المصدر | جيمس دورسي | أوراسيا فيو - ترجمة الخليج الجديد-
ترسل العديد من استطلاعلات الرأي الأخيرة رسائل مختلطة لقادة الخليج، وتكشف هذه الاستطلاعات عن مواقف قد تكون مفاجئة بين الشباب العربي تجاه الدين ومفاهيم الإسلام المعتدل والعلاقات الدبلوماسية الرسمية مع إسرائيل.
وكشفت دراسة استقصائية نشرتها هذا الأسبوع "أصداء بي سي دبليو" أن 41% من 3400 شاب عربي في 17 دولة عربية تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا قالوا إن الدين هو أهم عنصر في هويتهم، مع الجنسية والأسرة (أو القبيلة) والتراث العربي، وجاءت الهوية الجنسية في آخر العناصر.
وقال أكثر من نصف الذين شملهم الاستطلاع (56%) إن النظام القانوني في بلادهم يجب أن يستند إلى الشريعة أو القانون الإسلامي. وأعرب 70% عن قلقهم إزاء فقدان القيم والثقافة التقليدية. وجادل 65% بأن الحفاظ على هويتهم الدينية والثقافية أكثر أهمية من خلق مجتمع معولم.
وأعرب 73% عن شعورهم أن الدين يلعب دورًا كبيرًا جدًا في الشرق الأوسط، بينما يعتقد 77% أنه يجب إصلاح المؤسسات الدينية العربية.
وقد يشعر القادة الشباب لدول الخليج بالانزعاج من هذه النتائج حيث تأثرت سرديتهم في الحكم بنتائج الاستطلاعات السابقة (تجري أصداء بي سي دبليو الاستطلاع سنويًا على مدار الـ 14 عامًا الماضية) التي كانت تشير إلى انزعاج متزايد من دور الدين في الحياة العامة وتشكيك تجاه أي سلطة دينية.
إن التركيز الأكبر على الدين باعتباره الركيزة الأساسية للهوية، والقلق بشأن القيم والثقافة التقليدية، والدعوة إلى الشريعة الإسلامية، سيلقي بظلاله على الإصلاحات الاجتماعية التي أدخلها ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" والرئيس الإماراتي "محمد بن زايد".
علاوة على ذلك، تم نشر نتائج الاستطلاع في الوقت الذي تناقش فيه قطر كيفية التعامل مع انتهاك القوانين والأعراف القطرية من قبل مشجعي كأس العالم. وقد أشارت قطر إلى أن مشجعي كأس العالم الذين يُقبض عليهم وهم يرتكبون جرائم بسيطة مثل السكر في الأماكن العامة لن تتم ملاحقتهم قضائيا بموجب خطط قيد التطوير من قبل السلطات.
في حين أن انفصال السعودية عن التيار المحافظ (الذي كان لفترة طويلة السمة المميزة للمملكة) كان مذهلاً، فقد كانت الإصلاحات في الإمارات هي الأكثر جذرية في تحدي الشريعة الإسلامية التي تشكل دستوريًا المصدر الرئيسي لتشريعات البلاد.
وأدت إصلاحات "بن سلمان" إلى تقييد سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفعت الحظر الذي تفرضه المملكة على قيادة المرأة للسيارة، وخففت الفصل بين الجنسين، وأدخلت وسائل ترفيه على النمط الغربي. وجميع هذه الإجراءات لا تثير الجدل في كثير من دول العالم الإسلامي، لكنها عكس توجه شريحة كبيرة من السكان ورجال الدين المحافظين في المملكة.
ولا يمكن مقارنة ذلك بالتغييرات بعيدة المدى التي قام بها "بن زايد" والتي ألغت تجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وشرب الكحول سواء للمواطنين أو الأجانب ورفعت الحظر المفروض على العيش معًا لغير المتزوجين.
ومن المتوقع أن تدفع إصلاحات "بن زايد" بعض المشجعين بالاستقرار في الإمارات خلال كأس العالم والسفر لحضور المباريات في قطر التي مازالت تتمسك بما يعتبره البعض قيودا اجتماعية.
ومع ذلك، يشير استطلاع "أصداء بي سي دبليو" إلى أن الإصلاحات في المملكة والإمارات ربما لم يتم تبنيها بحماس من قبل شريحة كبيرة من الشباب.
