أشرف كمال - الخليج أونلاين-
كشف التضامن الشعبي الواسع الذي حظيت به رئيسة هيئة الآثار والثقافة البحرينية الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، مؤخراً، بعد خروجها من منصبها الذي ظلّت فيه أكثر من عقدين؛ بسبب رفضها مصافحة سفير دولة الاحتلال، تراجع تأييد اتفاقيات التطبيع الأخيرة إلى حد كبير.
وجاء التضامن الشعبي الواسع حتى من داخل البحرين ليؤكد ما تحدثت عنه تقارير سابقة بشأن تراجع الحماس الشعبي في دول خليجية بينها البحرين لمواصلة طريق التطبيع، الذي يواجه عثرات في الوقت الراهن على ما يبدو.
في الـ16 من يونيو الماضي، كانت الشيخة مي حاضرة في مجلس عزاء بمنزل السفير الأمريكي لدى المنامة، وعندما كانت تصافح الحاضرين فوجئت بوجود سفير "تل أبيب" إيتان نائيه، فرفضت مصافحته وغادرت المكان، وطلبت من السفارة الأمريكية عدم نشر أي صورة لها في مجلس العزاء.
لم يكشف عن هذا الموقف إلا بعد قرار ملك البحرين حمد بن عيسى، في 21 يوليو 2022، إقالة الشيخة مي من منصبها على خلفية تصرفها، رغم عدم الإعلان الرسمي عن سبب الإقالة.
دعم شعبي ملحوظ
على الفور ضجّت مواقع التواصل بالتأييد والدعم للشيخة مي، التي وصفتها حركة المقاومة الإسلامية حماس بأنها "أعلنت الموقف الحقيقي للشعب البحريني"، وكان التفاعل عبر وسم "#شكراً_مي" معبّراً عن الحالة الشعبية الرافضة للتطبيع.
من السعودية إلى الكويت إلى قطر كانت الموقف لافتاً، وكان غياب عرَّابي التطبيع على مواقع التواصل الاجتماعي لافتاً أيضاً، وهو غياب ليس وليد اليوم، وإنما يمتد لشهور خلت.
خلال الشهور الأولى لانطلاق قطار التطبيع الإسرائيلي الخليجي، في سبتمبر 2020، من محطته الأولى في الإمارات مروراً بالبحرين، كان المؤثرون من داعمي التطبيع أمثال الإماراتي حمد المزروعي، والسعودي محمد سعود، لا يتوقفون تقريباً عن الظهور.
عبر تغريدات وصور ومقاطع فيديو كان المزروعي وسعود وغيرهما ينشران صوراً لهما مع الإسرائيليين أو في "إسرائيل" نفسها، وهم يتحدثون عن "السلام والتعايش وضرورة التخلي عن التاريخ المليء بالحروب، والذي لن يتمخض استدعاؤه إلا عن مزيد من الحروب".
لكن المروجين للاعتراف بـ"إسرائيل" والداعين إلى "التسامح والتعايش" و"الأخوة الإنسانية" ما لبثوا أن اختفوا بشكل شبه كامل عن الأنظار.
تراجع تأييد التطبيع
في يوليو الجاري، قال "معهد واشنطن" الأمريكي للأبحاث إنه أجرى استطلاع رأي في نوفمبر، وأظهر تراجعاً ملحوظاً في نسبة مؤيدي اتفاقيات التطبيع مع "إسرائيل" في كل من السعودية والبحرين والإمارات، مقارنة بنهاية العام 2020.
ووفقاً للمسح الذي أجراه المعهد، فإن أكثر من ثُلثي المواطنين في الدول الثلاث أصبحوا ينظرون إلى اتفاقيات التطبيع نظرة سلبية، بعد أقل من عامين من توقيعها.
وذكر المعهد الأمريكي، في تقرير له، أن استطلاع رأي أجراه في مارس الماضي، كشف تراجع التأييد الشعبي للتطبيع إلى حد كبير مقارنة بـ2020. وقال إن 71% من البحرينيين، و76% من الإماراتيين، و75% من السعوديين، لا يؤيدون التعامل مع دولة الاحتلال.
