دول » دول مجلس التعاون

كيف يتم تنظيم الفتاوى في دول الخليج؟

في 2022/01/17

كامل جميل - الخليج أونلاين-

تملك الفتاوى الشرعية تأثيراً على المجتمعات الإسلامية، لا سيما في دول الخليج التي عرف عن مجتمعاتها التزامها الديني، وطالما كانت بعض الفتاوى سبباً في تكوين جماعات متشددة ومتطرفة.

وللحفاظ على مجتمع سليم بعيد عن الفتن والتطرف والاختلاف، وأيضاً من أجل اعتماد الفتاوى الصحيحة ووصولها إلى المجتمع، تهتم دول الخليج بالمؤسسات المتخصصة بالفتاوى.

ويعتبر المتصدر للفتوى رمزاً مهماً داخل المجتمع لما يمثله من تجسيد للعلوم الدينية والمقدرة في تفسير ما يشكل على المسلمين، وتعد مسألة الإفتاء مسألة بالغة الأهمية لاتصالها الوثيق ببيان مراد الله تعالى بالأحكام الشرعية.

بيان الفتوى والمفتي

الفتوى في اصطلاح أهل العلم تعني الكشف عن الحكم الشرعي للسائل عنه، أي المستفتي، وقد تكون الفتوى بغير سؤال، وذلك لبيان حكم نازلة من النوازل، أو حادثة من الحوادث المستجدّة بهدف تصحيح أقوال الناس وأفعالهم وسائر أحوالهم.

ويسمّى الذي يتولّى هذه المهمّة بالمفتي، وذلك لأنّه عالمٌ بالأحكام الشرعية والمستجدات، وتعد الفتوى أمراً عظيماً وشأنها كبير؛ فهي توقيع عن رب العالمين، وبيان لمراده من أحكام التشريع.

ويشترط في المفتي، وفقاً لما ذكر الإمام النووي، أن يكون مُكَلّفاً مسلماً ثِقَة مأْموناً متنزهاً عن أسباب الفسق وخوارم المروءة.

ويشترط فيه أيضاً أن يكون على علم تامٍّ بالحكم الشرعي المُفتى به، أو على علم بالظنّ الراجح، على أن يكون المُفتي قد استنبط فتواه عبر مجموعة من الأدوات التي دوّنها علماء الأصول من أدوات الاستنباط، شريطة أن يتحرى البحث عن الدليل الأقوى.

ومن الشروط التي ذكرها العلماء أنْ يكون المفتي صحيحاً في قريحته، وصحيحاً في استنباطه، وعليه فلا تصلح فتوى من كثر غلطه.

وعلى المفتي أن يكون صاحب فطنة وتيقظٍ لئلا ينطلي عليه خدع الناس ومكر بعضهم. وأن يكون هادئ البال، ومستقر النفس من كلّ وجه؛ لذا أوصى أهل العلم بعدم الفتوى حال الانشغال، أو شرود الذّهن، أو تشتّت الفكر، أو حضور الغضب.

ومن الشروط أيضاً أن يكون صاحب علم، ومتّصفاً بالحلم والوقار، وأن يكون صاحب قوّة في معرفة الحق والفتوى به، وأن يكون من أهل الكفاية ومتمكناً من معرفة الناس وأحوالهم وبيئاتهم من كل وجه. 

الإفتاء بترخيص

تطور المجتمعات وظهور الدول بأشكالها الحالية كان لا بد معه من تطوير يشمل شكل الإفتاء بما يضمن عدم سيطرة جهة ما على المجتمعات والفئات المجتمعية من خلاله؛ وعليه كان لا بد أن يساهم المتصدون للإفتاء في الحفاظ على كيانات ومجتمعات البلدان.

ذلك ما تدركه جيداً دول الخليج، وعليه ظهرت مؤسسات وهيئات الإفتاء في الخليج بأشكالها الحالية، يرأسها كبار الفقهاء والعلماء ولهم تخصص بالفتاوى.

ومع انتشار مواقع التواصل ووجود عدد كبير من وسائل الإعلام المختلفة، يظهر من يتصدى للفتاوى دون أن يُنصب من جهة حكومية أو دينية رسمية بذلك.

آخر الخطوات التي اتخذتها حكومات خليجية حول هذا الموضوع، كان القرار الذي أعلنه مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي (الجمعة 14 يناير 2022) بمنع أي شخص غير حاصل على ترخيص أو تصريح رسمي منه من إصدار أو نشر الفتاوى الشرعية في البلاد.

وقال إن "مجلس الإفتاء الجهة الوحيدة المخولة بإصدار الفتاوى العامة، ولا يجوز لأي جهة أو فرد إبداء رأيه بهذه المسائل".

ودعا الجهات والمؤسسات الإعلامية المختلفة ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بالإمارات إلى الالتزام بالحصول على تصريح من المجلس قبل نشر الفتوى الشرعية، أو استضافة أشخاص للإفتاء الشرعي، أو تنظيم برامج الفتوى.

كما دعا مجلس الإفتاء أفراد المجتمع ومؤسساته كافة إلى عدم الخوض في مسائل الفتوى الشرعية من دون ترخيص أو تصريح.

من جهتها كانت المملكة قد شددت على وجوب تصدي المتخصصين فقط للفتوى، مؤكدة أن من يخالف تعليماتها يواجه عقوبة.

كان ذلك في أغسطس 2010 حيث أصدر العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، أمراً ملكياً بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء، ومن يؤذن لهم بالفتوى ممن ترى هيئة كبار العلماء فيهم القدرة على الاضطلاع بالفتوى.

واستثنى من ذلك الفتاوى الخاصة الفردية غير المعلنة في أمور العبادات، والمعاملات، والأحوال الشخصية، بشرط أن تكون خاصة بين السائل والمسؤول، على أن يمنع منعاً باتاً التطرق لأي موضوع يدخل في مشمول شواذ الآراء، ومفردات أهل العلم المرجوحة، وأقوالهم المهجورة، وكل من يتجاوز هذا الترتيب فسيعرض نفسه للمحاسبة والجزاء الشرعي الرادع.

مؤسسات إفتاء

كانت حكومة الإمارات الاتحادية قد أصدرت قراراً، عام 2017، بإنشاء مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي ليكون الجهة الوحيدة في الدولة المخولة بإصدار الفتاوى الشرعية العامة، دون أن يحق لأي جهة أو فرد إبداء رأيه في هذه المسائل.

كما يختص المجلس بالترخيص والتصريح بممارسة الإفتاء الشرعي في الدولة.

جميع دول الخليج أدركت ضرورة أن تكون هناك مؤسسات متخصصة بالإفتاء، وفي قطر  تشكلت أول لجنة إفتاء رسمية في يونيو 2012.

وتعتبر مكاتب ومؤسسات الإفتاء في وزارات الأوقاف والشؤون الدينية في دول الخليج المعنية رسمياً بالفتوى والرد على أسئلة الناس.