الخليج أونلاين-
منذ إعلان الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب سارعت دول مجلس التعاون الخليجي إلى إصدار بيانات تدعو البلدين إلى التهدئة وحل خلافاتهما بالحوار.
وأصدر الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، الدكتور نايف الحجرف، الجمعة 27 أغسطس 2021، بياناً أعرب فيه عن أسفه لما شهدته العلاقات بين الأشقاء في المغرب والجزائر.
ودعا الحجرف الأشقاء في البلدين إلى الحوار والدبلوماسية كوسيلة لحل المسائل الخلافية بما يسهم في فتح صفحة جديدة من العلاقات بينهما، تجسد ما يربطهما من وشائج ويعود بالنفع على شعبيهما، ويحقق الأمن والاستقرار ويعزز العمل العربي المشترك.
من جانبه أجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان محادثتين هاتفيتين منفصلتين مع نظيريه الجزائري والمغربي، وجرى خلال الاتصالين استعراض العلاقات الثنائية، وسبل تعزيزها بما يحقق مصالح البلدين والشعبين الشقيقين، إضافة إلى بحث التطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وكانت الخارجية السعودية أعربت عن أسف المملكة لقطع العلاقات بين الجزائر والرباط، ودعت الجانبين إلى فتح صفحة جديدة للعلاقات بين البلدين الشقيقين وبما يعود بالنفع على شعبيهما ويحقق الأمن والاستقرار للمنطقة ويعزز العمل العربي المشترك.
كما أصدرت كل من الإمارات والكويت والبحرين وعُمان وقطر بيانات أعربت فيها عن حرص دول الخليج على متانة العلاقات العربية وتعزيزها، وضرورة تسوية المسائل الخلافية بين المغرب والجزائر من خلال الحوار الأخوي، وفتح صفحة جديدة في العلاقات المغربية الجزائرية، بما يعزز متانة وقوة العلاقات بين الأشقاء، وبما يحقق مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، ويحفظ أمن المنطقة واستقرارها.
وفي مؤشر على تحرك الدوحة نحو مبادرة صلح بين البلدين التقى وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية سلطان بن سعد المريخي، الأحد 29 أغسطس، السفير الجزائري في الدوحة مصطفى بوطورة، وذلك بعد أيام على إعلان الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب.
مصالح خليجية
وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي الكويتي الدكتور محمد الدوسري: إن "دول الخليج حريصة جداً على أن تعود العلاقات بين الجزائر والمغرب، فهي دول نشطة دبلوماسياً ولها علاقات عميقة مع الدولتين، بخلاف الاستثمارات الكبيرة هناك".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" يؤكد الدوسري "مساعي الدول الخليجية لعودة الاستقرار المفقود في العقد الأخير نتيجة ثورات الربيع العربي، وخوفاً من تدهور الأوضاع في البلدان العربية".
ويشير المحلل الكويتي إلى "دور رئيس تلعبه السعودية في الوساطة بين الجزائر والمغرب، ويقوم هذا الدور على تجارب سابقة، كما تمتلك كل من الكويت وقطر دبلوماسية نشطة في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء في المنطقة كما جرت عليه العادة في كثير من النزاعات سواء في الشرق الأوسط أو في أماكن أخرى من العالم، ولا يُستبعد أن تنشط هذه الدبلوماسية لمحاولة إعادة العلاقات بين البلدين العربيين، مع الأخذ باعتبارات كل دولة وتخوفاتها وهواجسها تجاه الأخرى".
ويبيّن الدوسري أن "المصالح الكثيرة والقائمة على الاستثمارات الخليجية والنشاط التجاري بين دول الخليج وكل من المغرب والجزائر، ستكون عنصراً مساعداً في الوساطة، بخلاف الدواعي الأمنية المتمثلة في أثر هذه القطيعة على ملفات عديدة تبحث عن حل، ومنها استقرار المغرب العربي الكبير، خاصة في ليبيا وتونس، وملف الهجرة والجماعات المسلحة القريبة من حدود كلتا الدولتين، مع ضرورة تخفيف حدة التوتر القائمة، بسبب قضية البوليساريو، التي لطالما كانت المحفز للصدام بين الدولتين".
