دول » دول مجلس التعاون

تعديل تكتيكي وليس تحولا استراتيجيا.. سعي إيران لتحسين العلاقات مع دول الخليج

في 2022/03/21

أليكس فاتانكا - ميدل إيست آي - ترجمة الخليج الجديد-

كرر "إبراهيم رئيسي" شعارا أساسيا خلال فترة ترشحه للانتخابات ومن بعد أن أصبح رئيسا لإيران، وهو أنه سيسعى إلى تحسين العلاقات مع جيران إيران في أقرب وقت ممكن، ولا سيما دول الخليج العربي.

وبالتفكير في دوافعه لهذا الهدف، فهناك نقطتان مهمتان بلا شك. أولا، ليس هناك ما يشير إلى أن موقف "رئيسي" يمثل تغييرا جذريا من حيث عقلية النخبة الحاكمة في طهران، بما في ذلك المرشد الأعلى "علي خامنئي"، فيما يتعلق بموقف إيران الإقليمي.

وببساطة، لن تمثل أجندة السياسة الخارجية لـ"رئيسي"، حتى في أقصى درجاتها، تحولا استراتيجيا. وما يحدث يرتبط أكثر بالحاجة إلى إجراء تعديلات تكتيكية في السياسة الخارجية لاستيعاب التحديات المحلية والاقتصادية التي تواجه النظام.

ويأخذنا هذا إلى النقطة الثانية، وهي ارتباط جزء كبير من دعوة "رئيسي" لانفراجة مع الدول المجاورة بالتحديات التي يواجهها. والأكثر وضوحا في هذا التحديات الاقتصادية. وبعد 7 أشهر فقط من توليه المنصب، اقتربت حكومة "رئيسي" بالفعل من الإفلاس. وقد أدى ذلك إلى خلق ضغوط اجتماعية واقتصادية في بلد لا يهدأ ويمكن القول إنه في حالة اشتعال دائم.

وتؤكد حقيقة أن أول رحلتين محليتين لـ"رئيسي" كانتا إلى المناطق الفقيرة في خوزستان وبلوشستان ما يراه مستشارو الرئيس على أنه أكثر نقاط الضعف خطورة. وإلى جانب اتخاذ خطوات وقائية على أمل تجنب الاضطرابات الشعبية، فلدى "رئيسي" أيضا دوافعه السياسية الذاتية. ومن المعروف بين الجمهور أن "خامنئي" هو من اختار "رئيسي" ليكون رئيسا، وأنه قد يكون حتى على القائمة المختصرة لخلافة "خامنئي". ولإضفاء الشرعية على رئاسته ورفع مكانته لاستحقاق منصب المرشد الأعلى، يجب على "رئيسي" أن يخلق بسرعة إنجازات جيدة لنفسه في المجتمع الإيراني.

ويفسر هذا، على سبيل المثال، سبب تشابه سياساته الاقتصادية إلى حد بعيد مع تلك التي قدمها "محمود أحمدي نجاد" عام 2005، وهي سياسات شعبوية تستهدف الطبقة الدنيا من الطبقة الوسطى والطبقة العاملة.

ولا يتعين على "رئيسي" فقط أن يعمل بجدية أكبر لتكوين قاعدة شعبية لنفسه أكثر مما فعل "أحمدي نجاد"، بل يجب عليه عمل ذلك مع موارد مالية أقل بكثير تحت تصرفه مما كانت تحت تصرف "أحمدي نجاد". وعلى عكس عام 2005، تعرضت إيران اليوم لضربة شديدة من جراء العقوبات، والاقتصاد يكاد يموت.

ويرتبط هذا الواقع الاقتصادي الداخلي ارتباطا مباشرا بدعوة "رئيسي" للانفراجة مع الدول العربية. ويحتاج "رئيسي" إلى خفض تكلفة أجندة السياسة الخارجية الإيرانية، ويبدو أنه يحظى بدعم "خامنئي" في هذا الملف. على أقل تقدير، سيعرض النظام في طهران نفسه لخطر كبير إذا استثمر بشكل أكبر في المشاريع الإقليمية على حساب معالجة المطالب المحلية. وهذا هو الدافع المركزي وراء التواصل الإقليمي الذي يقوم به "رئيسي"، كما أكدته الزيارة الخارجية التي قام بها إلى قطر في فبراير/شباط 2022. ويقوم باقي النظام بدوره للترويج لهذه الرسالة وتسهيل قبولها من قبل الدول العربية المجاورة.

