كامل جميل - الخليج أونلاين-
تعتبر التدخلات الخارجية التي تشهدها بلدان عربية واحدة من بين أبرز المشاكل التي تعيق تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي للبلدان التي تعاني من هذه التدخلات، فضلاً عن تأثيرها على بقية بلدان المنطقة حتى إن بلغت درجات استقرارها مستويات عالية.
ذلك ما يدركه جيداً قادة الدول العربية الذين اجتمعوا مؤخراً في الجزائر في القمة العربية الـ31، التي شددت فيها دول خليجية على أهمية مواجهة التدخلات الخارجية.
فقد أكد ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد، "ضرورة الدفع بالعمل العربي المشترك في مواجهة التحديات الجسام والمخاطر التي تحيط بعالمنا العربي، عبر وضع تصورات واضحة معلنة تحقق الأهداف المنشودة".
وشدّد ولي العهد بصفته ممثلاً لأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد على ضرورة أن تكون العلاقة مع إيران قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الدول وحسن الجوار.
بدورها دعت المملكة العربية السعودية، في كلمة للملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ألقاها بالنيابة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، إلى التصدي للتدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية ونبذ أعمال الجماعات المسلحة.
بدوره اعتبر الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، ممثل العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، أن "التدخلات الخارجية تفاقم الأزمات في دولنا العربية".
رؤية سليمة
يعتقد د. ناصر مأمون عيسى، الباحث في الشأن السياسي العربي والإقليمي، الذي تحدث لـ"الخليج أونلاين" أن دعوة قادة دول الخليج إلى وقف التدخلات الخارجية في الشأن العربي الداخلي جاءت لتؤكد أن التدخل في الشأن العربي أصبح "متاحاً لكافة القوى الإقليمية والدولية".
يشير عيسى إلى أن تلك الدول تبحث لنفسها في البلدان العربية عن "مغانم دون النظر إلى مصالح العرب".
ويلفت إلى أن دعوة الدول الخليجية لوقف التدخلات الخارجية، "أتت اتساقاً إلى ما انتهى إليه اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الـ 153 الذي عقد في سبتمبر الماضي".
وأضاف أن الاجتماع المذكور "أكد بدوره على هذا المضمون؛ مما يعني أن هذا الأمر بات هدفاً لا حيدة عنه لقادة الخليج، نظراً لرؤية هؤلاء القادة لما ينتج عن ذلك من انهيار الاستقرار في دول عربية كاليمن وسوريا وليبيا وانعكاسه بالأثر السلبي البالغ على الأمة بأسرها وعلى مقدرات شعوبها وأمنهم".
إعلان الجزائر
المطالبات الخليجية بالعمل على التصدي المشترك لوقف أي تدخلات خارجية في شؤون البلدان العربية كان من بين ما دعا إليه "إعلان الجزائر" الصادر عن الدورة العادية الحادية والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية الذي اجتمع على مستوى القمة في الجزائر يومي 1و2 نوفمبر 2022.
وجاء من بين القرارات الصادرة عن إعلان الجزائر "رفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية والتمسك بمبدأ الحلول العربية للمشاكل العربية".
وأضاف البيان أن ذلك يتم "عبر تقوية دور جامعة الدول العربية في الوقاية من الأزمات وحلها بالطرق السلمية، والعمل على تعزيز العلاقات العربية-العربية"، و"في هذا الإطار، نثمن المساعي والجهود التي تبذلها العديد من الدول العربية، لا سيما دولة الكويت، بهدف تحقيق التضامن العربي والخليجي".
بدوره أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في مؤتمر صحفي في ختام أعمال القمة العربية، أن هناك مطالبات من القادة العرب بضرورة أن تكون هناك حلول للمشكلات العربية، وأن تتوقف الأطراف الخارجية عن التدخلات في الشأن الداخلي العربي.
ولفت إلى أن البعد الاقتصادي في العمل العربي المشترك استحوذ على اهتمام أساسي في القمة العربية الـ31؛ وذلك بسبب وجود أزمات الطاقة والغذاء والمياه فضلاً عن التغيرات المناخية التي لها تأثيرات على الأوطان العربية.
أبرز التدخلات الخارجية
وبشكل متواصل تؤكد دول الخليج العربي محاولة إيران توسيع نفوذها الإقليمي من خلال التدخل بالشؤون الداخلية لدول المنطقة، ودعم أحزاب طائفية ومليشيات، خاصة في اليمن والعراق ولبنان وسوريا؛ كالحوثيين وحزب الله والحشد الشعبي وغيرها.
وكانت هذه التدخلات أبرز أسباب عدم الاستقرار في هذه البلدان، التي تعاني تراجعاً كبيراً في اقتصادياتها وتدهوراً كبيراً في مجالات الصحة، خاصة اليمن.
وكانت دول خليجية تضررت من جراء عمليات عسكرية استهدفت بناها التحتية مثل الهجمات والضربات الصاروخية التي شنتها مليشيا الحوثي اليمنية التي تدعمها طهران.
كما تتهم بلدان عربية وخليجية تركيا بالتدخل في الشأن الداخلي لبلدان عربية، خاصة من خلال وجود قوات عسكرية تركية في العراق وسوريا.
يعتقد د. ناصر مأمون عيسى أن إيران تثق بعدم وجود توافق عربي يمنعها من أن يكون لها تدخل في بلدان عربية.
ويرى عيسى أن إيران "ذهبت إلى الأماكن الضعيفة والهينة في الجسد العربي"، مضيفاً: "لكي نكسب القول منطقاً مقبولاً فعلى الدول العربية القادرة سواء عسكرياً أو اقتصادياً توفير البديل المناسب وخلق مصالح مع تلك الأماكن المنهكة".
إمكانيات ردع التدخلات
يبقى التساؤل الذي يدور في فلك استمرار التدخلات الخارجية التي تشهدها بلدان عربية عدة هو: ما مدى إمكانية ردع هذه التدخلات عربياً؟
يصف د. ناصر مأمون عيسى، البلدان العربية التي تشهد تدخلاً بأنها "منهكة أمنياً واقتصادياً وتركت لقمة سائغة"، وعليه يرى أن ما يجب فعله من قبل البلدان العربية هو "احتضان تلك الأماكن، وخلق مصفوفات المصالح وتأمين مصالحها".
ويعتقد أن دول الخليج مؤهلة لقيادة ردع التدخلات الخارجية؛ وذلك "لامتلاكها الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية ما يؤهلها للاضطلاع بهذا الدور غير الهين لكبح جماح تلك التدخلات".
لكن يجب أن يسبق ذلك "تنقية الأجواء العربية العربية، والتأكيد على أن المصالح العربية تعني الجميع، وأن الضرر سينعكس سلباً على الجميع"، وفق الباحث في الشأن السياسي العربي والإقليمي.