المصدر | إلينورا أرديماغني | المعهد الإيطالي لدراسات السياسة الدولية - ترجمة الخليج الجديد-
خلال الأشهر القليلة المقبلة، من المرجح أن تشهد العلاقات السعودية الأمريكية ذوبان الجليد "شديد الصلابة" الذي يعكسه عدم وجود تواصل مباشر حتى الآن بين الرئيس الأمريكي "جو بايدن" وولي العهد السعودي "محمد بن سلمان".
وتدرك واشنطن والرياض أن الاختلاف بينهما سيستمر حول بعض القضايا، من دور القوى الآسيوية إلى حقوق الإنسان، لكن السياسة الواقعية تجبرهما الآن على التوصل إلى حل وسط يربح فيه الجميع، وقد زاد إلحاح هذا الأمر بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
وهناك أساس معقول لهذه العلاقة الواقعية، وهو الأمن، الذي يعد العمود الفقري التقليدي للشراكة الأمريكية السعودية. وبسبب تداعيات الحرب، يمكن رؤية الأمن الآن من خلال عدسات جديدة على المستوى العالمي، أي تلك الخاصة بـ"الأمن الشامل".
ويحدد هذا المعنى الموسع للأمن إطارا عالميا أوسع يشمل أيضا على سبيل المثال إمدادات الطاقة وتوفير السلع الزراعية والأمن البحري اللازم لضمان تدفق معظم الطاقة والسلع.
وتكمن الدوافع البراجماتية لإعادة توجيه التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية ومجلس التعاون الخليجي في تشابك المصالح الوطنية والأمن العالمي.
عقد بارد في العلاقة السعودية الأمريكية
وبدأت التوترات بين الرياض وواشنطن خلال رئاسة "أوباما" مع اندلاع "الربيع العربي" ثم خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، وازداد في عهد "بايدن" بالتركيز على حقوق الإنسان وقضية "جمال خاشقجي" والنهج المتبع في حرب اليمن.
وبالرغم من مبيعات الأسلحة باهظة الثمن والصداقة الظاهرة، لم تظهر إدارة "ترامب" أي تفاعل عندما تعرضت "أرامكو" السعودية لهجوم غير مسبوق في سبتمبر/أيلول 2019.
وبغض النظر عن التحسن المحتمل في العلاقات، لا يمكن للتحالف السعودي الأمريكي العودة إلى نقطة اتفاقية "النفط مقابل الأمن" التي تمت صياغتها على متن "يو إس إس كوينسي" عام 1945، حيث تغيرت المصالح واللاعبين وروح العصر بالكامل. ولا يمكن للتحالف أن يمحو فجأة فترة انعدام الثقة.
لكن من الممكن اليوم تخيل تحالف سعودي أمريكي ببوصلة جديدة يتمحور مرة أخرى حول الأمن، لكنه انتقائي يركز على المشتريات لحماية الإمدادات العالمية واحتواء الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار والهجمات البحرية المزعزعة للاستقرار من قبل المجموعات المسلحة المرتبطة بإيران في المنطقة.
وسيعتمد هذا التحالف الواقعي على الاستعانة بمصادر أمنية خارجية لحماية مصالح ممالك الخليج وإسرائيل في الشرق الأوسط، ويمكننا هنا النظر في القمة الأمريكية - الإسرائيلية - الإماراتية - البحرينية - المغربية التي عُقدت في القدس في أواخر مارس/آذار 2022، وكذلك التعاون في القضايا الأمنية الشاملة مثل استقرار سوق الطاقة والأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والأمن البحري.
وفيما يلي 3 نقاط لفهم هذا السيناريو المحتمل:
المصالح والأهداف.. ما تريده الولايات المتحدة والسعودية من الشراكة الآن
بعد غزو أوكرانيا، أصبح اهتمام واشنطن يتركز على إضعاف واحتواء نفوذ روسيا والصين في البلدان الأخرى، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وقارة أفريقيا ككل. وهذا هو السبب الرئيسي لإعادة تفاعل الأمريكيين مع الرياض وأبوظبي. وتحتاج الولايات المتحدة أيضا إلى زيادة إنتاج النفط لتقليل الأسعار وكذلك وتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية، خاصة في الاتحاد الأوروبي.
وبالنسبة لواشنطن، فإن إعادة تفعيل الاتفاق النووي مع إيران ستسهم أيضا في تحقيق هذا الهدف.
وتهدف السعودية إلى مواصلة تنويع الاستثمارات والتحالفات، وبالتالي تعزيز التحول الاقتصادي ما بعد النفط. لذلك ستظل الصين والهند، وروسيا بشكل أقل، لاعبين مهمين. ويسير اتجاه الرياض لدراسة التعاملات النفطية باليوان بدلا من الدولار إلى التوجه الجديد في السياسة الخارجية السعودية. ومع ذلك، تهتم الرياض أيضا بالحفاظ على العلاقات والأعمال مع اللاعبين الغربيين، وتجنب احتمالية فرض عقوبات ثانوية متعلقة بموسكو.