خلاف مزمن
بدوره يقول الكاتب والمحلل الجزائري د. إدريس ربوح إن الخلافات المزمنة بين الجزائر والمغرب تمتد الى بداية استقلال الجزائر عندما تعرضت لعدوان مغربي عام 1963، حيث كانت الجزائر حديثة الاستقلال.
ويشير ربوح في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن الخلافات تصاعدت بسبب النزاع على الصحراء الغربية التي احتلتها القوات المغربية بعد انسحاب الاحتلال الإسباني في مطلع السبعينيات، بينما دعمت الجزائر جبهة البوليساريو التي تكافح لتحرير الصحراء الغربية.
ويضيف: إن "إعلان المغرب تطبيع علاقاته مع إسرائيل وقيامه بأنشطة تجسسية، واستضافة الرباط وزير خارجية الكيان الصهيوني الذي وجَّه خطابه العدواني تجاه الجزائر، كل ذلك أدى إلى تعمق الخلافات بين البلدين الجارين".
ويتابع ربوح قوله: إن "القشة التي قصمت ظهر البعير هي سفير المغرب لدى الأمم المتحدة عمر هلال، الذي قام بتوزيع وثيقة على دول عدم الانحياز الأعضاء في الأمم المتحدة تتضمن دعوة إلى دعم انفصال شعب القبائل عن الجزائر؛ في محاولة لتقسيم البلاد، ما دفع الخارجية الجزائرية إلى توجيه رسالة وطلب استفسار من الخارجية المغربية يوضح تصرُّف سفيرها في الأمم المتحدة، لكن المغرب لم يرد على الرسالة الجزائرية".
وعن الدور الخليجي يشير ربوح إلى بيان وزارة الخارجية الجزائرية الذي تلاه وزير الخارجية وجاء في إحدى نقاطه أن الملك فهد بن عبد العزيز قام بدور وساطة وأعاد العلاقات بين الجزائر والمغرب سنة 1988 بعد قطيعة دامت 12 سنة.
ويعتقد ربوح أن "الجزائر هذه المرة لا تقبل الوساطة من أي طرف سواء كان من مجلس التعاون الخليجي أو من الدول الأوروبية أو أمريكا، لأن الأسباب التي بُني عليها قطع العلاقات أسباب عميقة جداً ولا يمكن قبول الوساطة إلا إذا اعتذر المغرب ورجع عن جميع أخطائه".
ويلفت إلى أن "قيام بعض الدول مثل الأردن والإمارات والبحرين، بفتح قنصليات في العيون وهي عاصمة الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، جعل دول الخليج منحازة إلى المغرب وليست طرفاً محايداً في الوساطة"، على حد قوله.
آمال التقارب
وفي حديث سابق مع "الخليج أونلاين" قال الباحث المغربي لقمان العلوي: "لا شك في أن دول الخليج لديها مصلحة في حصول تقارب جزائري مغربي وعلى رأس ذلك السعودية، بما يدعم الاستثمارات التي تملكها في البلدين".
ولفت العلوي إلى أن "الدور الخليجي عموماً يدعم المغرب وليس ضد الجزائر، بل ضمن ما بات أشبه باعتراف دولي، فقد اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء وافتتحت دول العالم أكثر من 15 قنصلية فيه".
وأشار إلى أن "الاستثمارات الإماراتية لها دور إيجابي في منطقة الصحراء، والرباط ستعمل على جذب كل الإخوة الخليجيين ليكون لهم دور في إحياء تلك المناطق اقتصادياً".
وعلى مدى سنوات طويلة برزت دبلوماسية الوساطة في سياسات معظم الدول الخليجية، بهدف الحفاظ على الأمن القومي الخليجي، وإضافة مزيد من الزخم إلى رصيدها الدبلوماسي والسياسي، وهو ما يجعلها مرشحة للعب دور في الأزمة الجزائرية المغربية.