زاهية ناصر- البيت الخليجي-
تشكل عودة العلاقات بين الدول العربية وسوريا عموماً، ودول الخليج خصوصاً، أهمية كبرى، لما لها من تأثير في إعادة ترتيب البيت العربي، لمواجهة عديد التحديات التي تعصف بالمنطقة العربية. دول الخليج في هذا السياق تربط بين جهودها في السعي لعودة دمشق إلى الحضن العربي بفك ارتباط دمشق بالنظام الإيراني أو تحجيمه على الأقل.
هذه العودة دونها عقبات عدة، منها الفيتو الأميركي على التعامل مع حكومة الرئيس بشار الأسد، والرفض القطري للتعامل مع الحكومة السورية، كذلك عدم الاستعجال السعودي في علاقات “التطبيع” بانتظار نتائج الحوار مع طهران، والذي تنتظر منه الرياض تغيراً في سلوك إيران تجاه قضايا التدخل في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
وفي موقف لا يعكس الآمال التي عُلّقت على التحركات الخليجية الأخيرة تجاه سوريا، قال مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، في كلمته خلال اجتماع الجمعية العامة، إن الحرب في سوريا لم تنتهِ، وإن النصر الذي تتحدث الحكومة السورية عنه لا يمكن أن يكون حقيقة، لأنها جاءت على “أشلاء” الشعب السوري.
وعلى نقيض التحركات الإماراتية والبحرينية تعكس كلمة مندوب السعودية تجاه الأسد تبدلاً في المساعي السعودية التي كانت تدعم عودة سوريا إلى الحضن العربي، ربما بسبب فشل جولات الحوار السعودي-الإيراني التي تجري في عواصم عربية. وقد سبقتها تصريحات لمسؤولين سعوديين تقول أنَّ إيران غير جادة في تغيير سياساتها تجاه السعودية وعدم التدخل في شؤون الدول العربية.
ولئن كانت الرياض ترى أنَّ مساعيها وتأييدها للتحركات الخليجية تجاه دمشق يأتيان في إطار فكّ الارتباط بين سوريا وإيران، فهي تبدو متأكّدة، على غرار الدوحة، من عدم إمكانية تغيير سلوك حكومة الأسد وعدم جدوى التعامل معها في الوقت الحالي.
وفي هذا الصّدد، أكد نائب رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أنَّ موقف بلاده من مشاركة الحكومة السورية في الدورة المقبلة لجامعة الدول العربية في الجزائر لم يتغيّر، مشيراً إلى أن الأسباب التي عُلّقت عضوية دمشق بسببها لا تزال قائمة.
هذه المواقف السعودية – القطرية التي صدرت خلال الأسبوعين الماضيين، قوبلت بتأييد ضمني من دول خليجية أخرى للتحركات تجاه سوريا، والتي كانت قد بدأت قبل عامين بافتتاح السفارة الإماراتية، ثم افتتاح سفارة البحرين. وبعدها، أصدر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة مرسوماً بتعيين السفير وحيد مبارك سيار رئيساً للبعثة الدبلوماسية لمملكة البحرين في سوريا.
ويبدو أنَّ ما يحفّز الإمارات وعُمان والبحرين هو تقديرهم أنَّ الحرب انتهت، وأنَّ سوريا بحاجة إلى معاودة الاندماج في المنطقة، لمنع سيناريو الدولة الفاشلة أو أيّ تداعيات أخرى مزعزعة للاستقرار. وقد ازداد تأييد هذا التقييم المبني على الواقعية السياسية منذ تدخل روسيا العسكري الحاسم في العام 2015.
وبدعم من مصر والأردن، يبدو الخليج مرتاحاً أكثر فأكثر لفكرة إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية. كما أنّ دوافع الأردن تتمثّل بالأهمية الاقتصادية للتجارة عبر الحدود السورية، باعتبارها دعامة حيوية للاقتصاد الأردني، وهي قضية أثارها الملك عبد الله الثاني مع المسؤولين الأميركيين في زيارته الأخيرة إلى واشنطن.
بالفعل، بدأ التقارب السوري الأردني الذي تُوج بترتيبات إعادة فتح الحدود، ولا سيما معبر نصيب، وتقاطع مع لقاءات وزيرَي خارجية مصر والأردن مع نظيرهما السوري فيصل المقداد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان ودخول الوقود الإيراني إليه، سارعت الولايات إلى إعلان تقديمها المساعدة للبنان، عبر السماح بمرور الغاز المصري والكهرباء إلى لبنان عبر سوريا، وما تبع ذلك من اجتماعات سورية أردنية مصرية لبنانية وزارية لإتمام الاتفاق مع لبنان.
