يوسف حمود - الخليج أونلاين-
في وقتٍ كان الجميع فيه يترقب إعلان تحالف عسكري جديد في المنطقة تشارك فيه عدة دول عربية إلى جانب "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية، تبددت تلك الفكرة وأصبحت من الماضي، فيما يرى البعض أن الفكرة يجري الإعداد لها تحت الطاولة على قدمٍ وساق.
وخلال نحو عامين، كثر الحديث عن هذا التحالف، لكن في الأشهر الأخيرة تزايد الحديث عنها، خصوصاً مع زيارة بايدن للمنطقة، والذي كانت فكرته تنطلق من أرضية تردع الأطماع التوسعية لإيران؛ جغرافياً وعسكرياً، خصوصاً مع انتشارها المتحقق اليوم في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
وحملت كل المؤشرات والتصريحات خلال قمة جدة (منتصف يوليو) على عدم وجود أرضية لهذا التحالف، أو عدم اتفاق الأطراف التي كانت ربما تشارك فيه حول هذا الأمر، ليأتي السؤال الذي ربما يبحث الكثير عن إجابة له: "هل ماتت فكرة التحالف قبل إنشائه، أم أن كثيراً من الأمور لم تكشف بعد"؟.
تصريحات بايدن ونفي سعودي
مع زيارته التي قام بها، منتصف يوليو 2022، إلى جدة السعودية، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام قمة عربية إن الولايات المتحدة ستظل ملتزمة بقوة بدورها تجاه حلفائها في الشرق الأوسط، وإنها "لن تذهب بعيداً".
وقدم بايدن، الذي بدأ أول جولة له بالشرق الأوسط منذ توليه الرئاسة بزيارة "إسرائيل"، رؤيته واستراتيجيته لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
كما سعى إلى استغلال التجمع في جدة لدمج "إسرائيل" ضمن محور جديد، مدفوع إلى حدٍّ كبير بمخاوف مشتركة إزاء إيران.
لكن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ذكر في مؤتمر صحفي بعد اختتام القمة أنه ليس لديه علم بأي مناقشات بشأن إقامة تحالف دفاعي خليجي - إسرائيلي، وأن السعودية لا تشارك في مثل هذه المحادثات.
كما أن البيان الختامي للقمة لم يتطرق إلى الحديث عن هذا التحالف، وهو ما يشير إلى أن فكرة التحالف لم تحظَ بقبول وإجماع من بعض الدول العربية التي شاركت في قمة جدة.
نفي سابق
وسبق أن خرج وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، مطلع يوليو الجاري، لنفي وجود أي حديث عن تحالف عسكري تكون "إسرائيل" جزءاً منه، وقال إن هذا الموضوع ليس على أجندة زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة.
وقال الصفدي في مقابلة مع قناة "الشرق" السعودية: "لم يتحدث معنا أحد حول أي حلف بمعنى الناتو، لكن كلنا في المنطقة نشعر بأننا نحتاج إلى تعزيز آليات التعاون العربي، وإلى آليات عمل عربية ومؤسساتية قادرة على خدمة مصالحنا، وتحقيق الأفضل لشعوبنا ودولنا".
وأشار الصفدي: "هل نحتاج كمنطقة عربية إلى آليات تعاون مؤسساتية جديدة تساعدنا في مواجهة تحدياتنا، وأي طرح وأي جهد يسهم في تعزيز العمل العربي المشترك بما يخدم المصالح العربية المشتركة شيء ندعمه".
كما أكد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، قبل يومين من القمة، أن بلاده ليست ضمن أي محور أو تحالف في المنطقة.
المقترح مستمر
يعتقد المحلل الاستراتيجي والعسكري إسماعيل أيوب أن الفكرة لم تمت، بل لا تزال موجودة، "خصوصاً لدى الدول التي طبعت مع إسرائيل كالإمارات والبحرين".
ويرى أن تشكيل حلف كهذا علناً "له تأثيرات على مستوى الرأي العام العربي، خصوصاً بعد هذه الزيارة التعيسة التي قام بها بايدن، والتي رأينا فيها الدعم الأمريكي لإسرائيل مقابل تقزيم القضية الفلسطينية".
