دول » دول مجلس التعاون

انقسام مستمر.. مقاربات خليجية مختلفة للصراع الروسي الأوكراني

في 2022/03/03

ديانا جاليفا- منتدى الخليج الدولي - ترجمة الخليج الجديد-

في 24 فبراير/شباط الماضي، شنت القوات الروسية غزوا واسع النطاق لأوكرانيا عن طريق البر والبحر والجو، في أكبر عملية عسكرية لدولة ضد دولة أخرى في أوروبا منذ عام 1945.

ولم تكن دول الخليج صريحة بشأن موقفها من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، فقد أعربت بشكل عام عن دعمها لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن السلامة الإقليمية لأوكرانيا في نفس العام. ويمكن ربط هذا الموقف الحذر بالتغيرات الإقليمية في الشرق الأوسط والهياكل الأمنية التي تشكلت بعد الربيع العربي.

وفي ذلك الوقت، نظر المجتمع الدولي إلى ضم القرم على أنه مواجهة بين روسيا والغرب وليس مواجهة أصلية بين روسيا وأوكرانيا، واعتبر أن أوكرانيا ضحية لهذه المواجهة.

وبسبب التعقيدات السياسية المحيطة بالموقف النشط لروسيا في الشؤون الإقليمية خاصة منذ تدخلها في سوريا عام 2015، اتبعت دول مجلس التعاون الخليجي سياسة الحياد تجاه تصرفات موسكو في أوروبا الشرقية. ولكن اليوم أعربت دول الخليج عن وجهات نظر مختلفة بشأن الصراع، ما يدل على مدى الانقسام في منطقة الخليج.

وفي حين ظلت بعض الدول محايدة تماما، وحاولت دول أخرى التحوط في رهاناتها بين روسيا والغرب، فقد انحازت دول خليجية بكامل قوتها إلى جانب أو لآخر، ويرجع ذلك جزئيا إلى التجارب التاريخية الخاصة بكل دولة.

ودفعت المنافسة الحالية بين دول الخليج إلى المغامرة بإظهار الدعم المباشر أو غير المباشر لطرف من طرفي الصراع، وربما تصورت بعض تلك الدول تغييرات جوهرية في النظام الأمني ​​في أوروبا، وتغييرا قادما في ميزان القوى العالمي نتيجة لذلك الصراع.

الحياد الدائم

ولم تبد البحرين موقفا واضحا بشأن النزاع الروسي الأوكراني. ومن المحتمل أن يكون ذلك بسبب شراكتها الأمنية الوثيقة مع الولايات المتحدة، التي تجعلها تميل نحو واشنطن، وبالتالي الأمم المتحدة.

وفي عام 2014، أيدت البحرين قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدافع عن وحدة أراضي أوكرانيا. وخلال المناقشات بين نائب وزير الخارجية الأوكراني "أمين دزيبار" ونائب وزير الخارجية البحريني "عبدالله بن أحمد آل خليفة"، أكد الأخير "دعم البحرين لوحدة أراضي أوكرانيا وشدد على موقف بلاده المبدئي بشأن منع الشركات البحرينية من القيام بأي أنشطة في شبه جزيرة القرم المحتلة".

وفي الوقت نفسه، ترى النخبة السياسية في البحرين أن موسكو لا تزال شريكا سياسيا وتجاريا حيويا وتحرص على ألا يكون الخلاف بشأن النزاع الروسي الأوكراني عائقا أمام تلك العلاقة حيث تريد المنامة توسيع علاقاتها مع جميع القوى الكبرى. ويشير ذلك إلى أن البحرين ستسعى إلى الحفاظ على موقف محايد من الأزمة الحالية.

وبالمثل، اتخذت سلطنة عُمان موقفا محايدا نسبيا. وحتى وقت كتابة هذه السطور، لم تصدر السلطنة أي بيان رسمي بشأن الغزو الروسي، بالرغم أنها أعربت في وقت سابق عن مخاوفها بشأن تصعيد التعزيزات العسكرية الروسية في 25 يناير/كانون الثاني.

