الخليج أونلاين-
على مدار سنوات طويلة، ارتبطت علاقة باكستان بدول الخليج بشكلٍ كبير، خصوصاً في العلاقات الاستراتيجية، وامتدَّت لتشمل العلاقات الاقتصادية والعسكرية والتدريب والتعاون الأمني.
ومؤخراً تسعى إسلام آباد لعقد اتفاقات تجارية منفردة مع ثلاث دول خليجية؛ هي السعودية والإمارات وسلطنة عمان، بعد مضي نحو 17 عاماً من فشل محادثات بدأتها باكستان عام 2004 مع مجلس التعاون الخليجي بغية التوصل لاتفاق تجارة حرة بين الجانبين.
ويميل ميزان التجارة بين باكستان ودول مجلس التعاون لصالح الدول الخليجية، وخاصة دولة الإمارات، وتأمل إسلام آباد أن يغير توقيع اتفاق التجارة الحرة وضع الميزان التجاري بين الطرفين.
اتفاقيات منفردة
في أحدث تصريحٍ لمسؤول باكستاني، قال مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون التجارية عبد الرزاق داوُد، في 26 سبتمبر 2021، إن بلاده تسعى لعقد اتفاقات تجارية منفردة مع ثلاث دول خليجية هي السعودية والإمارات وسلطنة عمان.
ونقلت وكالة "رويترز" عن داوُد قوله، إن بلاده تأمل بأن تبدأ المفاوضات الثنائية مع الدول الخليجية الثلاث حول اتفاقات للتجارة التفضيلية خلال فترة تتراوح بين ستة شهور إلى عام.
وأضاف: "نشعر بأنه من الأفضل بكثير إبرام اتفاقات فردية في الوقت الحالي، بدلاً من المفاوضات مع مجلس التعاون الخليجي كتكتل".
وأوضح المسؤول الباكستاني أن المفاوضات ستغطي عدداً محدوداً من السلع، ولن تكون شاملة مثل اتفاق التجارة الحرة.
ويتيح اتفاق التجارة التفضيلية عادة معاملة تفضيلية لمنتجات بعينها، وذلك من خلال تقليل الرسوم الجمركية عليها أو إلغائها.
ومن الممكن توسيع نطاق الاتفاقات مستقبلاً، بحسب داوُد، الذي لم يذكر السلع التي تريد باكستان إدراجها في الاتفاقات.
مفاوضات باكستانية خليجية
في أبريل من العام الجاري، عقدت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي اجتماعاً تحضيرياً مشتركاً مع باكستان؛ لبحث الترتيبات اللازمة لاستئناف مفاوضات التجارة الحرة بين مجلس التعاون وجمهورية باكستان الإسلامية.
وقال بيان للمجلس إن الاجتماع استعرض العلاقات الاقتصادية وحجم التبادل التجاري بين الجانبين، وأثر اتفاقية التجارة الحرة في تعزيز العلاقات المميزة التي تجمع كلا الجانبين.
وأوضح عبد العزيز العويشق، الأمين المساعد للشؤون السياسية والمفوضات، حرص المجلس على إبرام اتفاقية تجارة حرة مع باكستان، وفقاً لقرار المجلس الأعلى في القمة الأخيرة التي انعقدت في العلا، في 5 يناير 2021.
كما ناقش الاجتماع آلية استئناف المفاوضات والمواضيع المراد إضافتها في الاتفاقية، وتم الاتفاق على تبادل الطلبات والعروض وأية مقترحات وملاحظات قبل استئناف جولة المفاوضات القادمة.
وكانت دول مجلس التعاون الخليجي قد بدأت محادثات تجارة حرة مع باكستان في عام 2004، ولم تنفذ اتفاقية التجارة الحرة منذ عام 2015.
روابط دينية وبحرية
يرى المحلل الاقتصادي نمر أبو كف، أن العلاقات الباكستانية الخليجية، وخصوصاً مع السعودية، علاقات قديمة بدأت حتى قبل استقلال باكستان عام 1940، وتعززت بعد استقلالها.
ويشير إلى أن العلاقات الباكستانية الخليجية قوية، وأن أي اتفاقيات بين الجانبين في الجانب التجاري والاقتصادي "ستعزز من هذه العلاقات وتنقلها إلى تقارب أكبر".
