جورجيو كافيرو - منتدى الخليج الدولي - ترجمة الخليج الجديد-
في 17 سبتمبر/أيلول، نشر "بدر العساكر"، الذي يرأس مكتب ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، صورة تصدرت عناوين الصحف، حيث ظهر فيها "بن سلمان" مع أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني"، ومستشار الأمن القومي للإمارات "طحنون بن زايد آل نهيان"، وهم يبتسمون خلال زيارة لأحد الشواطئ على البحر الأحمر.
وقال "العساكر" إن أمير قطر وولي العهد السعودي ومستشار الأمن القومي الإماراتي، الذين كانوا يرتدون ملابس غير رسمية في الصورة، عقدوا لقاء "ودودًا وأخويًا". وأثار هذا الاجتماع، الذي لم تعلن عنه أي وكالة أنباء رسمية، الكثير من النقاش بين المحللين حول الديناميكيات الجيوسياسية المتغيرة في الخليج.
فقد أظهر الاجتماع رغبة دول الخليج للاستفادة من قمة العُلا التي عُقدت في يناير/كانون الثاني ودفع المصالحة داخل مجلس التعاون الخليجي.
وفي يناير/كانون الثاني 2021 أي بعد 43 شهرًا من الحصار المفروض على قطر، وافقت السعودية والإمارات والبحرين على رفع الحصار، كما اتخذت دول الخليج خطوات مهمة هذا العام لإدارة توتراتها بشكل أفضل بدلاً من التصعيد.
لكن ذلك لا يعني حل الخلافات الرئيسية بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي. فبالرغم أن دول المنطقة فعلت الكثير خلال عام 2021 لتقليل الاحتكاكات، إلا أن التوترات الأيديولوجية العميقة والأشكال المختلفة من المنافسة تستمر في تشكيل العلاقات بين دول الخليج.
قلب صفحة أزمة الخليج
يؤكد الخبراء أن دول الخليج الآن أكثر حرصًا على معالجة الاختلافات بطرق أكثر خصوصية وأقل علنية. وقال "رايان بول"، محلل الشرق الأوسط في مركز "ستراتفور" الأمريكي للدراسات الاستراتيجية والأمنية: "الصورة هي دليل قاطع على أن قادة السعودية والإمارات قرروا طيّ صفحة النزاع العلني مع قطر، ولم يكن هؤلاء القادة ليوافقوا على مثل هذا الاجتماع إلا وهم يعلمون أنه سيوصل رسالة علنية".
لكنه استدرك قائلًا: "أما تحت السطح فلا تزال هناك خلافات على نار هادئة ومنافسة اقتصادية ستضعهم في خلاف، لكنهم لم يعودوا مستعدين أن يُنظر إليهم على أنهم في حالة نزاع، حيث يعتقدون أن ذلك يسبب أضرارا أكثر من أي منفعة".
أما الدكتورة "أنيل شيلين"، زميلة الأبحاث في معهد كوينسي الأمريكي، فترى أن اجتماع البحر الأحمر ومشاركة الصورة على وسائل التواصل الاجتماعي تعبر عن رغبة الرياض والعواصم العربية الأخرى في تحقيق أقصى استفادة من فتح فصل جديد في العلاقات مع الدوحة.
وأضافت: "يشير قرار فريق بن سلمان بنشر الصورة على تويتر إلى اهتمامه بإبراز أن حصار قطر أصبح من الماضي. كما أن الاجتماع يسلط الضوء على دور السعودية في اتباع سياسات لرأب الصدع في مجلس التعاون الخليجي. بشكل عام، كان سلوك بن سلمان متهورًا ويميل للصراع، أما الآن فربما تعلم أن بناء سمعة له كصانع سلام يمكن أن يكون له فوائد كبيرة".
لكن هناك شكوكًا حول ما إذا كانت الإمارات حقاً مؤيدة للمصالحة الإقليمية، وقد اتفق الخبراء على أنه في بداية عام 2021، أيّ بعد وقت قصير من اتفاقية العلا التي أسفرت عن رفع الحصار عن قطر، كانت الإمارات أقل حماسًا بكثير من جيرانها بشأن المصالحة الخليجية.
كما لا تزال هناك قضايا سياسية خارجية مهمة تضع الرياض وأبوظبي في خلاف. وتشمل هذه القضايا الخلافية العلاقات مع إسرائيل والمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، وكذلك مسألة الاعتراف بشرعية النظام السوري.
وبينما أبدت السعودية اهتمامها بتحسين العلاقات مع الدوحة خلال معظم عام 2021، فقد ظلت أبوظبي شديدة البرود تجاه مثل هذا الاتجاه، كما إن قيام المملكة -وليس الإمارات- بإعادة العلاقات الدبلوماسية رسميًا مع قطر يدل على انقسام أولئك الذين اجتمعوا على طاولة المفاوضات في العلا.
