متابعات-
تتسارع الخطى من البوابة البحرينية؛ لإبرام تفاهمات عسكرية بين الخليج وإسرائيل؛ ترتقي مستقبلا إلى تحالف دفاعي مشترك، بدعوى الدفاع عن أمن المنطقة، ومواجهة الخطر الإيراني.
وتقود المنامة بضوء أخضر من السعودية والإمارات، التفاهمات الجارية مع تل أبيب؛ لمنح إسرائيل موطئ قدم غير مسبوق في المنطقة الواقعة على مقربة من إيران.
وتأمل الأطراف المعنية بوضع الخطوط العريضة لهيئة أمنية دفاعية إقليمية مستقبلية، تكون أشبه بحلف "ناتو" في الشرق الأوسط.
خطوات جادة
"ناتو" الشرق الأوسط، لم يعد حبرا على ورق، أو خطط مستقبلية، بل ربما يصح القول، إن المخطط دخل حيز التنفيذ، بعد توقيع وزير الدفاع الإسرائيلي "بيني جانتس" اتفاقية دفاعية مع البحرين، الشهر الماضي.
وتشمل الاتفاضية عدة بنود تقضي بالتعاون في مجالات الاستخبارات وشراء المعدات والتدريب، وهو ما يفتح الباب أمام تواجد قوات إسرائيلية في البلد الخليجي بدعوى تدريب القوات البحرينية، ورفع قدراتها.
وتعد هذه الخطوة غير مسبوقة لإسرائيل مع دولة خليجية منذ تطبيع العلاقات منذ أكثر من عام، مع المنامة وأبوظبي، سبتمبر/أيلول 2020، وهي تمهد لاتفاقات مماثلة في المستقبل مع الإمارات والسعودية.
ونظر لأهمية الخطوة، اعتبر "جانتس" أن مذكرة التفاهم ترتقي بعلاقة البلدين إلى "آفاق جديدة"، قائلا في بيان:"بعد عام واحد فقط من توقيع اتفاقات (التطبيع)، توصلنا إلى اتفاقية دفاعية مهمة ستسهم في أمن البلدين واستقرار المنطقة".
ولاحقا، أكد "جانتس" أن إسرائيل "تسعى لإقامة ترتيب أمني خاص" مع دول خليجية وإقليمية، دون الكشف عن تفاصيل هذا الترتيب، والدول التي ستنخرط في هذا النظام، وطبيعة أهدافه.
ويعزز الاتفاق، قرار البحرين بتعيين ضابط في الجيش الإسرائيلي بشكل دائم في المملكة الخليجية، ليكون أول إلحاق لضابط إسرائيلي بدولة عربية بشكل رسمي، بدعوى العمل على تأمين حرية الملاحة في المياه الإقليمية للمنطقة، وفق بيان وزارة الخارجية البحرينية.
لكن الأخطر ما كشفته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، بشان أن الاتفاق الأمني يشمل تخصيص ميناء بحري بهدف استخدامه كقاعدة عمل لسلاح البحرية الإسرائيلية في مواجهة إيران، بشراكة أمريكية.
ترتيبات الحلف
من المتوقع أن يضم الحلف الدفاعي الجديد إلى جانب إسرائيل، كلا من البحرين والإمارات والسعودية، وربما قريبا يضم دولا أخرى في المنطقة، من أبرزها مصر والأردن، وفق هيئة البث العبرية.
وتتكتم أطراف المباحثات على حجم قوات الحلف، ومواقع تمركز قواته، والمهام الموكولة إليه، ومقر قيادته، والدول التي ستنضم مستقبلا للحلف الدفاعي، الذي يحاول استنساخ تجربة حلف شمال الأطلسي (ناتو).
ويسعى الحلف عبر محادثات سرية جرت بالفعل، إلى تركيب دفاعات جوية مشتركة، بدعوى مواجهة خطر هجمات الطائرات بدون طيار التي تسيرها إيران في المنطقة، خاصة عبر جماعة "الحوثي" في اليمن، والتي استهدفت منشآت سعودية وإماراتية مطلع العام الجاري.
وتتوسع المباحثات نحو محاولة الخروج بموقف مشترك تجاه محاولة إيران صنع قنبلة نووية، والطريقة المثلى لعرقلة برنامجها النووي، ووقف تمدد نفوذها في سوريا ولبنان والعراق واليمن.
وتوصف الخطوة بأنها الأكثر دراماتيكية في العلاقات الأمنية والعسكرية المتنامية بسرعة بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسعودية، بحسب دورية "إنتليجنس أونلاين" الاستخباراتية.
قدرات نوعية
من المخطط له، تثبيت برنامج دفاع جوي مشترك في الدول الأربع (البحرين، الإمارات، السعودية، إسرائيل)؛ لحمايتها من تهديد الطائرات بدون طيار، التي تأتي من إيران أو من حلفائها بالمنطقة، بحسب الموقع البريطاني "ميدل إيست آي".