في المقابل كان استطلاع سابق أجراه المعهد، في نوفمبر 2020، يشير إلى أن قرابة نصف هذه الشعوب تدعم الانضمام لاتفاقيات التطبيع، على عكس الواقع حالياً.
من جهته قال عبد الخالق عبد الله، الأكاديمي الإماراتي والمستشار السابق للرئيس الحالي محمد بن زايد: إن "تلك المسرحية الهزلية التي رحبت بإسرائيل انتهت، وهذا متسق مع استطلاع للرأي يظهر أن 71% من الجمهور في الإمارات انطباعاتهم تتراوح بين سلبية وسلبية جداً تجاه العلاقة مع إسرائيل".
وأضاف في تغريدة على "تويتر": "حسب علمي لم يذهب إماراتي إلى إسرائيل للسياحة هذا الصيف، ومن ذهب إليها ذهب سراً وخجلاً ومتستراً".
عودة فلسطين للواجهة
ذلك التراجع في تأييد العلاقة مع الاحتلال جاء بعد أن شهد العام الماضي خفوت نجم التطبيع وأحاديثه، وبدأ الحديث ينحصر في علاقات ولقاءات غير معلنة بين بعض حكومات الخليج وحكومة الاحتلال، وهو ما نفته دول مثل السعودية مراراً.
غير أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة للمنطقة، التي جرى ترويجها على أنها ربما تكون نقطة انطلاق جديدة لقطار التطبيع حتى لو من دون توقيع، شهدت تحولاً كبيراً في الموقف الحكومي الخليجي والعربي أيضاً.
حتى الحكومات التي تعترف بدولة الاحتلال ولها معها اتفاقات تطبيع رسمية؛ مثل مصر والأردن بل والبحرين نفسها، أكدت كلها خلال "قمة جدّة للأمن والتنمية" أنه لا سبيل لأمن ولا لتنمية من دون حل عادل لقضية فلسطين يضمن إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين على حدود يونيو 1967.
لم يستسلم الفلسطينيون بكافة أطيافهم لعمليات الضغط المسبوقة، فواجهوا الاحتلال عسكرياً في الداخل وفي قطاع غزة، عام 2021، وهي المواجهة التي حرّكت سواكن الخليجيين ودفعتهم لرفع أصواتهم المؤيدة لفلسطين.
وواجه الفلسطينيون أيضاً محاولات لي الذراع التي مارستها واشنطن من خلال التمويل أو إغلاق مكتب السلطة في واشنطن، أو تجاهل الدفع باتجاه إحياء المفاوضات وغض الطرف عن التوسع الاستيطاني الذي لا يتوقف.
وفي الشارع واجه الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة والداخل الإسرائيلي آلة الاحتلال بقوة، خصوصاً فيما يتعلق بمحاولات تهويد المسجد الأقصى وتقسيمه زمانياً ومكانياً.
هشاشة التطبيع
وقد نقلت صحيفة "تايم أوف إسرائيل"، يوم الثلاثاء (26 يوليو 2022)، عن مصادر أمريكية أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يخضع لضغوط بايدن خلال زيارته للأراضي المحتلة هذا الشهر.
وقالت المصادر إن بايدن عرض على عباس دعماً مقابل دعم رام الله لعمليات التطبيع والمشاركة في تسهيلها مع دول عربية أخرى، وباتت الإدارة الأمريكية مقتنعة بأن تداعيات أي اتفاق لا يقبل به الفلسطينيون ستكون سلبية.
وأكدت المصادر أن انخراط الفلسطينيين في تسهيل مزيد من اتفاقات التطبيع بات أمراً أساسياً برأي الجميع، ومن ضمن ذلك حكومة الاحتلال نفسها، لكن عباس، وبحسب المصادر، أبلغ بايدن بأن هذا الأمر يعني تصفية القضية.
