دول » دول مجلس التعاون

إيران في قلب الديناميكيات المتغيرة بين الصين ودول الخليج

في 2022/12/23

 سينا ازودي/ ريسبونسبال ستيتكرافت - ترجمة الخليج الجديد- 

اختتم الرئيس الصيني "شي جين بينج" مؤخرًا زيارة استغرقت 3 أيام إلى السعودية، حيث التقى بمسؤولين على رأسهم ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان"، الحاكم الفعلي للمملكة. وخلال الرحلة، وقع البلدان "اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة"، مما يشير إلى تعميق العلاقات بين الرياض وبكين التي تسعى جزئيًا إلى تقويض مكانة الولايات المتحدة كقوة مهيمنة على المنطقة.

واختتمت الرحلة ببيان مشترك أعلنت فيه السعودية والصين اتفاقهما على تعزيز التعاون من أجل "الحفاظ على نظام عدم الانتشار النووي" فيما يتعلق بإيران، و"التأكيد على احترام مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول".

وكدليل إضافي على اهتمام الصين المتزايد بشؤون منطقة الخليج العربي، عقدت القمة الأولى بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في الرياض. وشدد البيان المشترك على ضرورة معالجة "أنشطة إيران الإقليمية المزعزعة للاستقرار بما في ذلك الجماعات الإرهابية والطائفية والمنظمات المسلحة غير الشرعية". ودعا البيان كذلك إلى حل سلمي لقضية الجزر الثلاث في الخليج العربي حيث توجد نزاعات إقليمية بين إيران والإمارات.

استياء إيراني

وردا على ذلك، غرد وزير الخارجية الإيراني "حسين أميرعبد اللهيان" قائلا إن "الجزر الثلاث (أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى) أجزاء لا تنفصل عن أرض إيران وتنتمي إلى الوطن الأم إلى الأبد. ويجب أن يعلم الجميع أن إيران لا تتهاون مع أي طرف فيما يتعلق بوحدة وسلامة أراضيها"، لكنه لم يذكر الصين صراحة.

وخلال لقاء لاحق مع السفير الصيني في طهران، أعرب نائب "عبداللهيان" للشؤون الآسيوية عن "استياء إيران الشديد" من الإعلان. كما قال الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" لرئيس الوزراء الصيني "هو تشون هوا"، الذي كان يزور إيران، إن "بعض الملاحظات التي أُدلي بها خلال رحلة الرئيس شي إلى المنطقة تسببت في استياء شعب وحكومة إيران".

في غضون ذلك، أعلن "كمال خرازي"، وزير الخارجية الإيراني السابق ورئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، الذي عينه المرشد الأعلى "على خامنئي"، أن موقف الصين من وحدة أراضي إيران كان خطأ، وتساءل: "هل ستكون الصين راضية إذا أخذنا موقف مماثل تجاه تايوان التي هي جزء من الصين".

من جانبها، ردت وزارة الخارجية الصينية بالقول إن "دول مجلس التعاون الخليجي وإيران جميعهم أصدقاء للصين، ولا تستهدف العلاقات الصينية الخليجية ولا العلاقات الصينية الإيرانية أي طرف ثالث"، وأن بكين تحترم وحدة أراضي إيران.

تاريخ من العلاقة

وتعود العلاقات الودية بين البلدين إلى زمن بلاد فارس قبل الإسلام، عندما أجرت الأسرة البارثية أول اتصال مع ممثلي الصين الهانية، حوالي 140 قبل الميلاد، عندما استقبل الفرس الصينيين بكرم واحترام كبيرين.