ويعتقد بوجود مقومات لعلاقة قوية بين دول مجلس التعاون الخليجي وباكستان، ويوسع من إمكانية توقيع هذه الاتفاقيات؛ من أهمها أنها دولة إسلامية سنية، مشيراً في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إلى أن الاتفاق العقائدي ما بين هذه الدول "يعزز من العلاقات التجارية".
وأضاف: "العلاقات التجارية على المستوى الفردي ما بين دول مجلس التعاون الخليجي وباكستان هي علاقات قوية، ولعل التعاون العسكري والدفاعي هو ما زاد من متانتها".
ولفت إلى أن التقارب الجغرافي، خصوصاً في التواصل البحري فيما بين الدول الثلاث المزمع توقيع اتفاقيات معها، "يعتبر نقطة لصالح التوجه نحو عقد اتفاقيات تجارة".
ويرى أن الأزمة الخليجية التي تم الاتفاق مطلع العام الجاري لإنهائها، "تسببت في إرباك وإيقاف توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع مجلس التعاون الخليجي، وأعاد حسابات كثير من الدول".
وتابع: "ربما كان أسهل على هذه الدول، ومنها باكستان، توقيع اتفاقيات ثنائية مع الشركاء الخليجيين".
ويشير إلى أن احتلال السعودية المركز الـ12 عالمياً في حجم التبادل التجاري مع باكستان ربما يدفع إلى تعزيز العلاقة مع دول مجلس التعاون.
وتابع: "إذا أخذنا مؤشراً على ذلك السوق العلاقات السعودية مع باكستان، نجد أن حجم التبادل التجاري وصل تقريباً إلى حدود 12 مليار ريال، فيما يوجد نحو 400 شركة باكستانية تعمل في السعودية برأس مال يزيد عن 300 مليون دولار".
حجم التبادل التجاري
ومع تصريحات باكستان حول توقيع اتفاقية التجارة الحرة، فإن إسلام آباد تعد ثاني أكبر شريك للإمارات من حيث الصادرات إلى أبوظبي، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية غير النفطية بين البلدين 4.4 مليارات دولار في عام 2020.
وتقول الإمارات إنها تعد ثالث أهم شريك تجاري عالمي لباكستان، حيث تستحوذ على أكثر من 8% من تجارتها الخارجية، فيما تعتبر واحدة من أهم 5 وجهات تصدير لباكستان، والأولى في العالم العربي، في حين أن 10% من إجمالي واردات باكستان من العالم تأتي من الإمارات.
وعلى صعيد الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، بلغت قيمة الاستثمارات الباكستانية المباشرة في الإمارات أكثر من 2.3 مليار دولار، بنهاية عام 2019، فيما بلغ الاستثمار المباشر لدولة الإمارات في باكستان 4.4 مليارات دولار بنهاية عام 2018. وهي حالياً في المركز الرابع بين الدول المستثمرة في الأسواق الباكستانية، وفقاً لصحيفة "الخليج" الإماراتية.
أما السعودية فتقول على لسان سفيرها لدى إسلام آباد نواف المالكي، إن التبادل التجاري السعودي-الباكستاني تمكن من الحفاظ على القوة والتحرك الدافع بالرغم من جائحة كورونا والتداعيات السلبية الناتجة عنها، إذ بلغ (2.322) مليار دولار أمريكي خلال العام المالي الماضي (2019/ 2020).
وأوضح أن المملكة ضمن أكبر أربع الدول المصدرة إلى باكستان، في حين أن أهم السلع السعودية المصدرة إليها هي المنتجات النفطية واللدائن والبلاستيك والكيماويات وغيرها، حيث إنّ المملكة احتلت المرتبة الـ12 ضمن الدول المستوردة من باكستان للعام 2020.
أما سلطنة عُمان فقد أشارت، في أغسطس الماضي، إلى أن التبادل التجاري بين الجانبين شهد تذبذباً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2019 نحو 306 ملايين دولار أمريكي، تمثل حجم الصادرات العمانية منها نحو 145 مليون دولار أمريكي.