عبد العزيز كيلاني- معهد دول الخليج في واشنطن -
تسعى كل من الإمارات وقطر للحصول على الطائرة الأمريكية المقاتلة "إف-35" التي تصنعها شركة "لوكهيد مارتن". ولقد تحدثت عناوين الأخبار كثيرا عن الجهود المبذولة لشراء هذه الطائرة لكن طريق حصول كلا البلدين على مرادهما لن يكون مفروشا بالورود.
وقال مسؤول أمريكي سابق في مقابلة عبر البريد الإلكتروني: "أشك في أن الجيش الأمريكي يرغب في بيع الـ إف-35 سواء للإمارات أو لقطر"، لا سيما بسبب ما أسماه "العلاقة الباردة" نسبيا بين حليفي الولايات المتحدة.
وأشار المسؤول إلى أن أي خطوة لبيع الطائرة المقاتلة لإحدى الدولتين ستقلق الطرف الآخر. وأضاف: "إذا واصلنا عملية البيع للإمارات، فسنضطر إلى الموافقة على البيع لقطر، أو العكس".
وتتعلق المشكلة الحقيقية بمتطلبات مراقبة إمكانية الإطلاق و"الاستخدام النهائي" والتي تم تشديدها بشكل كبير بسبب المخاوف من أن الوجود الصيني المتزايد في الخليج سيهدد بكشف تكنولوجيا التخفي المتقدمة التي تتمتع بها الطائرة.
الإمارات بين الرغبة والمساومة
وفقا لمسؤولين إماراتيين، حاولت أبوظبي الحصول على "إف-35" منذ عام 2014. وكان التزام الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" ببيع الطائرة المقاتلة إلى الإمارات أمرا بالغ الأهمية لتوقيع أبوظبي على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل عام 2020.
وفي آخر يوم لـ"ترامب" في منصبه، وقعت أبوظبي اتفاقية بقيمة 23 مليار دولار لشراء 50 مقاتلة "إف-35" و18 طائرة بدون طيار من طراز "ريبر" وذخائر متطورة أخرى. ووضع الرئيس "جو بايدن" الصفقة قيد المراجعة عندما وصل إلى البيت الأبيض، لكن إدارته أبلغت الكونجرس في أبريل/نيسان 2021 بأنها ستمضي قدما في عملية البيع.
ومع ذلك، أبلغت أبوظبي واشنطن مؤخرا أنها قد توقف المحادثات بشأن الصفقة. وقال مسؤول إماراتي لصحيفة "وول ستريت جورنال": "أدت المتطلبات الفنية والقيود التشغيلية إلى توجه أبوظبي لإعادة تقييم الجدوى بالنسبة للتكلفة".
وبعد وقت قصير من ورود تقارير عن توقف المحادثات، قال وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكين" إن واشنطن مستعدة للمضي قدما في بيع طائرة "إف-35" إلى أبوظبي. وبغض النظر عما إذا كان تهديد الإمارات "تكتيكا تفاوضيا" أو محاولة للضغط من أجل محادثات أوسع حول العلاقات الثنائية، فهناك عدد من العوامل التي تؤثر على حسابات الولايات المتحدة، ولا يعد بيع "إف-35" أمرا سهلا.
ويعد أحد الاعتبارات الرئيسية هو مخاوف الولايات المتحدة بشأن العلاقات الإماراتية الصينية التي تنمو بشكل متزايد. وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تريد من الإمارات إنهاء عقد "5-G" مع شركة "هواوي". وتشعر واشنطن بالقلق من أن وجود شركة التكنولوجيا الصينية قد يشكل تهديدات أمنية لطائرة "إف-35"، وأن الصين يمكن أن تستفيد من شبكة "5-G" وتستغلها للإضرار بمصالح الولايات المتحدة وممارسة التجسس الإلكتروني.
ويبدو الكونجرس حازما في موقفه تجاه الصين. وربما يكون أحد المجالات القليلة التي يوجد فيها دعم من الحزبين في الكونجرس هو موقف الولايات المتحدة المتشدد تجاه الصين. وتواجه "هواوي" جزءا كبيرا من ذلك الحزم، بالرغم أنها بالتأكيد ليست العنصر الوحيد أو حتى العنصر الأكثر أهمية.
