دول » دول مجلس التعاون

واحة آمنة وسط منطقة مشتعلة.. كيف نجت دول الخليج من مستنقع الإرهاب والاضطرابات؟

في 2022/11/10

 إبراهيم كاراتاش/ منتدى الخليج الدولي - ترجمة الخليج الجديد- 

تمتعت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بأمان وازدهار نسبي خلال العقود الأخيرة، ويرجع الفضل في ذلك إلى عائدات الطاقة إلى حد كبير، لكن ثروتهم المذهلة لم تحمهم تمامًا من التهديدات في الفناء الخلفي الخاص بهم، ويعد غزو العراق للكويت عام 1990 وهجمات الحوثيين الأخيرة على البنية التحتية السعودية والإماراتية مجرد أمثلة قليلة على المخاطر التي تواجهها هذه الدول.

ومع ذلك، يبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي نجت من السيناريوهات الأمنية الكارثية التي استنزفت جيرانها، وخاصة الضربات الإرهابية. فما السر في ذلك؟

واحة أمن وسط جحيم

قامت دول مجلس التعاون الخليجي بتجديد وتكثيف تدابير الأمن الداخلية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، حيث خشي المسؤولون في جدول الخليج من اتجاه "الشبكات الجهادية الدولية" إلى تعزيز الفوضى في جميع أنحاء المنطقة. كما شعروا بالقلق من اتجاه فئات محبطة من الشباب إلى التطرف.

وكانت عودة المقاتلين الخليجيين من الجهاد في أفغانستان - وبعد ذلك سوريا والعراق - مقلقة بشكل خاص. ومع اعتناق هؤلاء المقاتلين لأفكار متشددة عززتها مجموعات مثل "القاعدة" و"داعش"، فقد روجوا لأفكار مناهضة لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي والأقليات الشيعية، كما قاموا بعمليات تجنيد مكثفة وسط السكان الخليجين الساخطين.

وأدت الحروب الأهلية التي اندلعت في الشرق الأوسط في السنوات التي تلت الربيع العربي إلى خلق فراغات في السلطة ملأتها المجموعات الجهادية على الفور. ومهد تورط دول الخليج في الثورات المضادة لمزيد من الدول الفاشلة، والهجمات الإرهابية الجديدة، ومزيد من انخراط مواطنين خليجيين مع الجماعات الإرهابية.

وتُظهر "قاعدة بيانات الإرهاب العالمية" أن الهجمات الإرهابية بلغت ذروتها بين عامي 2012 و 2016، منذ ظهور "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وحتى ذروة قوتها، وتسببت الهجمات في سقوط مئات الضحايا.

وعلى سبيل المثال، هاجم تنظيم "الدولة الإسلامية" مسجدًا شيعيًا في السعودية عام 2015 مما أسفر عن مقتل 20 شخصًا. وفي نفس العام، هاجم التنظيم مسجدًا شيعيًا في الكويت مما أسفر عن مقتل 27 شخصًا. وساعد انضمام مواطنين من دول الخليج لتنظيم "الدولة الإسلامية" اعلى تنفيذ الهجمات في هذه البلدان.

وفي الواقع، انضم أكثر من ألف مواطن سعودي إلى التنظيم، وربما ساعدوا في تخطيط وتنفيذ هذه الهجمات.

وبالرغم من الاضطرابات الإقليمية التي تحيط بدول مجلس التعاون الخليجي، ظلت معظم الدول الأعضاء محصنة نسبيا من الهجمات الإرهابية. ووقع ما يقرب من 42 ألف هجوم إرهابي في الشرق الأوسط بين عامي 1970 و 2019، وهو ما يمثل 24.9 % من المجموع العالمي.

وحدثت غالبية هذه الهجمات في العراق (56%)، اليمن (9.4%) وتركيا (8.2%)؛ فيما حدث عدد قليل نسبيا داخل حدود دول مجلس التعاون الخليجي. وكانت الفترة بين عامي 2012 و 2016 مؤلمة لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث قتل حوالي 414 مواطنًا ومغتربًا وفرد أمن في هجمات داخل السعودية والكويت والإمارات والبحرين. ومع ذلك، فإن هذه الأرقام هزيلة بالمقارنة مع المناطق المجاورة في هذه الفترة.

ووفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لجامعة ماريلاند، فإن الكويت وعمان وقطر والإمارات لم تتعرض لأي هجمات إرهابية في عام 2020. وتعرضت السعودية لـ 70 هجوم في ذلك العام، لكن هذا الرقم كان أقل من 53 دولة أخرى، أما البحرين التي تعرضت لـ 5 هجمات فقد احتلت المرتبة 65.

ويشير هذا الترتيب إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي أكثر أمانًا من العديد من الدول المتقدمة، بما في ذلك الولايات المتحدة واليونان وإسرائيل وألمانيا وفرنسا وكندا والنمسا.

ويتجلى الأمان النسبي لدول مجلس التعاون الخليجي أكثر عند النظر في البيئة المحيطة، حيث شهدت العراق - التي تقع عاصمتها بغداد على بعد 7 ساعات بالسيارة من مدينة الكويت - ما يقرب من 1000 هجوم إرهابي في عام 2020.

ما سر الأمان الكبير؟

تساعد عدة عوامل في تفسير نجاح دول مجلس التعاون الخليجي في الحد من العمليات الإرهابية داخل حدودها. العامل الأول هو قوة أنظمة المراقبة الحكومية، حيث تحكم كل دولة من دولة دول مجلس التعاون الخليجي عائلة حاكمة ثرية ومركزية تراقب المواطنين وتسحق المعارضة.

وبالتالي فإن دول مجلس التعاون الخليجي قادرة على كشف العناصر المتطرفة وسحقها، كما أنها تظهر سيطرة عالية على حركة الدخول والخروج من وإلى البلاد.

وخنقت ممالك الخليج انتشار المحتوى المتطرف على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال ضوابط قاسية على الإنترنت، وعززت أنظمة الخليج العقوبات على مجرد التعاطف مع الجماعات أو الأيديولوجيات المتطرفة.

كما أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي أيضا تثبط الأفراد عن الانضمام إلى مجموعات عنيفة. 

وتسهم الثروة التي يتمتع بها العديد من مواطني الخليج - وخاصة القطريين والكويتيين والإماراتيين والعديد من السعوديين - في تثبيط التحول للتطرف لأن ذلك يعني التخلي عن الحياة المريحة، فضلا عن مقاومة عموم الناس لأي أيديولوجيات مزعزعة للاستقرار.

وتساعد الامتيازات الاجتماعية الكبيرة مثل دعم التعليم والإسكان والمرافق، وغيرها من الامتيازات، على تخفيف التوترات الاجتماعية والمشاعر المناهضة للحكومة. وعلى سبيل المثال، منع الملك السعودي السابق "عبد الله بن عبدالعزيز" عدم الاستقرار السياسي المحتمل خلال الربيع العربي من خلال زيادة حزم المساعدات الاجتماعية، أما أولئك القلائل نسبيا الذين يجنحون للتطرف رغمًا عن ذلك، فهم إما يقتلون أو يسجنون أو يجبرون على الخضوع لبرامج معالجة التطرف الممولة جيدًا.

كما أن ميل بعض دول الخليج إلى احتضان الأقليات الدينية ساهم في تقويض محفزات الاضطراب، وفي حين أن المجتمعات الشيعية في البحرين والسعودية تواجه اضطهادًا كبيرًا، فإن قطر والإمارات والكويت دمجت السكان الشيعة اقتصاديًا واجتماعيًا، وبالتالي حرمت جماعات مثل "حزب الله" من استغلال مظالم الشيعة لتشكيل خلايا وتأجيج النشاط الإرهابي في المنطقة عبر بعض أفراد المجتمع.

وهكذا، أدى مزيج الثروة والثقافة والحكم بيد من حديد إلى تقويض التهديدات الإرهابية في دول مجلس التعاون الخليجي. وبالرغم من الجدل حول الأبعاد الأخلاقية للسياسات التي انتهجتها دول الخليج، فإن الأمان الذي حققوه جليّ بشكل لا شك فيه.