يوسف حمود - الخليج أونلاين-
منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي فقدت لندن امتيازات لطالما تمتعت بها في السوق الأوروبية المشتركة، وهو ما دفعها إلى البحث عن بدائل، حيث تمثل منطقة الخليج بثرائها النفطي، واحتياجاتها الأمنية والعسكرية المتزايدة أحد هذه الخيارات.
وتعود العلاقات بين دول الخليج وبريطانيا إلى وقت بعيد، ويتوقع أن تتوطد تلك العلاقات خلال المستقبل المنظور لأسباب تتعلق بحاجة كل طرف إلى الآخر، والظروف الإقليمية والدولية المحيطة بمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا في الوقت الراهن.
ومع رحيل بوريس جونسون من رئاسة الحكومة البريطانية، وقدوم خليفته ليزا تراس بديلاً عنه، يقع على الأخيرة حمل ثقيل لتثبيت علاقة بلادها مع الخليج، خصوصاً وسط الأزمات المتتابعة، وصولاً إلى المفاوضات المستمرة بين الجانبين للدخول في اتفاقية شاملة ضمن التجارة الحرة.
حكومات متعاقبة.. واهتمام متبادل
منذ تولي رئيسة الوزراء السابقة تريزا ماي، مروراً برئيس الوزراء المنتهية ولايته بوريس جونسون، وصولاً إلى رئيسة الحكومة الجديدة ليز تراس، تسعى بريطانيا لتأسيس شراكات اقتصادية خارج الاتحاد الأوروبي بعد الانسحاب منه في مارس عام 2019.
وفازت ليز تراس بزعامة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة البريطانية خلفاً لبوريس جونسون، وذلك بعد إعلان حزب المحافظين، (5 سبتمبر 2022)، نتائج انتخاباته الداخلية.
وحصلت تراس (46 عاماً) على 81 ألفاً و326 من الأصوات، مقابل 60 ألفاً و399 لمنافسها، مستشار الخزانة السابق ريشي سوناك (42 عاماً)؛ لتصبح ثالث رئيسة وزراء للمملكة المتحدة بعد مارغريت تاتشر وتيريزا ماي، وجميعهن من حزب المحافظين (يمين وسط).
وتجد لندن في دول الخليج أحد الشركاء التجاريين المفيدين للاقتصاد البريطاني، حيث تعد الاستثمارات الخليجية في بريطانيا من ضمن الأكبر، ويصل إجمالي استثمارات الصناديق السيادية الخليجية والأفراد إلى ربع تريليون دولار، وتحتل العقارات أكثر من 23% منها، مقابل استثمارات متوقعة خلال الأعوام القليلة بنحو 30 مليار جنيه إسترليني (34.7 مليار دولار).
وإلى جانب ذلك عملت بريطانيا على توثيق علاقاتها مع دول الخليج، خاصة مع الأزمات المشتعلة في المنطقة، باعتبار أن عواصم الخليج لها أدواتها الفعالة في تحديد أطر الصراع بالمنطقة.
اهتمام اقتصادي وتجاري
ويعتبر ملف التفاوض حول التجارة الحرة بين الجانبين من أهم الملفات التي ستواجه حكومة تراس، حيث سيكون ما تبقى من عام 2022 والعام المقبل، فترة مهمة بالنسبة للجانبين، لتحديد التوصل إلى اتفاق جماعي بين دول الخليج من جهة وبريطانيا من جهة أخرى في التجارة الحرة.
تركز المحادثات الحالية، التي أعقبت شهوراً من المناقشات الاستكشافية، على تأمين اتفاقية تجارة حرة من شأنها أن تخفض أو تلغي التعريفات على سلسلة من السلع والخدمات.
وعلى الرغم من عدم وجود جدول زمني رسمي لإتمام الصفقة، يأمل صناع السياسة في المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، الحصول على صفقة قبل نهاية عام 2023.
ويُظهر تحليل الحكومة البريطانية أن الاتفاق مع دول مجلس التعاون الخليجي سيؤدي إلى زيادة التجارة بنسبة 16٪ على الأقل، وإضافة ما لا يقل عن 1.6 مليار جنيه إسترليني (1.85 مليار دولار) بصورة سنوية إلى اقتصاد المملكة المتحدة، والمساهمة بمبلغ إضافي قدره 600 مليون جنيه إسترليني (693.7 مليون دولار) أو أكثر في الأجور السنوية للعاملين فيها.
ولعل أحد المجالات التي من المتوقع أن يكون للصفقة تأثير كبير فيها هو الطاقة المتجددة، وعلى الرغم من أنه من غير المرجح تضمين احتياطيات النفط والغاز لدول مجلس التعاون الخليجي في الاتفاقية المرتقبة، فمن المتوقع أن تساعد أي اتفاقية محتملة دول الخليج على تنويع قطاعات الطاقة الخاصة بها وتقليل اعتمادها على الهيدروكربونات، بالتزامن مع الأزمة الحالية في أوروبا بسبب ما أفرزه الغزو الروسي لأوكرانيا.