وقبل أيام، أجرى وزير الدفاع السوري أول زيارة للعاصمة الأردنية عمّان منذ العام 2011، والتقى خلالها رئيس الأركان الأردني ومسؤولين آخرين، بعد توقف الدعم الأردني، بالتنسيق مع الولايات المتحدة ودول خليجية، لفصائل المعارضة المسلحة جنوبي سوريا.
وهنا، يبقى السؤال: في ظل الفيتو الأميركي، هل تسمح واشنطن بتطبيع العلاقات الخليجية والعربية مع سوريا، وهي التي تكرر على لسان مسؤوليها رفضها التعامل مع حكومة الأسد، وإن كانت تغضّ النظر عن هذه التحركات، وترفضها في العلن وتؤيدها في السر؟!
الإمارات تقود جهود إعادة العلاقات
اعتُبرت زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى العاصمة السورية دمشق، وهي الزيارة الأولى لمسؤول إماراتي بهذا المستوى منذ أكثر من 10 أعوام، ولقاؤُه الرئيس بشار الأسد، بداية انفتاح دولي وإقليمي على سوريا، وتجسيداً لمضامين ومعاني المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس السوري بشار الأسد مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة الإمارات، في 20 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2020، أعادت سلطنة عُمان سفيرها إلى دمشق، لتصبح أول دولة خليجية تعيد تمثيلها الدبلوماسي على مستوى السفراء.
ويرى مراقبون أنَّ زيارة عبد الله بن زايد إلى دمشق ما كانت لتتمّ من دون موافقة سعودية وعربية لفتح باب عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وتمكين الجزائر من دعوتها إلى القمّة التي ستستضيفها في آذار/مارس 2022، ذلك أنّها مصرّة على دعوة الرئيس بشار الأسد إلى القمة العربية، لأنها كانت من الأساس ضد الخطوات التي قامت بها جامعة الدول العربية في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، حين قررت تجميد مقعد سوريا، إلى حين التزام الحكومة السورية بتعهداتها ضمن “المبادرة العربية” التي طُرحت آنذاك لحل الأزمة والاضطرابات الداخلية.
وينظر معظم المحلّلين العرب والغربيين إلى زيارة الوزير الإماراتي بواقعية شديدة، فهي لا تعدو أن تكون سوى مهمّة استطلاعية تقوم بها أبو ظبي نيابةً عن عدة عواصم عربية، أبرزها الرياض، التي تابعت هذه الجهود بعدما اطمأنّت إلى أنها لن تقابَل بالرفض، فقد سبق زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، زيارةُ رئيس جهاز المخابرات السعودي الفريق خالد الحميدان إليها، ولقاؤه الرئيس بشار الأسد ورئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك في أيار/مايو 2021، وتمَّ بحث إعادة فتح السفارة السعودية في دمشق، كمقدمة لاستعادة العلاقات كاملة، وإعادة الدولة الوطنية السورية إلى محيطها العربي والجامعة العربية، كخطوة مهمة في الانفتاح والحوار مع سوريا، ربما تشكّل انقلاباً في السياسة السعودية.
وقدّم المسؤول الأمني السعودي عرض السعودية المعروف، الذي قضى حينها بـ”موازنة علاقات سوريا مع إيران والسعودية”، في مقابل إعادة سوريا إلى “المنظومة العربية”، لكنَّ دمشق لم تتجاوب مع هذا العرض، علماً أنَّ الرياض لم تمتنع عن مواصلة جهودها وسط معلومات عن زيارة “علنية” يُتوقع أن يقوم بها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى سوريا في الأسابيع المقبلة.
وأخيراً، يبقى ملف عودة العلاقات السورية العربية مرتبطاً بالكثير من ملفات المنطقة، سواء في مفاوضات فيينا، وإمكانية التوصل إلى اتفاق للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، أو التوصل إلى تفاهمات بين الرياض وطهران تفضي إلى حلحلةٍ في أزمات المنطقة، من الاتفاق على تشكيل حكومة عراقية جديدة إلى التقارب الإيراني – السعودي.
وسط هذا الكمّ من الملفات الشائكة، تُطرَح عدة أسئلة، من بينها: هل الطريق أمام عودة سوريا مفتوحة أو أنّ شروط كلّ طرف في اللعبة الدولية والإقليمية هي التي تفرض نفسها؟