفوا أن يحدث ذلك بين يوم وليلة، لكن انهيار الحكومة الأفغانية بهذه السرعة كان المفاجئ الأكبر للعالم".
ويرى أيضاً أنه "من المبكر الحديث عن قبول شامل لطالبان وللنظام الذي ستديره، وأن تكون طرفاً وحيداً فيه من قبل المجتمع الدولي، حيث إن المجتمع الدولي ينتظر ليرى".
وعن سيناريوهات الحكم في أفغانستان، يشير إلى توقعات "بأن تعود طالبان لما كانت عليه لنظامها السابق عام 1996، في حين أن هناك من يتوقع أن تكون خلافات داخل الحركة لا يسمح باستقرار النظام في الفترة القادمة، في حين أن طرفاً ثالثاً يتوقع أن يكون هناك نضج سياسي لدى الحركة والقدرة على تجاوز المرحلة الماضية، وتأسيس نظام سياسي أو مقبول بالحد الأدنى للمجتمع الدولي، والذي يحافظ على عناصره التقليدية والإسلامية".
الدور القطري مميز
من جهته يرى الكاتب الصحفي المختص، أحمد زيدان، أن الدور القطري كان مميزاً بلا شك، وما عجزت عنه مؤسسات الأمم المتحدة في تسوية خلافات دولية أقل من النزاع الأفغاني نجحت فيه قطر، وتصدر المفاوض القطري مطلق القحطاني جائزة الأمم المتحدة لأفضل مفاوض لعام 2020، وباعتقادي سيتعزز الدور القطري أكثر فأكثر؛ إن كان على مستوى أفغانستان، وربما على مستوى نزاعات عالمية، بحيث كسب مصداقية أطراف عدة".
أما بشأن المفاوضات فيقول زيدان في حديث لـ"الخليج أونلاين: إنها "انتهت باعتقادي مع دخول طالبان، والأخيرة ستفرض شروطها، وإن كانت ستشرك أحداً معها فهي التي ستختاره كأفراد وليس ككيانات أو أحزاب".
وتابع: "لا أعتقد استلام وتسليم برغبة المنهزم، ولكن بعد أن رأى الأمريكي تركه وتخلى عنه، وبعد أن نخر الفساد في جذوع شجرة النظام الأفغاني الذي هو شركاء متشاكسون، ومن طوائف وفرقاء مختلفين، بخلاف حركة طالبان التي يمثلها مخ ودماغ واحد مركزي".
وأضاف: "أعتقد أن واشنطن وحلفاءها أدركوا أن مسألة قتال طالبان غير مجدية، ومن ثم فإن التدخل كمن يحفر حفرة ظاناً أن الحفر سيعينه على الخروج، بينما في الحقيقة والواقع يزداد انغماسه بالحفرة والتورط بالمشكلة الأفغانية".
وأعرب عن أمله بأن يكون هناك موقف خليجي موحد من أفغانستان وطالبان، التي يرى أنها ستكون "مشاكسة لإيران"، وهو ما سيشغلها عن الساحة العربية، وقد يوفر لنا فرصة لالتقاط الأنفاس في العالم العربي بعيداً عن التدخلات الإيرانية التي كلفتنا الكثير، وفق زيدان.
ويعتقد أن الأمر متعلق بالمجتمع الدولي وبطالبان، و"إن كنت أعتقد أن الوضع سيكون أفضل من التسعينيات مع إبداء الصين رغبة بالتعاطي معها، إضافة إلى أن طالبان اليوم تختلف عن طالبان بالأمس".
طالبان "الجديدة"
أما رئيس منتدى الخبرة السعودي للبحوث والدراسات الاستراتيجية، د.أحمد الشهري، فيقول إن حركة طالبان جزء من الشعب والنسيح الأفغاني، مبيناً أنه كان يوجد نفور منها في وقت من الأوقات بحكم لجوئها إلى الفكر المتطرف والمتشدد، وعلاقتها سابقاً مع تنظيم القاعدة وإيران.
ويلفت "الشهري" في حديثه لقناة "الإخبارية" إلى تصريحات "طالبان" الجديدة بعد سيطرتها على كابل؛ بشأن رغبتها في الحفاظ على الأمن وحقوق المرأة وعملها، وبناء علاقات جيدة مع الإقليم.
وأشار إلى أنه "إذا استفادت طالبان من تجاربها السابقة الفاشلة وفتحت المجال للحكماء الأفغان في إيجاد دولة جديدة فإن العالم سيقبل بها"، وفق قوله.
وشدد على ضرورة تبني طالبان حكم الدولة وفق المعاهدات الدولية واحترامها، وخروجها من نظام الحركة أو المليشيا، مع احترام حقوق الإنسان والرأي والعلاقات الطيبة مع دول الجوار.
واستبعد أن تخرج الاجتماعات بشأن الملف الأفغاني في الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن بجديد، و"إنما ستؤكد على مراقبة الأوضاع وتصرفات طالبان المقبلة".
المواقف الدولية
وكان لافتاً للانتباه عقب التمدد الأخير والسريع لحركة طالبان في عدة ولايات أفغانية صمت القوات الدولية الموجودة في أفغانستان، وفي مقدمتها قوات "الناتو"، في وقف ذلك، باستثناء بعض الغارات الجوية التي قامت بها القوات الأمريكية، والتي توقفت لاحقاً.
ومع سيطرة طالبان على أفغانستان، يعقد مجلس الأمن الدولي، اليوم 16 أغسطس، جلسة طارئة بشأن الوضع في أفغانستان، بناء على طلب تقدمت به النرويج وإستونيا.
فيما دعا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الدول إلى عدم الاعتراف بحركة طالبان على رأس السلطة في البلاد، قائلاً إن الأمر "يتعلق بالإرهاب وحقوق الإنسان".
وأعلن المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى أفغانستان، زامير كابولوف، أن موسكو مستعدة للعمل مع الحكومة الانتقالية التي ستتشكل في أفغانستان.
فيما أكد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أن بلاده تتواصل مع جميع الأطراف منذ بداية توسع حركة طالبان في البلاد، وأن هذا التواصل ما زال مستمراً.
من جانبه قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، إن بلاده ستعمل "مع الحلفاء والمجتمع الدولي لضمان عدم إهدار الجهود المبذولة لدعم الشعب الأفغاني".
ورحب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بتشكيل مجلس تنسيق أفغاني للإشراف على انتقال السلطة في البلاد، معبراً عن أمله في أن يؤدي تنسيق المجلس إلى "الحوار والانتقال السلمي للسلطة في الدولة التي مزقتها الحرب".