سلمى حداد - الخليج أونلاين
مع تصاعد التوسع الاقتصادي لدول الخليج العربي والشراكات التجارية والاستثمارية والمالية الخليجية، سواء الحكومية أو الخاصة، مع رجال الأعمال والدول حول العالم، تظهر بشكل متزايد نزاعات تجارية ومالية تتطلب تدخلاً عاجلاً بعيداً عن ساحات القضاء الرسمية التي تستنزف الوقت قبل الوصول إلى نتيجة.
ومن هنا ظهرت أهمية مراكز التحكيم التجارية للفصل في النزاعات بين رجال الأعمال، والتي بات من أبرزها في السنوات الأخيرة مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي (دار القرار) الذي تأسس عام 1995.
ومنذ تأسيسه كان المركز أيقونة وقبلة لفض النزاعات التجارية والمالية بين مواطني دول الخليج أو بينهم وبين مواطني الدول الأخرى، ليتمكن من التحكيم وإعادة الحقوق لأصحابها في نزاعات بملايين الدولارات.
تأسيس مركز التحكيم الخليجي
وأقر قادة دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين)، خلال قمة الرياض التي عقدت في 1993، توصية لجنة التعاون المالي والاقتصادي بالمجلس بإنشاء مركز التحكيم التجاري لدول الخليج.
وباشر المركز مهامه في مارس من عام 1995، ويتخذ من البحرين مقراً دائماً له، ويتمتع بحصانة ولا يخضع للقوانين البحرينية.
ويعتبر المركز جهازاً قضائياً تحكيمياً إقليمياً مستقلاً عن دول المجلس الست، ويتمتع بشخصية قانونية قائمة بذاتها وباستقلال إداري ومالي وفني، وهو أحد أجهزة مجلس التعاون.
ويختص المركز بالنظر في المنازعات التجارية بين مواطني دول مجلس التعاون أو بينهم وبين الغير، ويكون ذلك في حال إذا اتفق الطرفان كتابة في العقد أو في اتفاق لاحق على التحكيم في إطار المركز.
وحسب الموقع الإلكتروني للمركز، فإن أحكامه أو أياً من إجراءاته لا تخضع للرقابة من أية جهة قضائية في أية دولة من دول الخليج أو غيرها.
والهدف من ذلك هو التعجيل بتنفيذ الأحكام الصادرة عن المركز، ويقتصر دول الجهات القضائية المختصة بحسب قانون البلد المراد تنفيذ الحكم فيه على مجرد الأمر بتنفيذ حكم المركز فقط.
ويتمتع رئيس وأعضاء مجلس الإدارة والأمين العام وأعضاء هيئة التحكيم، وأعضاء سكرتارية هذا المركز بالحصانة ضد أي إجراء قانوني، وذلك عند ممارستهم لأعمال وظائفهم، والحصانات والمزايا المقررة لأعضاء السلك الدبلوماسي، كما يتمتع المركز وجميع أملاكه وأمواله بالحصانة ضد أية إجراءات قضائية أو إدارية.
وساعدت هذه الظروف التي يعمل فيها المركز ودرجة الخصوصية والاستقلال في تسهيل مهام عمله وتسريع إصدار الأحكام الخاصة بالمنازعات.
قضايا نزاع مليونية
وأحدث القضايا التي تولاها المركز تتعلق بنزاع يعد الأضخم والأكبر من ناحية قيمة المنازعة منذ إنشائه في 1995.
وأوضح المركز، في بيان أصدره بتاريخ 17 مايو 2022، أن قيمة النزاع تبلغ نحو 41 مليون دولار أمريكي لأطراف شركة أجنبية ضد شركة خليجية وشخص خليجي، ويتعلق موضوع النزاع بالإخلال في الالتزام بعقد مرابحة السلع.
وفي العام الماضي 2021، تولى المركز التحكيم في 17 نزاعاً تجارياً تبلغ قيمتها أكثر من 94.6 مليون دولار، صعوداً من 6 قضايا فقط في العام 2020، و10 قضايا نزاع تجاري عام 2019.
وتعلقت المنازعات المسجلة في العام الماضي بعقود بيع أعمال وشراء خدمات وتسهيلات وعقود عقارية.
وشملت الأطراف المتنازعة في 2021، سواء أفراد أو شركات جنسيات السعودية والبحرين والهند والكويت وماليزيا.