وقال دبلوماسي أمريكي كبير سابق في مقابلة عبر البريد الإلكتروني: "يبدو أن الكثيرين في الكونجرس مقتنعون بنسبة 100% بأن هواوي تمثل تهديدا إلكترونيا محتملا للولايات المتحدة. لذلك، من غير المقبول متابعة بيع الطائرة التي تتمتع بتقنيات وأنظمة اتصالات خاصة، بالرغم من أي ضمانات هندسية قد يتم أخذها في الاعتبار. أعتقد أن الولايات المتحدة تريد وقف مبيعات معدات الدفاع المتطورة لأي طرف لا يتجاوب مع متطلبات أمنية معينة، لا سيما في ما يتعلق بالصين".
وبالإضافة إلى قضية "هواوي"، اكتشفت وكالات الاستخبارات الأمريكية في عام 2021 أن بكين كانت تبني منشأة عسكرية سرية في ميناء "خليفة" في الإمارات. وبينما أدت ضغوط واشنطن إلى وقف البناء، نفى المسؤولون الإماراتيون أنهم سمحوا للصين ببناء قاعدة عسكرية في بلادهم.
ووضع التنافس بين الولايات المتحدة والصين الإمارات في موقف غير مريح. وتشعر دول الخليج، مثل الإمارات، بالقلق من الضغط عليها للاختيار بين واشنطن وبكين، في حين أنها ترى أن مصلحتها تكمن في الحفاظ على الحياد وتحقيق التوازن في العلاقات، حتى مع الاعتراف بالعلاقة العسكرية والاستراتيجية التي دامت عقودا مع الولايات المتحدة.
وهناك أيضا مؤشرات على أن الإمارات تفكر في اللجوء إلى روسيا للحصول على بديل لطائرة "إف-35" الأمريكية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قال الرئيس التنفيذي لشركة "روستيك" الروسية إن أبوظبي أعربت عن اهتمامها بمقاتلتها الجديدة "سو-75"، من صنع شركة "سوخوي".
ومن غير المرجح أن تكون الإمارات عازمة بالفعل على شراء الطائرة الروسية، ولكن هذه الخطوة تبدو فقط رسالة من أبوظبي إلى واشنطن أن لدى الإمارات خيارات أخرى. وبينما تعززت العلاقات بين الإمارات وروسيا خلال الأعوام الأخيرة، من المرجح أن يتوخى الإماراتيون الحذر بشأن التحول العسكري إلى دول أخرى، لا سيما تلك التي لديها منافسة مع الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، لن تتكامل التكنولوجيا الصينية والروسية مع أنظمة القيادة والتحكم الإماراتية التي صممتها الشركات الأمريكية. ومن المرجح أن يكون هذا في مقدمة حسابات الإمارات فيما يتعلق بالتوجه إلى بكين أو موسكو للحصول على معدات عسكرية.
كما تولي الإمارات قيمة كبيرة لعلاقاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة. وفي عام 2019، على سبيل المثال، أعلنت واشنطن وأبوظبي عن اتفاقية تعاون دفاعي مشترك تهدف إلى تعزيز إمكانية التشغيل البيني والتنسيق والعمليات المشتركة.
ويبدو أن أبوظبي تدرك أنها قد تخسر التدريب العسكري الأمريكي، فضلا عن إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا العسكرية الأمريكية المتقدمة، إذا سعت لشراء طائرة روسية. لذلك، ما لم تنهار المحادثات مع واشنطن بالكامل، فمن المرجح أن يظل شراء طائرات "إف-35" الخيار المفضل لدى أبوظبي.