ويمكن فهم إحجام عُمان عن دعم جانب أو آخر في الصراع ضمن السياق الأوسع لمسارها السياسي، حيث تشتهر عُمان بسياساتها الحيادية. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تلعب الاعتبارات الاقتصادية دورا في أي تطورات أخرى.

وبالرغم أن عُمان مُصدِّر محدود نسبيا للطاقة مقارنة بجيرانها الأكثر ثراء، لكن عائداتها النفطية استمرت في الارتفاع طوال الأزمة. وكان لذلك تأثيران على الاقتصاد العماني، أحدهما سلبي والآخر إيجابي. وكما أوضح الكاتب والمحلل الاقتصادي "خلفان الطوقي" لصحيفة "التايمز العمانية": "سيؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى تضخم في الدول المستوردة للسلع، بما في ذلك سلطنة عُمان، لأنها تستورد غالبية بضائعها. لكن الجانب الإيجابي هو أن الحكومة ستسدد الديون، وسيرتفع مستوى الائتمان في السلطنة". وبالنظر إلى هذا التوازن، لا يبدو أن عُمان ستتخلى عن حيادها في الوقت الحاضر.

وربما تواجه السعودية، أكبر لاعب في المنطقة، أصعب عملية توازن للحفاظ على علاقاتها مع روسيا والغرب. وتحرص الرياض حتى الآن على عدم اتخاذ موقف من الحرب، حتى بشكل غير مباشر. على سبيل المثال، استشهدت السعودية بالحاجة إلى الحفاظ على اتفاقية الإنتاج بين "أوبك" والدول غير الأعضاء في "أوبك+" لتبرير رفضها لدعوة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" لضخ المزيد من النفط من أجل كبح جماح أسعار النفط بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.

وذهبت "بلومبرج" في تقرير لها حول الفائزين المحتملين في هذه الحرب إلى اعتبار السعودية أحدهم، حيث يمكنها الاستفادة من انحسار المنافسة أمام إمداداتها النفطية الموثوقة. 

تجارب الماضي وقرارات الحاضر

وعلى النقيض من ذلك، كان موقف الكويت من الغزو الروسي واضحا للغاية، وربما لم يكن مفاجئا بالنظر إلى تجربتها التاريخية الخاصة. وفي اليوم الأول للغزو، شددت الكويت على أهمية احترام استقلال وسيادة أوكرانيا ورفضت رفضا قاطعا "استخدام القوة أو التهديد باستخدامها أو إظهارها" في إطار العلاقات بين الدول.

ويبدو أن الكويت وجدت تشابها بين تجربة أوكرانيا في فبراير/شباط 2022 وتجربة الكويت نفسها في أغسطس/آب 1990 عندما أمر الرئيس العراقي آنذاك "صدام حسين" بغزو الكويت.

وفي الوقت نفسه، يمكن النظر إلى الماضي من زاوية مختلفة. وبصفته أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي، لعب الاتحاد السوفييتي دورا مهما في تبني قرارات تطالب العراق بسحب قواته فورا من الكويت و الاعتراف باستقلالها وسيادتها.

وفي ذلك الوقت، لم تكن الكويت فقط، بل جميع شركائها في مجلس التعاون الخليجي، تقدر الموقف المبدئي لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية. وأعادت السعودية الاتصالات الدبلوماسية مع روسيا في تلك الفترة وسهلت قيام موسكو بإقامة علاقات مع البحرين.

وبينما بقيت دول الخليج الأخرى إلى جانب الكتلة الغربية خلال الحرب الباردة، ظلت الكويت، التي أبرم معها السوفييت اتفاقا لإقامة علاقات دبلوماسية في مارس/آذار 1963، أكثر دول مجلس التعاون الخليجي تقبلا لمصالح موسكو.

ومع ذلك، فإن ردود الفعل الأكثر إثارة للاهتمام على العملية العسكرية الروسية جاءت حتى الآن من قطر والإمارات، ما يساعد في توضيح كيف يظل الخليج منقسما على نفسه. وبالرغم أن دول مجلس التعاون الخليجي وافقت على إنهاء الخلاف الداخلي في "إعلان العلا" في يناير/كانون الثاني 2021، إلا أنها في الواقع لم تحل الخلافات بين الإمارات وقطر. وفي العام الذي أعقب ذلك، أخضعت كلتا الدولتين القضايا العالمية إلى التنافس الإقليمي بينهما، وأظهرت كل منهما وسائل غير مباشرة ومباشرة لدعم كلا الجانبين في الحرب.

