طه العاني - الخليج أونلاين-
تشهد الأزمة الليبية مزيداً من التصعيد، إذ عرفت شوارع العاصمة طرابلس اشتباكات مسلحة بين مجموعات مؤيدة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وأخرى داعمة لفتحي باشاغا رئيس الحكومة المكلف من البرلمان، بعد وصول الأخير إلى المدينة للمطالبة بالسلطة.
وقوبل التصعيد الأخير في ليبيا بتنديد دولي واسع وسط مخاوف من عودة البلاد إلى المربع الأول والاقتتال الدموي بعد نحو عامين من الهدوء النسبي، كما دعت الدول الخليجية جميع الأطراف الليبية إلى استئناف الحوار.
الحوار والحكمة
في أول تعليق خليجي على الأحداث الجارية في ليبيا، دعت دولة قطر كافة الأطراف الليبية إلى ضبط النفس وانتهاج الحوار والحكمة لتجاوز الخلافات، وتهيئة المناخ لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وأعربت وزارة الخارجية القطرية في بيان لها، 17 مايو 2022، عن قلق بلادها من التطورات التي شهدتها العاصمة الليبية طرابلس.
وجددت وزارة الخارجية دعم دولة قطر الكامل للمسار السياسي الليبي، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وكل الحلول السلمية التي تحافظ على وحدة ليبيا واستقرارها وسيادتها، وتحقق تطلعات شعبها في التنمية والازدهار.
وكانت قطر قد تسلمت، في مارس الماضي، أوراق اعتماد السفير الليبي لدى البلاد بعد غياب دام سنوات، في خطوة نحو تعزيز العلاقات بين البلدين.
دعم المبادرة الأممية
حظيت مبادرة الأمم المتحدة بدعم من دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تقضي بتشكيل لجنة توافقية من مجلسي "النواب" و"الدولة" الليبيين لوضع قاعدة دستورية تقود لانتخابات تخرج البلاد من أزمتها في أقرب وقت.
وقالت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة للشأن الليبي ستيفاني وليامز، في 22 مارس الماضي، إن السعودية انضمت لداعمي المبادرة الأممية الأخيرة.
وذكرت في تغريدة لها عبر "تويتر" أن الموقف السعودي جاء على لسان سفير الرياض لدى ليبيا عبد العزيز بن علي الصقر الذي التقى بها، في تونس.
وبينت أن السفير السعودي لدى ليبيا "أعرب عن دعمه الكامل للجنة المشتركة التي اقترحتها الأمم المتحدة بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، بهدف إعادة بناء التوافق على أساس دستوري وقانوني راسخ يمكن من إجراء الانتخابات".
كما التقت المستشارة الأممية وليامز بسفير الإمارات في ليبيا محمد الشامسي، في تونس، بهدف مناقشة الأوضاع الليبية. وفق موقع "بوابة العين" الإماراتية.
ونقلت عن "الشامسي"، في 17 مارس الماضي، دعمه للقاءات للجنة المشتركة التي تيسرها الأمم المتحدة بين مجلس النواب الليبي ومجلس الدولة الاستشاري للتوافق على قاعدة دستورية للانتخابات.
وأضافت أن اللقاء تضمن مناقشة أهمية ضمان أن تكون الجهود الدولية بشأن ليبيا بناءة وموحدة.
من جانب آخر نقلت الصحيفة عن السفير محمد بوشهاب، نائب مندوبة دولة الإمارات لدى مجلس الأمن، تأكيده في كلمته خلال رئاسته لجلسة مجلس الأمن أن الإمارات تشيد بالأطراف الليبية الملتزمة بضبط النفس رغم ما تشهده العملية السياسية من حالة عدم استقرار.
وفي أكتوبر 2021، أكد وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد الناصر دعم بلاده "لاستقرار ليبيا، وعودة السلام لها وتجاوز الأزمة السياسية الراهنة بها".
وأكدت وزارة الخارجية البحرينية، في فبراير الماضي، دعمها لجميع الجهود الرامية لدعم استقرار ووحدة دولة ليبيا بما يحقق الأمن والسلام والنماء، ودعت جميع الأطراف لتغليب المصلحة العامة والجلوس على طاولة الحوار في سبيل الوصول إلى توافق لتحديد موعد لإقامة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية متزامنة، وذلك ضمن الأطر الدستورية والقانونية. بحسب وكالة الأنباء البحرينية.