والأهم من ذلك كله، لا تزال الرياض عرضة لهجمات الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران باستخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار والهجمات البحرية. وربما تتأثر المشاريع الاقتصادية المتعلقة بـ"رؤية 2030" بالتصعيد المستمر للحرب غير النظامية.
وعلى مدى الأشهر الـ9 الأولى من عام 2021، تضاعفت هجمات الحوثيين ضد أهداف مدنية سعودية مقارنة بنفس الفترة من عام 2020، حيث وصلت إلى 38 هجوما في المتوسط شهريا. وهاجم الحوثيون مرارا منشآت الطاقة السعودية على ساحل البحر الأحمر بين 20 و26 مارس/آذار 2022، حتى خلال سباق "الفورمولا 1" الذي أقيم في جدة.
وما تزال الولايات المتحدة القوة الوحيدة التي يمكنها توفير الأمن الخارجي والمنظومة المضادة للصواريخ للمملكة، ما لم تطبع الرياض رسميا العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.
مصالح واهتمامات مشتركة.. قضايا متقاربة بين الولايات المتحدة والسعودية
وبعد عقد من اندلاع الربيع العربي، تخشى كل من الولايات المتحدة والسعودية، مثل كل دول الخليج، من احتمالات اندلاع "احتجاجات الخبز" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وكان للحرب الروسية ضد أوكرانيا آثار ملحوظة على إنتاج وتصدير القمح والشعير والحبوب والأسمدة. ومن المرجح أن يؤدي انعدام الأمن الغذائي، إلى جانب التضخم، إلى توليد احتجاجات اجتماعية يمكن أن تتحول بسرعة إلى عدم استقرار سياسي لا يمكن السيطرة عليه.
ومن منظور جيوسياسي، لن تكون الولايات المتحدة قادرة على التعامل في وقت واحد مع "نقطة ساخنة" ثالثة بالإضافة إلى روسيا و منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وبالمثل، فإن لدى الرياض وعواصم الخليج الأخرى الكثير لتخسره من أي اضطرابات إقليمية محتملة.
وتشعر كل من الولايات المتحدة والسعودية بالقلق أيضا من دور الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران في المنطقة مثل "حزب الله" في لبنان، و"الحوثيين" في اليمن، وجزء من "قوات الحشد الشعبي" في العراق.
ويكشف تصاعد هجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ ضد السعودية والإمارات انطلاقا من اليمن، وبدرجة أقل من العراق، إلى أي مدى لا تزال دول الخليج عرضة لهجمات غير متكافئة. وللسبب نفسه، يجب ألا يؤخذ أمن الطاقة والتجارة كأمر مسلم به في جنوب البحر الأحمر.
ومع ذلك، لم تُترجم المخاوف المشتركة إلى شراكة سعودية أمريكية أقوى حتى الآن. وتزايد استياء المملكة وكذلك الإمارات من واشنطن نتيجة البرود التي تبديه في الدفاع عنهما.
والآن بعد أن عمل الأمريكيون على إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، تشعر السعودية وكأن التاريخ يعيد نفسه. ولن يقتصر الأمر على الموارد المالية التي ستحصل عليها طهران والتي قد تستثمرها في تصعيد الحرب غير النظامية، ولكن الاتفاق يستثني مرة أخرى برنامج الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيراني، كما كان الأمر في عام 2015.
ومع ذلك، فإن غزو أوكرانيا غير الصورة جزئيا، كما تتبنى كل من روسيا والسعودية مواقف متعارضة بشأن إيران، وقد ينمو الخلاف الروسي السعودي إذا اختارت طهران تحالفا أقوى مناهضا للغرب مع الكرملين. وبالفعل، شكل الروس والإيرانيون لجنة عسكرية مشتركة في عام 2021، للتعاون في التدريب العسكري.
وهناك عنصر آخر يجب مراعاته أيضا، وهو أن العديد من الجماعات المسلحة الموالية لإيران في الشرق الأوسط تتعاطف مع موسكو وتتبنى مواقف معادية للولايات المتحدة. وباستثناء الميليشيات الموالية لـ "الأسد" في سوريا، تهاجم بعض هذه الجماعات الأراضي السعودية والإماراتية أو تساهم في تدريب الحوثيين في اليمن. وعلى المدى المتوسط إلى الطويل، قد يشكل ذلك تحديا للعلاقات السعودية والإماراتية مع روسيا، لا سيما في سياق الاستقطاب الدولي.