ولأسباب مماثلة، لا ينبغي أن يُنظر إلى توقيع الإمارات على صفقة مع فرنسا في ديسمبر/كانون الأول 2021 لشراء 80 طائرة مقاتلة من طراز "رافال" على أنه تخلي إماراتي عن صفقة "إف-35". وبدلا من ذلك، هناك 3 تفسيرات على الأقل لسعي أبوظبي إلى إبرام صفقة بقيمة 19 مليار دولار مع باريس.
أولا، مثل اهتمامها المعلن بطائرة "سو-75"، يبدو أن أبوظبي تشير إلى أن لديها خيارات أخرى غير واشنطن. ثانيا، مع تصور أن الولايات المتحدة قد غيرت أولوياتها وأنها تنسحب تدريجيا من المنطقة، يبدو أن بعض دول الخليج، مثل الإمارات، لا تشعر أنها تستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة باعتبارها الضامن الأمني الوحيد لها.
ومع ذلك، لا يشير هذا إلى تحول في رغبة الإمارات في الحصول على الـ "إف-35". وقال اللواء "إبراهيم ناصر العلوي"، قائد القوات الجوية والدفاع الجوي الإماراتي، في تصريح لوكالة أنباء الإمارات الرسمية "وام"، إن هذه الصفقة لا تعتبر بديلا لصفقة "إف-35" المرتقبة، بل هي بالأحرى صفقة تكميلية و"نحن نطور قدرات سلاحنا الجوي".
ثالثا، يمكن أيضا النظر إلى طلب الإمارات لطائرات "إف-35" وطائرات "رافال" من منظور عسكري كمحاولة لاستبدال أكثر من 130 مقاتلة من طراز "إف-16" و"ميراج 2000" التي تمتلكها أبوظبي.
وفي الواقع، هناك عوامل أخرى يمكن أن تؤثر على مصير صفقة "إف 35"، مثل المخاوف بشأن أمن إسرائيل. وبالرغم أن "بلينكين" لم يقدم معلومات دقيقة حول الشروط التي حددتها الولايات المتحدة للصفقة، إلا أنه قال في ديسمبر/كانون الأول 2021 إن الولايات المتحدة تريد ضمان احتفاظ إسرائيل بـ "تفوقها العسكري"، وسيكون هذا أيضا عاملا مهما في سياسة واشنطن وحساباتها.
ويشدد قانون مراقبة تصدير الأسلحة على أن المبيعات العسكرية يجب ألا تؤثر سلبا على التفوق النوعي لإسرائيل في المنطقة. ومن المرجح أن يتم التعبير عن هذه النقطة عند إجراء مناقشات بشأن أي عملية بيع كبيرة لدولة عربية. ويعني هذا أنه في حالة استمرار الولايات المتحدة في بيع الـ "إف-35" إلى الإمارات، فيجب القيام بهذه الخطوة في سياق هذا المطلب القانوني.
وتعد إسرائيل حاليا الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تمتلك مقاتلة "إف-35". ولكن هناك مخاوف بشأن استمرار "اتفاقات التطبيع"، حيث ينظر صانعو السياسة الأمريكيون والإسرائيليون إلى صفقة "إف-35" باعتبارها أحد الدوافع الرئيسية لدى الإمارات للتوقيع على صفقة التطبيع.
قطر لن تقبل موقف الأضعف
وفي عام 2020، قدمت قطر طلبا رسميا لشراء مقاتلات "إف-35" من الولايات المتحدة، بعد الإعلان عن صفقة بقيمة 23 مليار دولار بين الولايات المتحدة والإمارات. وتشير هذه الخطوة إلى أن قطر لا تريد أن تكون في موقف "الأضعف" إذا حصلت أبوظبي على المقاتلة. ومع ذلك، لم يكن هناك تقدم كبير بشأن طلب قطر.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قال نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون شبه الجزيرة العربية "دانييل بينيم": "نحن ندرس هذه الطلبات عن كثب. ما يمكنني قوله هو أن قطر أثبتت أنها شريك استثنائي في القضايا الدفاعية، مثل توسيع قاعدة العديد الجوية ودورها في أفغانستان وغير ذلك الكثير".