لكن خلال الحرب الباردة، كانت العلاقة الثنائية مثيرة للجدل حتى الانقسام الصيني السوفيتي وانفراجة الرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون" مع الصين، عندما بدأ "الشاه" الإيراني ينظر إلى الصينيين على أنهم عامل توازن محتمل يمكن أن يوفر لإيران نفوذاً أمنياً إضافياً أمام الاتحاد السوفيتي.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصينيين كانوا من بين آخر القادة الأجانب الذين زاروا "الشاه" في أغسطس/آب 1978 وحثوه على قمع المتظاهرين. وبعد الثورة الإسلامية مباشرة، أعرب الصينيون عن اهتمامهم بإقامة علاقات ودية مع النظام الجديد، وذهبوا إلى حد الاعتذار عن زيارة رئيس الوزراء "هوا جوفينج" للشاه في العام السابق.

من جانبهم، كان اهتمام قادة طهران الجدد بتنمية علاقات قوية مدفوعًا بالضرورة الاستراتيجية، لا سيما اهتمامهم بشراء الأسلحة للدفاع عن البلاد خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988).

وكان العنصر الأكثر أهمية في مشتريات الأسلحة الإيرانية خلال هذه الفترة هو شراء ما قيمته مليار دولار من صواريخ "سيلك ورم" المضادة للسفن، والتي أعطت إيران القدرة على الرد على هجمات العراق على ناقلات النفط.

ولعب ذلك في النهاية دورًا مهمًا في تطوير صناعة دفاعية محلية في إيران. ومع ذلك، باعت بكين أسلحة بقيمة مليارات الدولارات للعراق أيضًا، وبالتالي لعبت مع طرفي الصراع.

زواج مصلحة

على المستوى الدولي أيضًا، استخدمت الصين إيران لانتزاع تنازلات من الولايات المتحدة. على سبيل المثال، عندما وافق الرئيس السابق "جورج بوش" على بيع 150 طائرة من طراز "إف16" إلى تايوان في عام 1992، استخدمت بكين تعاونها النووي والصاروخي مع طهران للضغط على واشنطن لإلغاء الصفقة. ولم توافق الصين على تعليق تعاونها بشأن هاتين المسألتين الحساستين إلا بعد "الصفقة الكبرى" مع إدارة "بيل كلينتون" بشأن حقوق الإنسان وتايوان.

وبينما دعمت بكين الاتفاق النووي الإيراني وأدانت رسميًا انسحاب إدارة "دونالد ترامب" من الصفقة وإعادة فرضها للعقوبات الأمريكية على إيران، تراجعت الواردات الصينية من إيران من 1.2 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول 2018 إلى 428 مليون دولار في فبراير/شباط 2019.

علاوة على ذلك، أفادت التقارير أن السفن الصينية تجنبت الموانئ الإيرانية، في حين منعت بكين دخول سفن طهران إلى موانئها؛ نتيجة قلقها من تهديد العقوبات الأمريكية. وبالرغم من ذلك، يمكن القول إن الصين قدمت شريان حياة للدولة الفارسية من خلال شراء النفط الإيراني، وإن كان بسعر مخفض وبكميات أقل.

ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، اضطرت إيران إلى التنافس على صادرات النفط الروسية المخفضة بشدة، مما يؤكد الطبيعة الانتهازية لعلاقات بكين مع طهران. وبالرغم من التصريحات المتبادلة بين إيران والصين والتأكيد على "علاقاتهما الودية"، تبدو العلاقات بينهما مثل زواج مصلحة وليس شراكة استراتيجية.

وبينما تسعى بكين إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، يبدو أنها لا تهتم كثيرًا بالتورط في صراعات طهران الإقليمية مع دول مثل إسرائيل والسعودية، والتي تفضل الحفاظ على علاقات ودية معها.

علاوة على ذلك، فمع علاقة إيران العدائية مع الولايات المتحدة من المرجح أن تحافظ الصين على استراتيجية التحوط التقليدية، والتي تتضمن التعاون مع طهران عندما يكون ذلك مفيدا بشكل واضح، وتقديم تنازلات كبيرة لخصومها عندما يبدو ذلك ضروريًا.

باختصار، لا تزال إيران وحيدة ومحرومة من أي حليف يمكن الاعتماد عليه.