استراتيجيات إعادة توجيه الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي
يمكن إعادة تنشيط الشراكة الأمريكية السعودية والتحالف الأوسع مع مجلس التعاون الخليجي من خلال التركيز على 3 مجالات رئيسية، المشتريات الانتقائية للأسلحة لمنع هجمات الحرب غير النظامية التي تهدد الإمدادات العالمية، والاستعانة بمصادر خارجية لتوفير الأمن للقوى الإقليمية في الشرق الأوسط، وانخراط السعودية وقطر والإمارات في لعبة موازين القوى العالمية الجديدة.
أولا، من مصلحة الولايات المتحدة الإقليمية تنمية التعاون الدفاعي وقابلية التشغيل البيني مع السعودية؛ حيث إن البديل هو دفع الرياض أكثر نحو مشتريات الدفاع الشرقية والتعاون العسكري مع روسيا والصين.
وخططت الإمارات بالفعل لشراء 12 طائرة تدريب وطائرات هجومية صينية من طراز "إل 15". وفي معرض الدفاع العالمي الأول الذي أقيم في الرياض بين 6 و9 مارس/آذار 2022، لم يكن هناك تقريبا أي وفد رسمي من الولايات المتحدة بالرغم أن واشنطن ما تزال المصدر الرئيسي للأسلحة إلى المملكة.
وربما تكون المشتريات الدفاعية الانتقائية للتصدي للحرب غير النظامية (التي من المحتمل أن تشكل تهديدا لأمن الطاقة والتجارة العالمية) سببا لتخفيف تدقيق الكونجرس الأمريكي المتزايد لمبيعات الأسلحة وأن تعيد إطلاق الشراكة السعودية الأمريكية.
ثانيا، لا تزال عملية أقلمة الأمن في الشرق الأوسط مستمرة مع تولي القوى الإقليمية مسؤولية أكبر عن الاستقرار. ويقود الأمريكيون العملية "من الخلف"، وتمثل "اتفاقيات إبراهيم" الجزء الأكبر من هذا التحالف الناشئ للأمن الإقليمي الذي أبرزته قمة القدس بين الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب. ويشارك الأردن ومصر في اللعبة أيضا. وبالرغم أن السعودية وقطر لم يقوما بعد بإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، إلا أنهما جزء من معادلة الأمن الإقليمي هذه.
وبسبب التركيز على روسيا والصين، سيكون لدى الولايات المتحدة موارد سياسية وعسكرية ومالية أقل للتعامل مع السياقات المختلطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لذلك ستحتاج واشنطن إلى الاعتماد أكثر على الشركاء المحليين، وتعزيز القدرات المحلية وصيغ الأمن الإقليمي.
ثالثا، يمكن للسعودية ودول الخليج أن تلعب دورا في التوازنات العالمية الجديدة نتيجة للصراع الروسي الأوكراني، بسبب ثروتها وشبكات البنية التحتية واللوجستية لديها وقوتها الناعمة. وفي افتتاح منتدى الدوحة في 26 و27 مارس/آذار 2022، لم يكتف أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني" بتعريف غزو أوكرانيا بأنه "حرب غير عادلة"، بل شدد على ضرورة "اتخاذ موقف جاد لتحديد مستقبل النظام الدولي".
ولطالما أبدت الرياض وعواصم الخليج ملاحظاتها حول تراجع النظام الليبرالي المتمركز حول الغرب وصعود النموذج الاستبدادي الشرقي. لذلك تعمل على التحوط في هذه المرحلة الانتقالية عبر شراكات موازية.
ومع ذلك، فإن إشراك السعودية وقطر والإمارات كلاعبين رائدين في مجال الأمن العالمي يمكن أن يساعد الولايات المتحدة على إعادة توجيه هذه الشراكات من خلال تحديد أهداف مربحة للجميع وتعزيز عقلية الأمن الشامل.
على سبيل المثال، لدى السعودية اهتمام خاص بأمن الطاقة، بما في ذلك الطاقة المتجددة، وتهتم قطر بالأمن الغذائي، وتركز الإمارات على الأمن البحري والخدمات اللوجستية. ويتمتع كل من القطريين والإماراتيين بخبرة في إدارة الأزمات فيما يتعلق بالطاقة والغذاء والاتصال، وهي المجالات التي تدفعها تداعيات حرب أوكرانيا إلى حافة الهاوية.
وكشف الغزو الروسي لأوكرانيا وعدم رغبة الرياض في الانحياز إلى أي مدى تغير التحالف الأمريكي السعودي خلال عقد من الزمان. ولن يدير الشاطئ العربي من الخليج ظهره للشرق ولن يقبل النصائح من الغرب. ومع ذلك، فإن هذه الأزمة الدولية تقدم لواشنطن وشركائها الخ
ليجيين حوافز لإيجاد طرق جديدة للتعاون نحو أفق أمني شامل.
وقد يكون هناك دور للاتحاد الأوروبي في هذا الصدد إذا ساعد في سد الفجوة بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي لتعزيز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.