ويعتبر السعوديون هم الجمهور الرئيسي لهذه الحملة. وتعد رسالة طهران إلى دول الخليج العربية واضحة ومفرطة في البساطة، ومفادها أن الأمريكيين غير جديرين بالثقة، وغير مهتمين بمستقبل الشرق الأوسط، وقد حان الوقت للجهات الفاعلة الإقليمية لبدء العملية الشاقة للتوصل إلى حل وسط على أمل تحريك الماء الراكد في المنطقة والتحول نحو ترتيب أمني جديد. ومع ذلك، لم يقم "رئيسي" ولا وزير خارجيته "حسين أمير عبد اللهيان" بصياغة هيكل أمني إقليمي واضح.

وأشارت حكومة "رئيسي" إلى "مبادرة هرمز للسلام" التي تختصر في كلمة "هوب" الإنجليزية أو "أمل" بالعربية، لكن هناك مشكلتين في المبادرة. أولا، أن من أطلق هذه المبادرة هو سلفه الرئيس "حسن روحاني". ثانيا، أن الدول العربية كانت حتى الآن غير مبالية جدا تجاه المبادرة، لذا فإن فائدتها المرجوة محدودة.

وفقط الوقت وحده سيحدد ما إذا كان بإمكان حكومة "رئيسي" صياغة نوع من المبادرات الإقليمية التي قد تكون ذات فائدة لدول الخليج العربي. وبالرغم من ذلك، هناك القليل من الدلائل على ذلك في الوقت الحاضر. وفي غضون ذلك، من المرجح بدلا من ذلك أن تمضي طهران قدما في عملية تقارب على أساس ثنائي مع الدول العربية المجاورة.

ومرة أخرى، ستبقى الرياض محور تركيز طهران الأول. وتعد البحرين صغيرة جدا وغير مهمة بشكل أساسي بحيث تكون أولوية بالنسبة لإيران، بينما ينظر الإيرانيون إلى الإمارات على أنها نوعا ما مكان للإقامة، كما يتضح من عدد الزيارات الرسمية رفيعة المستوى النادرة هناك. ومع الكويت وقطر وعُمان، ستحافظ إيران على استمرارية سياسة المصالح المتبادلة. ومن الصعب الحكم على مكان حدوث عملية التسوية هذه جغرافيا. وغالبا ما يُشار إلى سوريا واليمن على أنهما منطقتان مناسبتان للتفاهم الإيراني الخليجي، لكن لا يوفر أي من المسرحين بيئة سياسية مباشرة للتوصل إلى حلول وسط.

وبالرغم من أن المكافآت الدبلوماسية ستكون كبيرة، إلا أن احتمال التوصل إلى حل وسط بشأن الصراع الإقليمي الشائك لا يزال بعيدا إلى حد ما.

وأفضل ما يمكن أن نأمله في الوقت الحالي هو أن تحدد إيران ودول الخليج مجالات الاهتمام المشترك من أجل التعاون. وفي سوريا، على سبيل المثال، ترى طهران فوائد في السماح لرؤوس الأموال الخليجية بتأمين مشاريع إعادة الإعمار التي تأمل فيها الشركات الإيرانية في تأمين بعض العقود. ومع ذلك، فإن ما لا يزال مجهولا هو مدى نفوذ طهران على شركائها العرب الرئيسيين، مثل نظام "الأسد" أو الحوثيين في اليمن، الذين يجب تضمينهم في أي انفراجة عملية بين إيران ودول الخليج.

وهناك اقتراح بديل وأكثر وضوحا وهو أن تسعى إيران ودول الخليج إلى انفراجة في المجالات التي تتمحور حول العلاقات الثنائية. وأحد هذه المجالات هو التعاون الأمني ​​البحري. ويجعل عدد الحوادث التي تعرضت لها السفن في الخليج العربي وبحر العرب في الأعوام الأخيرة، بما في ذلك الاستيلاء على السفن وهجمات الطائرات بدون طيار على السفن، هذا المجال وثيق الصلة بالتعاون المحتمل بين إيران وجيرانها العرب. ولكن لكي يحدث هذا، على طهران أولا أن تعترف بوجود مشكلة.

