سلمى حداد - الخليج أونلاين-
بعد وقوع الزلزال المدمر في تركيا وسوريا، الاثنين الماضي، تسلل الرعب إلى سكان بقية دول المنطقة من ارتدادات الزلزال أو وقوع كارثة مشابهة خاصة في البلدان الواقعة على حدود صدع البحر الميت ومنها بعض دول الخليج.
ورغم التقليل من جدية هذه المخاطر في الوقت الحالي فإن التوقعات والدراسات الجيولوجية تأخذ اتجاهاً آخر على المدى المتوسط والبعيد بتوقعاتها لوقوع زلازل مدمرة في المنطقة الواقعة على صدع البحر الميت.
الصفيحة العربية
ولعل ما تبنى عليه هذه التوقعات هو أن منطقة الخليج العربي تقع ضمن ما يسمى بالصفيحة العربية، وهي إحدى الصفائح المكوِّنة للقشرة الأرضية، ويحدها من الغرب قاع البحر الأحمر، ومن الجنوب قاع خليج عدن.
وتمثل جبال زاغروس ومكران في إيران، وجبال طوروس في تركيا، الحدود الشرقية والشمالية لهذه الصفيحة.
ومن الشمال الغربي يحد الصفيحة العربية حد تماسي يسمى صدع البحر الميت؛ الممتد من الطرف الشمالي للبحر الأحمر حتى جبال طوروس في تركيا مروراً بالبحر الميت.
أما من الجنوب الشرقي فهناك حد تماسي آخر يمتد من الطرف الشرقي لخليج عدن حتى الطرف الشرقي لجبال مكران، ويطلق عليه اسم فالق أوينز.
وبسبب حركة الصهارة السائلة في الدثار تحت القشرة الأرضية تتحرك الصفيحة العربية باتجاه الشمال الشرقي؛ ما يؤدي إلى اتساع مساحة البحر الأحمر بمعدل 15 ملليمتراً سنوياً، ولهذا يسمى هذا الحد للصفيحة العربية تباعدياً، كما هو الحد الواقع في عمق خليج عدن.
وفي المقابل يزداد ضغط هذه الصفيحة على الصفيحتين الهندية والتركية، وتحديداً حين تلتقي حدودها بحدودهما في جبال مكران وزاغروس الإيرانية وجبال طوروس التركية، ولذا تسمى هذه الحدود بالتقاربية.
وعلى نحو عام يمكن القول إن الزلازل الحركية تتوزع في غالبيتها على حدود الصفيحة العربية، وخاصة على طول خليج العقبة–البحر الميت، ومنتصف البحر الأحمر وخليج عدن، والحدود الفاصلة بين الصفيحتين العربية والإيرانية.
خطر الزلازل بالخليج
وفقاً لقائمة المناطق الأكثر تعرضاً لهزات أرضية وتأثراً بالمناطق الزلزالية النشطة، تأتي سلطنة عُمان أكثر دول الخليج عرضة للهزات الأرضية، وقطر هي الأقل عرضة لهذه الهزات، بحسب المركز العربي للدراسات والبحوث.
وتوصف مخاطر الزلازل في عُمان بأنها معتدلة؛ ما يعني أن هناك فرصة بنسبة 10% لحدوث زلزال يحتمل أن يتسبب في أضرار خلال 50 عاماً المقبلة، وتأتي الإمارات ثانياً، تليها الكويت ثم المملكة العربية السعودية، وفق تصنيف أكثر دول الخليج تعرضاً للهزات الأرضية.
وتأتي البحرين بالمرتبة الخامسة خليجياً في الأكثر عرضة لحدوث زلازل؛ وصنف خطر حدوث زلزال فيها بالمنخفض للغاية؛ ما يعني أن هناك فرصة أقل من 2% فقط لحدوث زلزال يحتمل أن يتسبب في أضرار خلال 50 عاماً المقبلة.
وفي المرتبة السادسة والأخيرة خليجياً تحل دولة قطر، ويصنف خطر حدوث زلزال فيها بالمنخفض للغاية أو شبه المنعدم؛ ما يعني أن هناك فرصة أقل من 2% لحدوث زلزال يحتمل أن يتسبب في أضرار خلال 50 عاماً المقبلة.
نشاط زلزالي متسارع
وفي يناير 2022، أصدر مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث دراسة شاملة بشأن النشاط الزلزالي بالمنطقة العربية بما يشمل كل دول الخليج.
وقالت الدراسة: إن "النشاط الزلزالي خطره قد يتسارع في المنطقة العربية، وخاصة في الشرق الأوسط، خلال الأربعين عاماً المقبلة، وقد يخلّف تداعيات مقلقة".
وأضافت: "بلدان عربية كثيرة عليها ألا تتساهل في تطبيق شروط صارمة لمعايير سلامة البنى التحتية والمباني، خاصة العمودية، والأخذ بعين الاعتبار مخاطر وكوراث طبيعية كالأنشطة الزلزالية والهزات الأرضية".
وقد رصد قسم توقعات المخاطر في مركز الخليج تطوراً مقلقاً للنشاط الزلزالي في منطقة الشرق الأوسط تحديداً، وذلك خلال العقد الأخير، وهو ما أنتج زيادة تداعيات سجّلتها دول كثيرة، خاصة على مستوى شعور السكان بزيادة وتيرة الهزّات الأرضية، وفق الدراسة.