ولعل التبادل التجاري بين الجانبين قد شهد انتعاشاً كبيراً، حيث تجاوزت قيمة التجارة المتبادلة الـ57 مليار دولار في 2020، من ضمنها 29 مليار دولار قيمة الصادرات البريطانية لدول مجلس التعاون.
الطاقة والتبادل العسكري
كانت حكومة جونسون تراهن على استمرار علاقات جيدة مع دول الخليج وتحديداً السعودية والإمارات، إلا أنها فشلت في الحصول على تعهدات بزيادة إنتاجهما من النفط نظراً لما تتمتعان به من علاقات قوية بموسكو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومصلحتهما الكبيرة في زيادة أسعار النفط العالمية لدعم ميزانيتهما.
وتعهدت رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة، ليز تراس، بتقديم "خطة جريئة" لخفض الضرائب وتنمية الاقتصاد البريطاني، والتعامل مع تكاليف الطاقة المتصاعدة، وهو ما يجعلها أمام خطوة قد تلجأ من خلالها إلى دول الخليج مرة أخرى للحصول على تعهدات خليجية لمساعدتها خصوصاً لمواجهة أزمة الطاقة خلال فصل الشتاء.
أما في الجانب العسكري فإن بريطانيا أنشأت مؤخراً قواعد عسكرية في البحرين وعُمان، في وقت تعاني فيه منطقة الخليج في بعض الأوقات من توترات أمنية وجيوسياسية.
وتسعى بريطانيا لاستعادة مكانتها للاستفادة من التشارك العسكري، فيما برز عامل آخر حفز استعادة بريطانيا لوضعها التاريخي في المنطقة، وهو عدم الثقة مؤخراً لدى بعض دول الخليج بالولايات المتحدة الأمريكية.
وتُعد السعودية أكبر مشترٍ للسلاح البريطاني، بحسب ما ذُكر في موقع "منظمة ضد تجارة الأسلحة" الموجودة بالمملكة المتحدة، حيث فاق حجم الصفقات العسكرية بين عامي 2015 و2017 حاجز 13 مليار جنيه إسترليني (15 مليار دولار)، وشملت معظم الصفقات أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية.
كما بدأت قطر بتسلم جزء من صفقة تضم 24 مقاتلة من طراز "يوروفيتر - تايفون" البريطانية عام 2022، تزامناً مع استضافتها نهائيات كأس العالم لكرة القدم، الذي ستشارك هذه المقاتلات في عملية تأمينه جواً.
ثوابت في سياسة بريطانيا
يؤكد المحلل السياسي في الشأن الأوروبي، محمد فتوح، أن حكومة تراس تواجه عدة ملفات عاجلة وأخرى تحتاج إلى معالجتها على مدى أشهر قادمة.
ويؤكد أن الملفات العاجلة تتمثل في الأمور الاقتصادية والمعيشية مع تدهور الأوضاع والتضخم وملفات الطاقة والغاز والكهرباء، في إشارة إلى إمكانية مساهمة دول الخليج في هذا الملف في حال اتفق الجانبان خصوصاً فيما يتعلق بالتجارة الحرة.
ويوضح "فتوح"، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "هناك ثوابت في السياسة البريطانية في التعامل مع دول الخليج والدول الأخرى، حيث توجد علاقات خاصة تربط بريطانيا ودول الخليج، وصفقات سلاح وعلاقات اقتصادية وسياسية، وتعاون في ملفات عديدة، سواءً كان في عهد العمال أو المحافظين".
ويؤكد أن العلاقات مع الخليج "يتفق معها جميع السياسيين في بريطانيا، على الرغم من بعض الأصوات في المحافظين أو المعارضة أو المجتمعات ومنظمات المجتمع المدني للضغط على الخليج في بعض الملفات الحقوقية".
وعلى المستوى الاقتصادي والعلاقات السياسية وصفقات السلاح، يؤكد فتوح "أن هناك اتفاقاً على أهمية الاستمرار في هذه العلاقة والاهتمام بها بكل تفاصيلها"، مشيراً إلى عدم وجود أي تغيير في السياسة البريطانية إزاء ذلك، والاستمرار في جميع الملفات التي كانت تتعامل معها حكومة جونسون.
وحول العلاقات بين الجانبين، يقول "فتوح" إنها واسعة بين الجانبين، موضحاً: "هناك شخصيات سياسية عندما تركت العمل السياسي ذهبت للعمل في دول الخليج مستشارين أو مسؤولين في التخطيط بالعلاقات الاستراتيجية، كلوبي أو علاقات عامة، مثل توني بلير رئيس الوزراء السابق الذي يعمل مع دول الخليج، ووزراء سابقين في حكومتي كاميرون وجونسون".