ولو كانت الرياح تأتي بما تشتهي الإمارات، لما أسفرت قمة العلا عن رفع الحصار بالطبع. وأوضحت الدكتورة "شيلين" أن "الإمارات لم تكن تميل في البداية إلى إنهاء الحصار المفروض على قطر وحافظت على موقف أقل تصالحية من السعودية".
ومن الأمثلة البارزة على العداء الإماراتي المستمر تجاه قطر تمويل أبوظبي للفيلم الهوليوودي "The Misfits" الذي يصور دولة تشبه قطر على أنها "راعية عالمية للإرهاب".
العوامل الخارجية والتحول الخليجي
قد تشير زيارة "طحنون بن زايد" في أواخر الشهر الماضي إلى الدوحة إلى تحول في الاستعداد الإماراتي للانضمام إلى الرياض في السعي إلى التقارب مع الدوحة.
وبالنظر إلى الكيفية التي قضى بها المسؤولون الحكوميون والإعلاميون الإماراتيون سنوات في اتهام قطر برعاية المنظمات الإرهابية وتهديد أمن المنطقة، فإن هذا التحول سيكون ملحوظًا.
ويمكن تفسير هذا الاتجاه عبر مزيج من التوجهات الجيوسياسية العالمية والإقليمية، مما يقدم نظرة ثاقبة لمستقبل التقارب بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وكان وباء "كورونا" أحد العوامل الرئيسية في تعزيز الوحدة بين دول الخليج، فقد أضر الوباء العالمي بشدة باقتصاد الإمارات وكذلك فعل انخفاض أسعار النفط، مما دفع أبوظبي لاتباع سياسة خارجية أقل تكلفة تتمحور حول المصالح التجارية والاستثمارية.
وتسعى الإمارات حاليا للاستفادة من كأس العالم 2022 الذي تنظمه قطر، خاصة أن الناس من جميع أنحاء العالم سيعبرون على الأرجح من مطارات الإمارات ويمرون بدبي كسائحين في طريقهم إلى الدوحة لحضور الحدث الرياضي العالمي.
كما وضعت رئاسة "بايدن" ضغوطًا على جميع الدول التي حاصرت قطر للتصالح مع الدوحة. وقد توقعت الرياض وأبوظبي انتهاء الدعم غير المشروط من البيت الأبيض لولي العهد الإماراتي "محمد بن زايد" وولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، بعد رحيل "ترامب".
دور الأزمات في التقارب
يُظهر تاريخ مجلس التعاون الخليجي أن الدول الست الأعضاء في المنظمة الإقليمية تميل إلى الاقتراب من بعضها البعض خلال الفترات التي يهز فيها عدم الاستقرار المنطقة على نطاق واسع، مثلما حدث أثناء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، والأزمة الكويتية في 1991/1990، وصعود تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا في عام 2014.
وجعلت هذه الأزمات دول مجلس التعاون الخليجي تعمل على تحسين التعاون والاقتراب أكثر من فكرة وحدة الخليج العربي، فيما تشهد أوقات الاستقرار النسبي ظهور الخلافات بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي.
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال دور الوضع الجديد في أفغانستان عند تحليل التوجه الحالي نحو المصالحة بين دول الخليج، حيث ساهم الانسحاب الأمريكي المتسرع من أفغانستان وعودة "طالبان" إلى السلطة خلال الصيف في الكثير من القلق داخل منطقة الخليج، مع خشية الحكومات الخليجية من أن الفوضى في أفغانستان يمكن أن يكون لها تأثير مزعزع للاستقرار على نطاق أوسع.
كما أثارت التطورات الأخيرة في أفغانستان الشكوك لدى دول الخليج في أن الولايات المتحدة ستظل ضامنًا موثوقًا للأمن الخليجي في المستقبل. وقالت الدكتورة "شيلين": "إن انسحاب بايدن من أفغانستان ساهم في تعزيز مخاوف العديد من قادة الخليج من أن الولايات المتحدة تتحول بالفعل بعيدًا عن الشرق الأوسط".
وفي غياب البدائل الواضحة للحماية الأمريكية، يبدو أن هناك إدراكًا متزايدًا لدى دول مجلس التعاون الخليجي أن تحسين العلاقات بين الأعضاء الستة ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة هو الخيار الأكثر براجماتية.
ومن المرجح أن يضيف الاجتماع الأخير في نيوم إلى جهود المصالحة بين دول الخليج التي أدت إلى قمة العلا، ومع ذلك تظل هناك أسئلة بشأن القرارات السياسية الملموسة التي ستتبع هذا الاجتماع والتي لم تتضح بعد.
وعلى أي حال، يبدو أن هناك رغبة حقيقية لدى الدوحة والرياض وأبوظبي لدخول مرحلة جديدة من العلاقات يمكن أن تتسع فيها فرص التعاون داخل مجلس التعاون الخليجي.