الدور الخليجي
يحظى الملف الليبي بدور خليجي فاعل، حيث تسعى دول الخليج إلى إعادة الاستقرار والتقريب بين الأطراف المتنازعة هناك.
ويفيد مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة بوجود ما يبرر الدور الخليجي في ليبيا في ضوء ثلاثة تحولات مهمة؛ أولها أن بعض دول الخليج العربي أعضاء مبادرة إسطنبول دعموا عمليات حلف شمال الأطلسي "الناتو" الذي تدخل عسكريّاً في ليبيا عام 2011 تحت اسم "عملية الحماية الموحدة"، وبموجبها أطيح بالنظام الليبي السابق.
ويضيف أن الأمر الآخر الذي يحظى بالأولوية في الوقت الراهن يتمثل في رفض التدخلات الخارجية في الشؤون الليبية، سواء أكان من خلال قوات أجنبية أو مرتزقة، وهو مبدأ ثابت وأصيل في مضامين السياسات الخارجية لدول الخليج العربي.
وأما الأمر الثالث فإن العلاقات الاستراتيجية التي تربط بين دول الخليج ومصر تجعل استقرار ليبيا يمثل ضرورة استراتيجية للجانبين، ومن ثم يمكن للدور الخليجي أن يسهم بقدر كبير في دعم ذلك الاستقرار.
ويلفت المركز إلى أن دول الخليج تمثّل أهمية محورية لدى المسؤولين الليبيين، ومن ذلك الجولة التي قام بها رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة إلى بعض دول الخليج، في أبريل 2021، والتي تعد الزيارة الخارجية الثانية له بعد زيارة قام بها إلى مصر، مشيراً إلى أن هذا يعني أن ثمة قناعة لدى المسؤولين في ليبيا بأن دعم الدول المحورية لجهود إرساء الأمن والاستقرار في ليبيا لا بد أن يرتكز بشكل أساسي على دعم كل من مصر ودول الخليج.
يقول الباحث في الشؤون الأفريقية موسى تيهوساي، إن الدور الخليجي في ليبيا كان منذ بداياته مؤثراً بشكل كبير على الجانب السياسي والأمني في البلاد، خصوصاً بعد نجاح الثورة في الإطاحة بنظام القذافي.
ويلفت "تيهوساي" في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن هذا الدور تحول بشكل دراماتيكي من داعم لثورة الشعب الليبي إلى أحد أكبر عوامل عدم الاستقرار، حيث تحولت إحدى الدول الخليجية إلى داعم للواء المتمرد خليفة حفتر الساعي لتولي مقاليد الحكم بقوة السلاح.
ويشير إلى أن هذا تسبب بجر ليبيا إلى صراع مسلح لأكثر من سبع سنوات، قبل أن ينهزم ويتراجع بفضل المقاومة ورفض الليبيين للعودة لحظيرة الاستبداد.
وأردف أنه مع تراجع هذا المشروع وانكساره لا تزال أبوظبي تؤدي دوراً مؤثراً على المستوى السياسي، ومحاولة إيجاد دور سياسي لرعاتها في البلاد على غرار حفتر وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب، مبيناً أن هذا الثنائي يسعيان إلى تنصيب حكومة موالية لهما وتضمين مواد تسمح بترشح كليهما في أي مسودة تجرى من خلالها الانتخابات المقبلة مع دعم إماراتي مصري لهذا المطلب.
ويوضح أن الصراع الحالي في السلطة التنفيذية يتخذ نفس شكل الصراع القديم بين محور أبوظبي ومصر من جهة، وبين تركيا وقطر من جهة أخرى.
وحول قيام دول خليجية مثل الإمارات وقطر بأداء دور الوساطة في الأزمة الحالية يقول المتحدث إنه لن يكون مقبولاً لدى الأطراف الداخلية، حيث سيرفض حفتر أي وساطة قطرية، وفي المقابل لا يمكن قبول وساطة الإمارات التي بقيت على مدى سنوات طرفاً أساسياً في الصراع الليبي المسلح.
ويشير الباحث في الشؤون الأفريقية إلى أن الدور الوحيد الذي يمكن أن يؤدى خليجياً هو محاولة الضغط على الأطراف الليبية من أجل التوصل إلى آليات مشتركة يمكن أن تنهي المراحل الانتقالية التي استنزفت بشكل كبير موارد الدولة، وأضاعت وقتاً ثميناً كان يمكن أن يسخر من أجل إمكانيات ليبيا الهائلة في مشاريع تنموية وبناء دولة ديمقراطية حديثة.