أمام هذه المواجهات السياسية والشعبية والعسكرية تغير الموقف الرسمي في بعض الدول التي كانت مقبلة على الاعتراف بدولة الاحتلال، وتغيّر أيضاً الموقف الشعبي، الذي لم يجد مكسباً حقيقياً من هذه الطريق.
عندما اندلعت المواجهة العسكرية بين المقاومة وجيش الاحتلال، في مايو 2021، قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن اتفاقات التطبيع الخليجية تتهاوى أمام الواقع، الذي دحض ادعاءات أن التطبيع يهدف لخدمة الفلسطينيين وتخفيف الضغوط عنهم من خلال قنوات دبلوماسية مع الاحتلال.
وقالت صحيفة "إندبندنت" البريطانية أيضاً، إن المواجهة بين الاحتلال والفلسطينيين تعكس هشاشة اتفاقات "أبراهام" التي أكدت الصحيفة أنها "لا تساوي الحبر الذي كتبت به".
كان التبرير الأكبر لعمليات التطبيع الأخيرة هو أن هذا المسلك سيفتح قنوات اتصال رسمية يمكن من خلال للعواصم المطبّعة تحقيق خرق في عملية السلام المجمدة منذ سنوات، ووقف عمليات الاستيطان، التي كانت محتملة قبل الاتفاقات وأصبحت واقعاً بعدها، وهو ما لم يحدث.
انكشاف أهداف التطبيع
المحلل السياسي الفلسطيني وسام عفيفة قال إنه لم يكن هناك تأييد شعبي كبير من الأساس للتطبيع داخل الشارع الخليجي، مشيراً إلى أن الأمر كله كان ينحصر في إطار اعتقاد مجموعات من الشعوب بأن التطبيع ربما يخدم أمنها ومصالحها، لكن حتى هؤلاء سرعان ما تبخرت فكرتهم.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين" قال أبو عفيفة، إن الشارع الخليجي لم يكن منجرفاً بقوة باتجاه التطبيع، ومع ذلك فقد أدرك تماماً بعد عام واحد من التطبيع الإماراتي البحريني مع "إسرائيل" أنه لا فائدة ترجى من هذه الاتفاقيات.
وأضاف: "حتى الدعم التكنولوجي الذي قال البعض إنه سيكون واحداً من ثمار التطبيع بدا أنه يخدم إحكام قبضة الأمن ومراقبة الشعوب أكثر من تعزيز أمن البلاد نفسها، ومن ثم أدركت الشعوب أن ما جرى كان شراكات بين الحكومات وتفاهمات أمنية لا تلبّي مصالح الشعوب نفسها".
كما أن كل الأحاديث التي روج لها بشأن زيادة قدرة الأنظمة المطبّعة على خدمة القضية الفلسطينية عبر التعامل الدبلوماسي المباشر مع دولة الاحتلال ثبت أنها غير صحيحة، أمام الاختبارات التي تعرض لها خلال الفترة التي تلت توقيع الاتفاقات.
وأشار أبو عفيفة إلى أن الفنانين والمثقفين والمسؤولين الخليجيين من أمثال الشيخة مي آل خليفة، الذين ضحوا بمناصبهم أو بطموحاتهم ومستقبلهم رفضاً للتعامل مع الإسرائيليين أو الجلوس معهم أو منافستهم رياضياً أو مشاركتهم في عمل فني، عززوا أيضاً حالة الرفض الشعبية ودعموا القضية بقوة.
وخلص إلى أن "المشاهد التي تلت حركة التطبيع الخليجية الإسرائيلية كشفت حقيقة هذه الاتفاقيات، وأثبتت للشعوب أن الأمر في النهاية لا يهدف إلا إلى خدمة مصالح الولايات المتحدة ودولة الاحتلال، ويضر بالوحدة العربي ويقنن انتهاكات المقدسات الإسلامية، ومن ثم فإن هذه الشعوب بما لديها من شعور ديني وقومي استشعرت خطورة هذا المشروع".