دول » دول مجلس التعاون

اقتصادات الخليج أمام تحديات رفع أسعار الفائدة في أمريكا

في 2022/08/18

محمد بشري - معهد الشرق الأوسط-

بعد النمو الاقتصادي الكبير الذي حققته دول الخليج في عام 2021 بالرغم من تداعيات الوباء المستمرة، تواجه هذه الدول تحديات في التأقلم مع تعديل أسعار الفائدة التي أجراها البنك الفيدرالي الأمريكي للحفاظ على ترتيبات ربط العملة بين عملات دول مجلس التعاون الخليجي والدولار الأمريكي.

وقد يؤدي الفشل في ذلك إلى هروب رؤوس الأموال خارج المنطقة بحثًا عن معدلات أعلى للعائدات على الاستثمار، ما سيكون له تأثيرات سلبية على استقرار النظام المالي في الخليج.

ويجب على دول الخليج استخدام المساحة المالية المتاحة للتخفيف من التداعيات السلبية للتشديد النقدي (وغيره من الصدمات) والاستفادة بشكل أكبر من الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير البنية التحتية المستقبلية.

التوقعات الاقتصادية لدول الخليج

ما يزال النمو الاقتصادي في مجلس التعاون الخليجي قويًا، حيث زاد في المتوسط ​​من 2.08% في 2021 إلى 5.22% في عام 2022. ويعزى هذا التحسن إلى حد كبير إلى 3 عوامل رئيسية: السيولة الكافية في النظام المالي في مواجهة تراجع الطلب على الائتمان؛ والتحفيز المالي الذي يتم ضخه في الاقتصاد (وإن كان أقل مما يمكن ضمانه)؛ وارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي الذي يسمح باستمرار الإنفاق الحكومي.

في الوقت نفسه، ظل التضخم معتدلاً، حيث بلغ متوسطه 3.6% في عام 2022 مقارنة بـ9.1% في الولايات المتحدة. ويرجع ذلك محدودية الزيادة في تكلفة الإسكان والخدمات الأخرى (ما يسمى بالسلع والخدمات غير القابلة للتداول، والتي تكون أسعارها معتمدة على العرض والطلب المحليين)، بينما من المتوقع أن ترتفع أسعار السلع والخدمات القابلة للتداول حسب معدل التضخم العالمي والتذبذب في قيمة الدولار الأمريكي.

ويشير التناقض بين التوقعات الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي واقتصاد الولايات المتحدة إلى عدم تطابق في دورة الأعمال التجارية؛ حيث يبدو أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي آخذة في التوسع، في حين أن الاقتصاد الأمريكي ينكمش.

لذلك، فإن السبب الوحيد وراء إبقاء أسعار الفائدة في دول مجلس التعاون الخليجي متماشية مع أسعار فائدة الفيدرالي هو الحاجة إلى الاتساق نظرًا لترتيب ربط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي.

وبالرغم من التشديد النقدي الأخير في دول الخليج بالتزامن مع تحركات الفيدرالي الأمريكي، ظلت السيولة في المنطقة كافية. ويرجع هذا إلى حد كبير إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي منذ بداية الحرب في أوكرانيا، ما أدى إلى زيادة كبيرة في السيولة.

إن قاعدة الودائع المصرفية القوية على وجه الخصوص، والزيادة على أساس سنوي حتى مايو/أيار 2022 (بنسبة 10.0% في السعودية، و7.5% في الكويت، و23.3% في عُمان) سمحت للبنوك بتخفيف معايير الإقراض وزيادة الائتمان، والذي ارتفع بدوره على أساس سنوي بنسبة 8.7% في الكويت، و14.1% في السعودية، و24.7% في عمان.

لذلك، يمكن الافتراض أن السلطات النقدية في دول مجلس التعاون الخليجي فعلت ما في وسعها إلى حد كبير لمواجهة صدمات العرض الناجمة عن الوباء وحرب أوكرانيا، ما وفر للاقتصاد التمويل اللازم. ومع ذلك، يمكن عمل المزيد على الجبهة المالية، والاستفادة من الحيز المالي المتاح.

استخدام الحيز المالي المتاح لتعزيز النمو

من المزايا الرئيسية التي تتمتع بها اقتصادات الخليج، هي المرونة المالية الناتجة عن مدخراتها المتراكمة في صناديق الثروة السيادية. وتشير التقديرات الأخيرة إلى أن إجمالي أصول صناديق الثروة السيادية لهذه البلدان يبلغ 3 تريليونات دولار، منها 1.19 تريليون دولار للإمارات وحدها.

وتم تحويل جزء من هذه المدخرات إلى الميزانية الحكومية، وقد ساعد ذلك (بالإضافة إلى ارتفاع عائدات الصادرات الهيدروكربونية) في الحفاظ على فائض مالي في دول مجلس التعاون الخليجي.

وينعكس ذلك في فائض في الميزانية بنسبة 6.6% في الكويت، و5.6% في عمان، و8.5% في قطر، و5.5% في السعودية، و8.1% في الإمارات في عام 2022؛ لكن البحرين هي الاستثناء ويتوقع أن تعاني من عجز بنحو 3.3%.

تقوية الشراكات بين القطاعين العام والخاص

مع توقع وصول القيمة الإجمالية للمشاريع المخطط لها وغير المدعومة في دول مجلس التعاون الخليجي إلى ما يقرب من 2 تريليون دولار، فمن الضروري تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتحقيق التنمية المستدامة.

يشير تقرير شركة الخدمات المهنية "برايس ووترهاوس كوبرز" عن الشراكات بين القطاعين العام والخاص في الخليج إلى عدم اليقين بشأن الإطار القانوني، ما يعد العقبة الرئيسية أمام استغلال هذه الشراكة خارج قطاعي الطاقة والمرافق.

وأوصى التقرير بإجراء تحسينات مختلفة، بما في ذلك: زيادة الوضوح بشأن معايير الاختيار والنظر في المقترحات (قد تكون الشركات المتخصصة في وضع يؤهلها بشكل أفضل لتحديد المشاريع المناسبة للشراكات بين القطاعين العام والخاص)، ووضع أطر تشريعية ومؤسسية تسمح بمشاركة القطاع الخاص بنسبة 100%.

هناك حاجة أيضًا لوضع آليات مناسبة لتسوية المنازعات لتعزيز ثقة المستثمرين؛ وتقديم الدعم الحكومي للاستثمار الخاص على أساس كل حالة على حدة (مثل ضمانات المشروع والقروض العامة والإعانات والحوافز الجمركية).

الخلاصة

نظرًا لأن الاقتصادات العالمية عرضة لصدمات العرض غير المتوقعة، فمن المهم إعادة التفكير في مجموعة أدوات السياسة الاقتصادية في دول الخليج.

ومع اعتماد سياسة الصرف وأسعار الفائدة على الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فمن الأفضل لدول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة بشكل أكبر من الحيز المالي المتاح حتى تتمكن من متابعة المزيد من الحوافز المالية التوسعية، بدعم من الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لتطوير البنية التحتية والتخفيف من آثار التشديد النقدي الجاري.

وسيتطلب هذا في المستقبل تحسينًا في إطار المالية العامة متوسط ​​الأجل، وعملية تنسيق رسمية بين السياسة المالية والنقدية، والوصول إلى إعداد سياسة مالية لمواجهة التقلبات الدورية.