وهناك اعتبارات مختلفة للولايات المتحدة في تحديد ما إذا كانت ستبيع طائرة "إف-35" إلى الدوحة. الاعتبار الأول هو نقص الطيارين والميكانيكيين. وما لم تتم معالجة هذه المسألة اللوجستية، فمن المحتمل أن تكون عقبة.
وهناك قضية أخرى وهي موقف إسرائيل من الصفقة. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020، قال "إيلي كوهين"، وزير المخابرات الإسرائيلي آنذاك، إن إسرائيل ستعارض أي بيع للطائرة إلى قطر، مشيرا إلى الحاجة إلى الحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة.
وترى إسرائيل عدة نقاط شائكة، بما في ذلك رفض قطر التطبيع مع إسرائيل وعلاقات الدوحة مع حماس. وتعد العلاقة بين قطر وإيران مصدر قلق آخر. وإذا أصرت إسرائيل على معارضة الصفقة، فمن غير المرجح أن يوافق الكونجرس على الصفقة، بالنظر إلى حجم الدعم الذي تتمتع به إسرائيل في واشنطن.
وعلى صعيد متصل، أفادت التقارير أن قطر أعربت عن إحباطها من التأخير في شراء 4 طائرات بدون طيار من طراز "إم كيو- بي 9" من الولايات المتحدة. وفي حين أن البنتاجون يؤيد بيع هذه الطائرات، فإن وزارة الخارجية لم تتحرك بعد في هذا الشأن.
ولا ينبغي أن يكون هذا مفاجئا؛ لأن البنتاجون عادة ما يرحب بهذه المبيعات في حين يترك وزارة الخارجية لتكون الطرف السيء الذي يقول "لا". بالإضافة إلى ذلك، تدير وزارة الخارجية جهود الشؤون التشريعية في الكونجرس لصفقات الأسلحة. وفي كثير من الأحيان، لا يميل الكونجرس إلى أن يُنظر إليه على أنه مجرد صدى صوت لوزارة الخارجية.
وبالرغم من عدم الإعلان عن أسباب التأخير في بيع الطائرات بدون طيار، إلا أن المسؤولين في وزارة الخارجية قلقون من أن البيع سيثير غضب بعض شركاء واشنطن، مثل الرياض وأبوظبي.
وفي 31 يناير/كانون الثاني الماضي، أصبح أمير قطر "تميم بن حمد آل ثاني" أول زعيم خليجي يلتقي "بايدن"، وهو مؤشر على أن العلاقة الثنائية التي كان يُنظر إليها سابقا على أنها رائعة آخذة في التطور، بعد المساعدة الدبلوماسية والعملياتية التي قدمتها الدوحة لواشنطن في أفغانستان.
وبعد الزيارة، أعلن "بايدن" أنه سيطلب من الكونجرس الموافقة على تصنيف قطر كحليف رئيسي من خارج "الناتو"، وسلط الضوء على صفقة بقيمة 20 مليار دولار لطائرات شحن من طراز "بوينج 777 إكس". بالإضافة إلى ذلك، التقى أمير قطر بوزير الدفاع "لويد أوستن" وناقش مبيعات الأسلحة.
أجواء سيئة في الأفق
لدى كل من أبوظبي والدوحة رغبة واهتمام بالحصول على طائرة "إف-35" في حين لدى الولايات المتحدة العديد من المخاوف، مثل احتمال تعرض التكنولوجيا المتقدمة لخطر التجسس الصيني إذا لم تنهي أبوظبي عقد "هواوي"، وما قد تؤدي إليه الصفقة من تأجيج التنافس بين الإمارات وقطر، والرغبة في الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل.
ويزيد التعقيد إذا ما أضفنا إلى ذلك النهج المختلف لكل فرع من فروع الحكومة والبيروقراطية الأمريكية.
وقد تتسبب مخاوف الولايات المتحدة بالفعل في تعثر الصفقات. ولكن إذا نظرنا إلى الماضي، فربما سيحصل كلا البلدين في نهاية المطاف على الطائرة المنشودة ولكن وفق جداول زمنية مختلفة وعبر مسارات شراء معقدة.