ومن بين مواقف دول مجلس التعاون الخليجي الـ 6 من العملية العسكرية الروسية، ربما كانت مواقف قطر الأكثر وضوحا في إدانتها لموسكو ودعمها لأوكرانيا. وفي يوم الغزو، أعربت قطر عن دعمها لأوكرانيا، وغرد الرئيس "زيلينسكي" قائلا: "أواصل المشاورات مع قادة العالم. وقد حصلت على الدعم من أمير قطر".

ويرتبط قرار قطر ارتباطا مباشرا برغبتها في الحفاظ على علاقات جيدة مع الغرب، خاصة الولايات المتحدة، التي يتركز الكثير من وجودها العسكري في الشرق الأوسط في قاعدة العديد الجوية في قطر.

وبالرغم من العلاقات المتزايدة مع موسكو خاصة منذ عام 2016، كانت العلاقات السابقة بين موسكو والدوحة سيئة. واستضافت الدوحة الانفصالي الشيشاني "سليم خان يندرباييف" قبل اغتياله عام 2004، وانسحب سفير روسيا في قطر من منصبه عام 2011 بعد أن تعرض للضرب على أيدي مسؤولي الجمارك في مطار الدوحة.

ولعل الأهم من ذلك أن قطر استفادت ماليا من الأزمة الحالية. وفي يناير/كانون الثاني، تواصلت الولايات المتحدة مع قطر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، سعيا لتعويض احتياجات أوروبا من الطاقة في حالة النقص. وبعد الاجتماع بين "بايدن" والشيخ "تميم"، تم إعلان قطر حليفا رئيسيا للولايات المتحدة من خارج "الناتو"، بالرغم من إعلان السلطات القطرية أن البلاد لن تكون قادرة على إعادة توجيه الغاز إلى أوروبا بسبب العقود القائمة في آسيا.

وفي 22 فبراير/شباط، استضافت قطر منتدى الدول المصدرة للغاز، وأكدت على الحاجة إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية للغاز، وأنها بحاجة إلى مراجعة العقود طويلة الأجل حتى تتمكن من ضمان الإمدادات إلى أوروبا. ومع ذلك، فإن الصراع الروسي الأوكراني والعزلة الدبلوماسية اللاحقة لموسكو قد تخلق فرصا لمنافسي موسكو الرئيسيين في مجال الغاز، إيران وقطر، اللتان تمتلكان على التوالي ثاني وثالث أكبر احتياطيات غاز في العالم.

وفي محاولة لتعزيز العلاقات مع قطر، زار الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" الدوحة لحضور قمة المنتدى الاقتصادي العالمي. وكانت هناك تكهنات بأن الدوحة قد تلعب دورا في الوساطة بين طهران وواشنطن بشأن إحياء الاتفاق النووي.

وبالرغم أنها دفعت من أجل السلام في أوكرانيا، فقد أيدت إيران الموقف الروسي في الصراع، وألقت باللوم على الولايات المتحدة وحلف "الناتو" في التصعيد الحاد للتوترات. ومع ذلك، في حال التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة، ستحقق إيران فوائد اقتصادية فورية، خاصة إذا ابتعد الغرب عن واردات النفط والغاز الروسية.

ومع ذلك، قد يهدد التصعيد بين الغرب وروسيا بعرقلة جهود التوصل للاتفاق النووي؛ لأن روسيا تلعب دورا مهما في المفاوضات. وتعد العلاقات الروسية الإيرانية معقدة حيث تتفق الدولتان في ملفات وتختلف في أخرى، ولكن تجمعهما على الكراهية الشديدة لسياسات الولايات المتحدة.