وأظهرت استطلاعات رأي منفصلة أجراها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن 59% ممن شملهم الاستطلاع في الإمارات و58% في السعودية و74% في مصر لم يوافقوا على فكرة أنه "يجب أن نستمع لمحاولة تفسير الإسلام بطريقة أكثر اعتدالاً وتسامحاً وحداثة".
في المقابل، قد يشعر قادة الخليج بالارتياح من من حقيقة أن 82% من الذين شملهم استطلاع "أصداء بي سي دبليو" قالوا إن الاستقرار أكثر أهمية من الديمقراطية. وفي الوقت نفسه، يعتقد الثلثان أن الديمقراطية لن تنجح أبدًا في الشرق الأوسط.
في غضون ذلك، رأى ثلاثة أرباع المستطلعين الصين، تليها تركيا وروسيا، حلفاء لهم، مقابل 63% فقط أشاروا إلى الولايات المتحدة و12% لإسرائيل. ومع ذلك، فقد ينظر هؤلاء إلى الولايات المتحدة على أنها صاحبة التأثير الأكبر في الشرق الأوسط، لكن الأغلبية فضلت فك الارتباط مع أمريكا. ومع ذلك، ما تزال الولايات المتحدة وأوروبا وجهات مفضلة لدى 45% ممن شملهم الاستطلاع والذين يسعون إلى الهجرة.
وبالرغم من التشكك الواسع في الديمقراطية، سيلاحظ قادة الخليج أيضًا أن 60% أعربوا عن قلقهم بشأن الدور المتزايد للحكومة في حياتهم.
ومن المهم الإشارة إلي نتائج الاستطلاع بخصوص التطبيع مع إسرائيل، خاصة أن هناك حديثا عن اقتراب السعودية من هذه الخطوة بعد مرور قرابة عامين على توقيع "اتفاقات إبراهيم" بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
وإدراكًا منها لتحدي الرأي العام لديها، عقدت السعودية، جنبًا إلى جنب مع جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، اجتماعاً قبل أيام في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة لاستكشاف سبل إزالة الغبار عن خطة السلام العربية.
وعرضت الخطة على إسرائيل الاعتراف والعلاقات الدبلوماسية مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. من جانبه، أعرب "يائير لابيد" عن دعمه لحل الدولتين في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يدعم فيها "لابيد" حل الدولتين منذ أن أصبح رئيسًا للوزراء وهي المرة الأولى منذ عام 2017 التي يتحدث فيها رئيس وزراء إسرائيلي لصالح دولة فلسطينية.
ومع ذلك، رأى 14% فقط من المصريين الذين شملهم استطلاع لمعهد واشنطن أن إقامة الإمارات ودول أخرى مؤخرًا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل يعتبر أمرا إيجابيا، بالرغم أن مصر نفسها أبرمت معاهدة سلام مع إسرائيل منذ 43 عاما.
وعلى عكس الإمارات والبحرين والمغرب، حيث تم الترحيب برجال الأعمال والسياح والمقيمين الإسرائيليين، فضل 11% فقط من المصريين الذين شملهم الاستطلاع تطبيع العلاقات على المستوى الشعبي.
وبالمثل، عارض 57% من السعوديين الذين شملهم الاستطلاع من قبل المعهد تطبيع علاقات المملكة مع إسرائيل. ومع ذلك، وافقت نسبة أعلى في المملكة والإمارات عنها في مصر (حوالي 42%) على أنه "يجب السماح للأشخاص الذين يرغبون في إقامة اتصالات تجارية أو رياضية مع الإسرائيليين بالقيام بذلك".
لتلخيص كل ذلك، فإن الرسالة هي أن هناك فجوة واسعة بين توجهات قادة الخليج وشرائح كبيرة من شعوبهم حتى لو كانت المواقف العامة متناقضة، وبالرغم من الترويج للإصلاحات باعتبارها مطلبا شعبيا، يبدو أن خطوات قادة الخليج أوسع بكثير من الواقع الشعبي.
وفي الوقت الحالي، تساعد القبضة الأمنية في قمع أي وجهات نظر مخالفة، لكن استطلاعات الرأي المتكررة تتحدى الصورة التي يعملون بجد لإبرازها.