الشروق المصرية-
لطالما مثلت زيارات رؤساء أمريكا للشرق الأوسط لحظة تاريخية فارقة يختلف ما قبلها عما جاء بعدها. عام 1945، التقى الرئيس فرانكلين روزفلت بالملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة، في طريق عودته من مؤتمر يالطا والذي أعاد تشكيل خريطة العالم مع انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وفى عام 1974، قام ريتشارد نيكسون، بأول زيارة لرئيس أمريكي للمنطقة حيث زار مصر وإسرائيل قبل أن يتنحى عن منصبه بعدها بشهرين بسبب فضيحة ووترغيت.
ثم راهن الرئيس جيمي كارتر على الشرق الأوسط وزار مصر وإسرائيل وتوسط لمفاوضات السلام بين الطرفين ونجح في إبرام معاهدة سلام بينهما عام 1979، إلا أنه خسر الانتخابات بعدها بشهور.
تعكس زيارة الرئيس جو بايدن الحالية والقصيرة إلى الشرق الأوسط رغبة إدارة أمريكية مأزومة فى إظهار أن الإدارة المنهكة بقضايا الداخل الأمريكي وتحديات السياسة الخارجية التي تهيمن عليها روسيا والصين، لا تزال تهتم بالمنطقة. كما يعانى بايدن من تراجع كبير ومستمر في نسب شعبيته وانخفاض التأييد لسياساته ومواقفه.
من غير المعتاد أن يستبق رئيس أمريكي رحلة خارجية له بحملة دفاعية مبكرة تقدم للداخل الأمريكي وللعالم الخارجي مبررات قيامه بهذه الرحلة.
فقد نشر الرئيس جو بايدن مقالا في "واشنطن بوست" قبل أيام بعنوان «لماذا أذهب إلى السعودية؟»، وبدلا من تقديم تبرير قوى مقنع للرأي العام الأمريكي عن فوائد قيامه بهذه الرحلة التي تشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية، قال بايدن عن غير قصد الكثير مما يُدين سياسة إدارته ومواقفها فى الشرق الأوسط.
أرجع بايدن الفضل لنفسه ولإدارته منذ وصوله للحكم قبل عام ونصف فى الكثير مما يراه إيجابيات في سياسات واشنطن في الشرق الأوسط. واعتبر أنه نجح في إيقاف حرب غزة العام الماضي، والتي استمرت «11 يوما فقط» كما ذكر.
وأرجع بايدن الفضل لنفسه كذلك في إجراء أول اتصال هاتفي من رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد ليهنئ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بمناسبة عيد الأضحى، واعتبر ذلك نوعا من الاختراق الدبلوماسي الكبير الذي جاء أثناء وجوده فى البيت الأبيض.
كما أرجع بايدن الفضل في الهدوء النسبي الذي تعرفه اليمن، بعد توقيع هدنة بين الأطراف المتصارعة، إلى جهود إدارته. وتجاهل بايدن ديناميكيات القتال، ووصول صواريخ الحوثيين أبوظبي والرياض، وإدراك السعودية غياب أي طريق للانتصار. تجاهل بايدن أيضا جهود الأمم المتحدة التى دفعت للهدنة التى لم تكن نتاج «للدبلوماسية الأمريكية المستمرة» كما ادعى.
ظهرت كلمة «النفط» مرة واحدة فقط فى مقال بايدن، وربما الهدف من ذلك عدم الرغبة في رفع سقف التوقعات حول ما تعنيه زيارته لأسعار النفط والغاز خاصة مع تزايد القوة التفاوضية التي تملكها السعودية ودول "أوبك+" بهذا المجال، والتي تضاعفت بسبب أزمة حرب أوكرانيا واتجاه الغرب لفرض الكثير من العقوبات على قطاع الطاقة الروسي.
تدرك واشنطن أنها لا ترغب برفع سقف الخلافات مع السعودية خاصة بعدما تبنى بايدن خطابا مناوئا للسعودية إبان حملته الانتخابية وظهرت تبعاتها واضحة في عدم التقائه بولي العهد السعودي، ورفضه التواصل هاتفيا معه.
وأدرك بايدن وفريقه أن تبنيهم موقف العداء من شخص ــ قد يصبح ملكا للسعودية وربما يستمر لأكثر من نصف قرن في هذا المنصب ــ لا يعكس أى حنكة سياسية واقعية.
من هنا يهدف بايدن من زيارته السعودية أولا لإنهاء عداء لا طائل منه مع بن سلمان بعدما فشلت واشنطن لأسباب عديدة في ضبط جوهري للعلاقات الأمريكية السعودية على أسس جديدة كما كانت تأمل.
من الواضح تركيز بايدن على ملفات ثلاثة هى خطوات التطبيع المستقبلية بين دول خليجية وإسرائيل، والمخاوف الأمنية من تبعات أى اتفاق مستقبلى مع إيران، وأخيرا الحديث عن التعاون الدفاعى الإقليمى العربى الأمريكى الإسرائيلى، والذى يستهدف إيران بصورة أو أخرى.
ما لا يدركه بايدن هو أن عملية تغير شكل خريطة الشرق الأوسط الجارية حاليا تحدث سواء رحبت بها واشنطن، أو لم ترحب، خاصة مع وجود رغبة قوية من الأطراف العربية والإسرائيلية فى التأسيس لنمط علاقات مختلف داخل وخارج دول الإقليم.
مع حقيقة أنه بدون سوق النفط العالمية المضطربة الناتجة عن غزو روسيا لأوكرانيا، والتى ساهمت بصورة غير مباشرة فى وصول أسعار البنزين داخل أمريكا لمستويات قياسية، لم يكن ليفكر بايدن فى زيارة المنطقة على الإطلاق، خاصة أنها تأخذه للسعودية التى وصفها بدولة منبوذة قبل شهور.
كما لا يملك بايدن رغبة أو قدرة لإحداث أى تحول فى قضية الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، فهو لا يستطيع حلحلة جمودها، ولا يرغب فى الضغط على إسرائيل لأسباب مختلفة.
وتقيد حسابات السياسة الداخلية فى أمريكا وإسرائيل قدرة بايدن لفعل أى شيء مثل إعادة فتح القنصلية فى القدس، أو مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن، بالإضافة إلى وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية.
قال بايدن العبارات التقليدية التي لا قيمة فعلية لها على غرار حاجة الجانبين إلى تجنب الخطوات التي قد تضر بالوضع النهائي المتمثل فى حل الدولتين، وضرورة دعم تدابير بناء الثقة.
ختاما، تأتى زيارة بايدن قبل 4 أشهر من انتخابات الكونغرس التي يتوقع أن يخسر معها الحزب الديمقراطي أغلبية مجلسي النواب والشيوخ أو كليهما، وهو ما يترك بايدن كبطة عرجاء فى العامين المتبقيين من فترة رئاسية أتوقع أن تكون الأولى والأخيرة له.