توازن دقيق

اغتنمت الإمارات اللحظة هي الأخرى، وهي الدولة التي يمكن اعتبارها المنافس الإقليمي الرئيسي لقطر. ويبدو أن الإمارات حسبت المزايا المحتملة من موازنة موقفها بين الجانبين. وناقش وزيرا الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" والإماراتي "عبدالله بن زايد"، في 23 فبراير/شباط الماضي، علاقات الصداقة والشراكات الاستراتيجية بين البلدين، مؤكدين "حرصهما على تعزيز آفاق التعاون الإماراتي الروسي في مختلف المجالات لما فيه الخير لشعبيهما".

وفي اليوم التالي للغزو الروسي، ناقش وزير الخارجية الإماراتي ونظيره الأمريكي "أنتوني بلينكين" الهجوم الروسي عبر الهاتف. وفي 26 فبراير/شباط الماضي، امتنعت الإمارات عن التصويت على قرار مجلس الأمن المدعوم من الولايات المتحدة والذي دعا إلى وقف فوري للتصعيد وجميع الأعمال العدائية في أوكرانيا.

وامتنعت 3 دول فقط عن التصويت، وهي الصين والهند والإمارات. علاوة على ذلك، ذكرت وزارة الخارجية الروسية أن "لافروف" و"عبدالله بن زايد" سيجريان مزيدا من المحادثات في 28 فبراير/شباط في موسكو.

ويتخذ المنافسون الإقليميون مواقف مختلفة بشأن هذا الصراع. فبينما تقف قطر إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تعمل الإمارات على موازنة موقفها بين الجانبين. وعلق الأكاديمي الإماراتي "عبدالخالق عبدالله" في صحيفة "فايننشال تايمز"، قائلا: "لم نعد بحاجة إلى ضوء أخضر من أمريكا أو أي عاصمة غربية أخرى لاتخاذ قرار بشأن مصلحتنا الوطنية". وتابع: "نحن لسنا مع أو ضد، هذا هو الموقف. وإذا كانت أمريكا مستاءة، فسيتعين عليها فقط أن تقبل ذلك".

وتعد موسكو وأبوظبي حليفين من خلال سياساتهما النفطية و"أوبك+"، وقد شهدت الإمارات مكاسب غير متوقعة بعد ارتفاع أسعار النفط إلى ما فوق 100 دولار للبرميل في أعقاب الأزمة. وبالرغم من بقاء الإمارات حليفا استراتيجيا للغرب، فقد تعززت علاقاتها مع روسيا بشكل كبير على المستويات السياسية والاقتصادية والإنسانية.

وشهد عام 2020 زيادة في حجم التبادل التجاري بين الإمارات وروسيا بنسبة 77.64% مقارنة بعام 2019. وفي الوقت نفسه، تتوافق الإمارات وروسيا من الناحية الجيوسياسية، حيث عمل الجانبان معا بشكل وثيق في دعمهما لزعيم الحرب الليبي "خليفة حفتر".

وقامت شركة "مبادلة القابضة" في الإمارات بأكبر استثمار منفرد لها في روسيا في ديسمبر/كانون الأول 2021، حيث اشترت 1.9% من شركة "سيبور"، أكبر شركة بتروكيماويات متكاملة في روسيا. وأبدت الإمارات اهتماما كبيرا ببناء وتعزيز العلاقات مع المناطق الروسية التي تضم أعداد كبيرة من المسلمين، لا سيما الشيشان وتتارستان وإنجوشيا وباشكورتوستان.

وأخيرا، شهد التحالف التقليدي بين مجلس التعاون الخليجي وواشنطن تحولا كبيرا في الأعوام الأخيرة. فمع اتجاه الولايات المتحدة إلى تقليص التزاماتها في المنطقة، تزايد التعاون بين موسكو ودول مجلس التعاون الخليجي. وربما يقدم ذلك بعض التفسير أيضا للموقف الإماراتي من الصراع.

ولن يقتصر التأثير المركزي للأزمة الحالية على الطاقة والأمن الدولي فحسب؛ بل سيكون هناك أيضا تأثير محتمل على قطاعي السياحة والتجارة، ويمكن أن يعزز بشكل غير مباشر انقسامات أوسع داخل منطقة الخليج.

ومن المتوقع أن يكون للأزمة الحالية تداعيات على مستقبل النظام العالمي، وبالتالي منطقة الخليج، وربما يكون ذلك سببا في تصعيد المنافسة بين دول الخليج.