وفي أوائل أغسطس/آب 2021، اشتكى المسؤولون الإيرانيون في الأمم المتحدة في نيويورك من ظاهرة "العلم الكاذب" في المياه الإقليمية خاصة من قبل إسرائيل وحلفائها بهدف تضليل إيران. وفي الوقت نفسه، أعلنت طهران انفتاحها على العمل مع دول الجوار فيما يتعلق بالأمن البحري وحرية الملاحة. ويقدم هذان الموقفان تباينا يطرح معضلة سياسية.

ومن حيث الجوهر، يبدو أن الموقف الإيراني للتعاون الإقليمي في الوقت الحالي مشروطا مسبقا بالتعاون مع جيران ليس لديهم علاقات أمنية وعسكرية مع إسرائيل. وهذا بدوره يضع دول الخليج، وخاصة الإمارات والبحرين اللتين تربطهما علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، في موقف صعب.

ويتمثل التحدي الذي يواجه دول الخليج في الضغط على طهران لفصل المجالات المحتملة للتعاون التكتيكي، مثل الأمن البحري، عن خيارات السياسة الخارجية الاستراتيجية الأوسع التي تتخذها كل دولة.

خطط "رئيسي" المحتملة لإضفاء الطابع المؤسسي على "محور المقاومة"

لكن الأمر المقلق بنفس القدر هو أن مسألة إسرائيل تظل مكونا أيديولوجيا متأصلا في "محور المقاومة" الخاص بطهران. وتشير تصريحات حكومة "رئيسي"، بما في ذلك تصريحات وزير الخارجية "أمير عبداللهيان"، إلى أن طهران تنوي "إضفاء الطابع المؤسسي" على هذا النموذج السياسي العسكري.

وهذا على الأقل خطاب الحكومة الإيرانية الجديدة، الذي يخلق تحدياته الخاصة بشأن كيفية طمأنة دول الخليج المعنية بشأن طموحات إيران الإقليمية عندما تعلن صراحة أنها تريد تعزيز جانب من السياسة الإيرانية قد يزيد الاستياء تجاه هذه الدول.

ومع ذلك، لا يوجد دليل حتى الآن على أن فكرة "إضفاء الطابع المؤسسي" على "محور المقاومة" هي أي شيء آخر غير موقف من حكومة "رئيسي" الحريصة على إظهار نفسها على أنها مختلفة عن سابقتها. ومع ذلك، في حين أن "رئيسي" لم يضع خطة محددة بعد، إلا أن هناك إشارات حول كيفية بدء "إضفاء الطابع المؤسسي" على "محور المقاومة" في المستقبل القريب.

على سبيل المثال، في أغسطس/آب 2021، بدأ قادة الميليشيات العراقية الموالية لإيران والمعروفة باسم "قوات الحشد الشعبي" يتحدثون عن الحاجة إلى إنشاء "الحرس الثوري العراقي". وهذا على الأقل ما قاله "فالح الفياض"، قائد قوات الحشد الشعبي العراقية، لـ"حسين سلامي"، قائد الحرس الثوري الإيراني.

ببساطة، نظرا لمحدودية الموارد المالية الإيرانية وسعيها المتزامن إلى انفراجة مع دول الخليج، فإن أقصى ما يمكن لطهران فعله في الوقت الحالي بشأن قضية "إضفاء الطابع المؤسسي" على المتشددين المؤيدين لإيران هو مساعدة هؤلاء الفاعلين المسلحين على أن يصبحوا منخرطين سياسيا في البلدان التي يعملون فيها.

والقضية الرئيسية لدول الخليج هي ما يلي، إذا اختارت قبول مبادرات إيران والدعوة إلى التعاون الإقليمي، فكيف يمكنها حينئذ دفع طهران بعيدا عن الاستثمار أكثر في "محور المقاومة"، الذي يعد في الأساس موقفا مناهضا للوضع الراهن، وبالتالي تحريضا على المزيد من عدم الاستقرار الإقليمي؟

وأعلنت حكومة "رئيسي" أن "جيران" إيران و "آسيا" على نطاق أوسع هما الهدف الأساسي للسياسة الخارجية الإيرانية. وبهذا المعنى، فإن "آسيا" هنا هي استمرار لسياسة "النظر شرقا"، التي لا يزال "خامنئي" يعلق آمالا كبيرة عليها. وهي تركز على فكرة توثيق العلاقات مع الصين وروسيا بشكل خاص. ومع ذلك، ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الدفع في هذا الاتجاه.