وسيدعم الحلف نشر منظومة متقدمة من الرادارات المتطورة ومعدات الإنذار المبكر الأخرى؛ لرصد أي هجمات تستهدف دوله، وتحذير الدولة التي يجرى استهدافها والمساعدة في إسقاط الطائرة دون طيار.
وسيخلق برنامج الأمن الدفاعي المشترك، الذي تتم مناقشته، مركز تحكم موحدا مدعوما بالرادارات وطبقات مختلفة من الأنظمة والمعدات المضادة للصواريخ الإسرائيلية الصنع.
وفي مرحلة لاحقة سيتم نشر بطاريات "القبة الحديدية" الإسرائيلية وبطاريات "ديفيدز سلينج" في الإمارات والبحرين، ثم السعودية لاحقا، وفق مصادر إسرائيلية تحدثت للموقع البريطاني.
وتسعى الإمارات بالفعل لشراء أنظمة دفاع جوي إسرائيلية، مثل "القبة الحديدية" في خطوة قد تمثل بدايات نظام دفاع إقليمي يعزز دفاعات البلد النفطي، ويحمي منشآتها من الهجمات الحوثية، وحال نجاحه في ذلك، ستحذو السعودية حذو أبوظبي.
ويفسر "ستيفن رايت"، من قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة حمد بن خليفة في الدوحة، رغبة الإمارات في شراء نظام القبة الحديدية بأن أبوظبي تفكر في كيفية التعاون الدفاعي مع إسرائيل لتحقيق مستوى مماثل من الحماية من إيران والحوثيين.
وإلى جانب ذلك، سيعزز الحلف النشاط الاستخباراتي بين دوله، مع منح جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" قدرة أكبر على الحركة والتواجد، في دول الخليج، وهو ما بدا جليا في تصريح وزير الخارجية البحريني "عبد الله الخليفة"، بأن "الموساد" موجود بشكل رسمي وعلني في البحرين، في تصريح هو الأول من نوعه.
تنويع الخيارات
إلى الآن لم تعرف تكلفة النظام الجديد، الذي سيعزز صادرات السلاح الإسرائيلية، ويدفع نحو إقامة مشارع إنتاج مشتركة بين دول الحلف، ومستقبلا سيحرر دول الخليج من فاتورة ضخمة لاستيراد السلاح، فضلا عن التحرر كذلك من القيود الغربية المفروضة على بيع أنظمة صاروخية بعينها.
ويقول محللون عسكريون، إن أنظمة الدفاع الجوي المتاحة للإمارات لا تستطيع أن تتعامل بنجاح كبير مع مسيرات وصواريخ الحوثيين؛ لأنها "ذات مقطع مداري صغير وتتحرك في مسارات غير متعارف عليها"، ولذلك تبرز الحاجة إلى مستوى دفاعي آخر.
وتمتلك الإمارات نظام الدفاع الجوي (ثاد) المخصص للدفاع الجوي من ارتفاعات عالية، وكذلك نظام "باتريوت" الأمريكي، ونظام "بانتسير" الروسي، وجميعها أنظمة دفاع متقدمة.
وعلى الرغم من تلك الترسانة، وقعت الإمارات وكوريا الجنوبية، يناير/كانون الثاني الماضي، عقدا بقيمة 3.5 مليار دولار لتشغيل أنظمة الدفاع الجوي 2 KM-SAM متوسطة المدى، لتكون أكبر صفقة أسلحة في تاريخ كوريا الجنوبية، ومعها تصبح الإمارات أول دولة أجنبية تشتريها.
وتهدف الصفقة الأخيرة إلى سد فجوة "المستوى الأدنى"، أي التحليق بمستويات منخفضة للصواريخ المعادية، التي لا تستطيع التعامل معها بطاريات "باتريوت" و"ثاد"، وفق "الجزيرة".
ويعدد رئيس منظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، "موشيه باتيل"، مكاسب الدفاع الصاروخي الجماعي، قائلا:"من وجهة نظر هندسية، بالطبع هناك الكثير من المزايا. يمكن مشاركة هذه المعلومات، مثل أجهزة الاستشعار التي يمكن نشرها في كلا البلدين لأن لدينا نفس الأعداء".
إذن، بضوء أخضر سعودي إماراتي، ودعم أمريكي، يجري بلورة شكل الحلف الجديد لخدمة الأجندة الإسرائيلية في المنطقة، وكبح تمدد النفوذ الإيراني، وتأمين الملاحة البحرية، وحماية الأجواء السعودية والإماراتية، وسط آمال بأن ينجح "ناتو" الشرق الأوسط في سد الفراغ الأمني الذي خلفته الولايات المتحدة في المنطقة.