ومن أبرز النزاعات التي سجلت لدى المركز، خلال العام الماضي، ووردت في تقرير إنجازاته السنوي، نزاع شركتين بحرينيتين بشأن عقد بيع أعمال؛ حيث بلغت القيمة الإجمالية للمبالغ المتنازع عليها 1.4 مليون دولار.
كما تضمنت المنازعات جهة شبه حكومية ضد شركة سعودية بشأن عقد مقاولات، وبلغت القيمة الإجمالية للمبالغ المتنازع عليها 1.7 مليون دولار.
وتقدمت شركتان بحرينيتان كذلك إلى المركز لفض نزاع بينهما بشأن عقد عقاري بلغت قيمته الإجمالية 24.2 مليون دولار.
وحكم المركز كذلك في قضية تقدمت بها شركة بحرينية ضد شركتين من البلد ذاته بشأن عقد بيع أعمال بلغت قيمته الإجمالي 3.8 ملايين دولار.
جذب الاستثمارات
وفي بيان صحفي أصدره الأمين العام للمركز طارق الشميمري، في 17 مايو 2022، شرح فيه دور المركز قائلاً: إن "منطقة الخليج شهدت نمواً متزايداً في حجم الاستثمارات الأجنبية، وأحد الأسباب الرئيسة لذلك هو تطور منظومة التحكيم على مستويات عدة، وكذلك صدور العديد من التشريعات الوطنية في منطقتنا الداعمة لفضّ النزاعات عبر الوسائل البديلة لتسوية المنازعات التجارية".
وأضاف الشميمري: "لا يتطور الاستثمار إلا على أرض التحكيم، والبلد الحاضن لمنظومة تحكيم دولية متطورة لا شك بأنه سينعكس على نمو حجم الاستثمارات الأجنبية، وخاصة إذا كان هناك تنفيذ للإحكام الصادرة عنه بكل سهولة ودون تعقيدات، فهناك علاقة سببية مباشرة بين تطور منظومة التحكيم وزيادة الاستثمار".
وأشار إلى أن الزيادة في حجم وقيمة وعدد النزاعات يعكس الثقة المتصاعدة من قبل الأطراف بالآلية المتبعة للمركز في فضّ النزاعات، وكذلك حجية تنفيذ أحكام المركز في جميع دول مجلس التعاون الخليجي.
وحول أهمية مركز التحكيم التجاري الخليجي قال الخبير المالي منير سيف الدين: إن "وجود مراكز التحكيم التجاري في أي دولة أو منطقة إقليمية مثل دول الخليج العربي يسهم بشكل كبير في تعزيز ثقة المستثمرين ورجال الأعمال الأجانب في هذه الدولة أو المنطقة، ما ينعكس على زيادة حجم الاستثمارات".
وأضاف سيف الدين في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "أهمية هذه المراكز تكمن في أن الأطراف المتنازعة لن تحتاج إلى الذهاب إلى المحاكم إلا لاستصدار قرار تنفيذي فقط، وبهذا ستحل النزاعات بسرعة كبيرة".
وأشار إلى أن الأحكام الصادرة عن مراكز التحكيم عموماً تكون نهائية وحاسمة؛ "لأن أطراف النزاع تتفق قبل النظر في نزاعها على الالتزام بقرار التحكيم بشكل نهائي ولا رجعة فيه؛ ومن هنا فإن القضية لا يتطلب حلها إلا بضعة أسابيع".
واعتبر أن مركز التحكيم التجاري الخليجي يعتبر ضماناً للمستثمرين ورجال الأعمال الأجانب والمحليين أيضاً، ويسهم بشكل كبير في تعزيز الثقة في منطقة الخليج العربي وجذب الاستثمارات إليها.
ولفت إلى أن مراكز التحكيم التجاري باتت جزءاً من المنظومة الاقتصادية الدولية، وأساساً مهماً من أسس الاستثمار في أي بلد.
ومن أهم ما يميز التحكيم التجاري، حسب الموقع الإلكتروني لمركز التحكيم التجاري الخليجي، أنه يتم بواسطة محكم أو عدد من المحكمين يتفق أطراف النزاع على تعيينهم، كما يختار المتنازعان القانون الذي سيفصل بينهم ومكان انعقاد الجلسات، ولا تتجاوز فترة إصدار الحكم 50 إلى 100 يوم.