وكان لدى الرئيس "أحمدي نجاد" أيضا خطط كبيرة لأجندة "التطلع إلى الشرق" و"النظر إلى الشرق والجنوب"، التي تستهدف آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية على التوالي.

بهذا المعنى، فإن فكرة "رئيسي" ليست فكرة أصلية. والسؤال هو ما إذا كان من المرجح أن يفعل أفضل مما فعل "أحمدي نجاد" فيما يتعلق بالتنفيذ. وهناك عاملان مهمان يجب التأكيد عليهما عند تقييم هذا السؤال.

أولا، يجب ملاحظة أن هناك درجة كبيرة من استمرارية السياسة. وسيواصل "خامنئي" إدارة العلاقات الدقيقة مع كل من روسيا والصين. ولن تُمنح وزارة الخارجية في عهد "رئيسي" تفويضا جديدا، ولكن قد يُسمح لها فقط بتسهيل الجهود التي بدأها بالفعل مبعوثو "خامنئي" إلى هذين البلدين.

ومع ذلك، هناك عامل ثان قد يعمل لصالح طهران. وفي عام 2005، عندما أطلق "أحمدي نجاد" سياسة "النظر شرقا" لأول مرة، كانت علاقات روسيا والصين أفضل بكثير مع واشنطن. وصوتت بكين وموسكو مع الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ضد برنامج إيران النووي وللعقوبات على إيران.

واليوم، تخوض كل من روسيا والصين منافسة شرسة على النفوذ العالمي مع الولايات المتحدة، ولا يوجد لدى أي منهما حافز لرؤية نجاح سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في "أقصى ضغط" ضد إيران. وإذا حدث ذلك، فيمكن تكراره في أماكن أخرى من العالم على حساب المصالح الروسية والصينية.

وفي الوقت الحالي، سيعني "النظر شرقا" استمرارية السياسة، لكن من غير المرجح أن يكون الحل السحري الذي يريده "خامنئي" لحل جميع مشاكل إيران.

وأخيرا، في حين أن سياسة "خامنئي" "للنظر شرقا" قد يكون لها معنى سياسي، نظرا لأنها تهدف إلى تعزيز العلاقات مع دولتين أخريين لهما علاقات مضطربة مع الولايات المتحدة، فمن الواضح أنه يريدها كوسيلة للتعامل مع قضايا طهران العاجلة، التي هي اقتصادية بطبيعتها.

وفي طهران، يشير منتقدو سياسة "النظر شرقا" إلى أن أيا من الصين أو روسيا لم تقدم أكثر من الوعود لإيران. على سبيل المثال، حتى الآن لم تستثمر أي من الدولتين فعليا بمعنى استراتيجي في صناعات النفط والغاز الإيرانية.

وفي الواقع، في الوقت الحالي، لا تزال سياسة "النظر شرقا" تمثل تطلعا نظريا، وليست سياسة عملية. هذا بالرغم من حقيقة أن مشتريات الصين من النفط الخام الإيراني، خلافا للعقوبات الأمريكية، كانت منقذة لإيران في الأعوام الأخيرة.

باختصار، لم تتجذر دعوة "رئيسي" إلى انفراجة مع دول الخليج العربي بعد في لحظة عميقة من إعادة النظر في سياسة طهران. بل هي حالة تعني تقبل إيران لفكرة أن التوترات الإقليمية المتزايدة تشكل خطرا على استقرارها الداخلي.

ومع ذلك، لا يزال بإمكان دول الخليج اغتنام هذه اللحظة لدفع إيران نحو إعادة النظر في سياساتها الإقليمية. وفي الواقع، إذا تمكنت من تحديد أنسب الأدوات للتعامل مع إيران بمبدأ "العصا والجزرة"، فسوف يشير ذلك إلى طهران بأن دول الخليج مهتمة بالحوار بشرط أن تكون طهران صادقة بشأن تغيير السياسات التي يستاء منها الكثير من جيرانها.