ويوضح لـ"الخليج أونلاين" بقوله: "نضوج اتفاق أو تحالف علني في الإعلام بين إسرائيل ودول الخليج أعتقد أن الحديث عنه مبكر، لكنه ربما سيحدث حالياً من تحت الطاولة، مع ما رأينا من وجود رادارات إسرائيلية في البحرين والإمارات".
ويشير إلى أن "إسرائيل تسعى لتشكيل هذا الحلف ولو من تحت الطاولة، بل تريد التمهيد للجزء الأكبر من العالم العربي ولمشاعرهم، خصوصاً تلك التي تقف إلى جانب القضية الفلسطينية".
ويضيف: "القمة مهدت للكثير من العوامل التي تساعد على نضوج الفكرة في المستقبل، خصوصاً مع طرحها للدول التي اجتمعت فيها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية".
وكانت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية نقلت عن القناة 12 الإسرائيلية (1 يوليو 2022) أن "تل أبيب" ستنشر قريباً رادارات ومنظومات دفاع جوي في الإمارات كجزء من "شبكة دفاع إقليمي" تحاول تدشينها بالمنطقة بالتعاون مع حلفاء خليجيين والولايات المتحدة في مواجهة إيران.
وبحسب الصحيفة، فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي تجري حالياً محادثات مع حلفائها في المنطقة الذين شاركوا في "قمة النقب"، وهم: الإمارات، والبحرين، والمغرب، ومصر وأمريكا؛ لبحث فرص تشكيل "حلف مشترك".
الفكرة انتهت
ويخالفه في الرأي المحلل العسكري العراقي حاتم الفلاحي، الذي يقول إن فكرة التحالف الدولي أو الإقليمي "كانت ضعيفة جداً، خصوصاً أن فرص نجاحها كانت تقريباً شبه معدومة".
أما عن أسباب اعتقاده بنهاية هذه الفكرة فيقول: "الأسباب كثيرة جداً، ومنها عدم وجود رؤية مشتركة ما بين هذه الدول، خاصة الدول التي شاركت بقمة جدة، وعدم وجود رؤية مشتركة فيما يخص مصدر التهديد وطبيعة التهديد".
وتابع في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "يضاف إلى ذلك بأن هذه الدول كثير منها تربطه علاقات جيدة مع إيران، ومن ثم فإن تشكيل هذا التحالف هو لمواجهة التهديدات الإيرانية في المنطقة بشكل كبير جداً؛ من خلال المعارك التي تجرى مع حرس الحدود الأردني فيما يخص تهريب المخدرات، وتهريب الأسلحة نتيجة تقليص النفوذ الروسي بسبب الحرب الأوكرانية".
ويستذكر تصريحات ملك الأردن الذي قال إنه مع قيام تحالف عسكري بالمنطقة، معلقاً بقوله: "هذا الأمر هو ما جعل العاهل الأردني يقول ذلك".
وعن بعض الدول المشاركة في القمة يقول: "عُمان تتبع سياسة الحياد الإيجابي في التعامل مع الملفات في المنطقة، وهي لم تشارك في التحالف العربي الذي يقاتل في اليمن، وكذلك في ملفات كثيرة أيضاً، ولديها علاقات جيدة مع إيران، وقد كانت عرابة الاتفاق النووي 2015، كذلك قطر التي ترى أن إيران وقفت إلى جانبها خلال الأزمة الخليجية".
وتابع: "العراق أيضاً يسيطر على القرار الأمني والسياسي والاقتصادي فيه مليشيات وأذرع إيران"، معلقاً: "ومن ثم فطرح هذه الفكرة منذ البداية كان ضعيفاً جداً في مسألة نجاحها من عدمه".
ويضيف أيضاً: "المواقف السياسية تتغير لدى الدول التي ترى أن إيران خطر عليها، فمثلاً الإمارات ستتبادل السفراء وستفتح السفارة مع إيران، وأيضاً مصر هي بعيدة عن الأحداث مع إيران".
ويشير إلى أنه على المستوى العسكري والفني واللوجستي "يوجد الكثير من الأسئلة التي كان يجب الإجابة عنها قبل طرح هذه الفكرة، وهي مسألة تشكيل تحالف، وما أهدافه وشكله، وهل هو عسكري أم أمني أم جوي، ومن سيقوده ويموله، وأين مقره، وما دور كل دولة فيه؟".