وذكرت أن ما يقرب من 30 مليون شخص من سكان الشرق الأوسط، خاصة الفلسطينيين والأردنيين والسوريين واليمنيين وجزءاً من الخليجيين، وما يعادل خمس سكان العرب في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن ضمنهم الجزائريون والتونسيون والمغربيون، معرضون لمخاطر زيادة احتمالات حدوث زلزال مدمر في المستقبل.
واعتمد رصد المركز الخليجي على تحليل البيانات المتوفرة على منصة نماذج المخاطر التكتونية الخاصة بالمنطقة.
وأوضحت الدراسة أنه من بين 398 مليون شخص يعيشون في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، يسكن 56% منهم في المدن.
ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 68% في 2025، وسيكون 18% من السكان معرضين لمخاطر الزلازل.
وتغطي الدراسة البلدان التالية: البحرين، والعراق، والأردن، والكويت، ولبنان، وعمان، وقطر، والمملكة العربية السعودية، وسوريا، والإمارات العربية المتحدة، واليمن.
توقعات متباينة
وفي رصد لإمكانية تعرض دول الخليج لزلزال خلال الفترة القريبة، تباينت آراء خبراء هندسة الزلازل والجيولوجيا، بين من أضعف هذا الاحتمال أو استبعده وآخرون رفعوا احتمالات حدوث الكارثة.
المتخصص في هندسة الزلازل والحد من مخاطر الكوارث جلال الدبيك، قال في حديث سابق لـ"الخليج أونلاين" إن دول الخليج تقع على حزام زاغروس الإيراني والصفيحة العربية، وتلك المناطق يوجد بها صدع أرضي يتسبب بحدوث هزات أرضية بين حين وآخر على طول الخليج وإيران.
وتصنف تلك المنطقة، وفق حديث "الدبيك"، على أنها منطقة زلازل، ولكن تأثيرها على إيران أكثر منه على دول الخليج، حسب تاريخ الزلازل بها.
من جانبه، توقع مشرف مركز الدراسات الزلزالية في جامعة الملك سعود، عبد الله العمري، أن تشهد منطقة شرق الخليج العربي وبالأخص الجنوب غربي إيران زلزالاً تصل قوته إلى 7.5 درجة على مقياس ريختر.
وأوضح العمري، في تصريحات صحفية سابقة له، إلى أن تبعات ذلك الزلزال من الهزات الأرضية، ستلحق الضرر بعدد من المباني والأبراج في منطقة الخليج وتحديداً في المنطقة الشرقية من السعودية.
وأشار إلى أن التأثر الذي قد تتأثره كل دولة خليجية على حدة، تبدو متفاوتة، حسب البعد والمسافة عن المكان الذي تعرض لزلزال في إيران.
وفيما يتعلق بإمكانية تأثير زلزال تركيا وسوريا على منطقة الخليج، قال العمري، بمقابلة مع قناة "العربية" في 7 فبراير الجاري، إن "الصدوع بالقشرة الأرضية نشطة حالياً وهناك ما يسمى بصدع البحر الميت وهو يمتد من مدينة نيوم السعودية جنوب الخليج على مسافة 1000 كيلومتر وصولاً إلى إيران".
وأضاف أن "هذه المنطقة إذا وقع زلزال تتأثر فيه، وبالتالي أتوقع أن يكون هناك توابع زلزالية لما حدث في تركيا في منطقة خليج العقبة والبحر الميت ولكنها ستكون أقل قوة بحيث لا تتجاوز الـ3.5 درجة".
وفي النقطة ذاتها، أفاد أستاذ علم الزلازل في الجامعة الأردنية البروفيسور نجيب أبو كركي، بتصريحات لصحيفة "الغد" الأردنية، في 6 فبراير الجاري: إن "احتمالية تأثر صدع البحر الميت بزلزال تركيا قليلة".
وأوضح أبو كركي أن "إمكانية التأثير المباشر على الصدع الذي يمتد من تركيا إلى خليج العقبة ضعيفة؛ نظراً لوجود أجزاء صدوع سورية ولبنانية، وكل واحد منها مستقل عن الآخر إلى حد ما".
واستدرك: "لكن بالرغم من ذلك، لا أحد يمكنه التنبؤ بالزلازل، وتعرض المنطقة لزلازل أقل قوة أمر غير مستبعد".
من جانبه، اعتبر الدكتور رضا عبد الفتاح، خبير الزلازل بالهيئة العامة للطيران المدني القطرية، أنه من الصعوبة توقع توقيت حدوث الزلزال بالرغم من تفوق العلماء في الوصول إلى تحديد مكانه.
وطمأن الدكتور رضا عبد الفتاح سكان قطر بأن الخطر الزلزالي بعيد عن الدولة على اعتبار عدم وجودها في خط زلزالي.
وأشار إلى الدور الذي تلعبه الشبكة القطرية للمعلومات الزلزالية، التي أُسست في العام 2014 لرصد حركة الزلازل، بالإضافة إلى تعاونها مع الشبكات في دول التعاون الخليجي والشبكات الدولية.