محمد أبو رزق - الخليج أونلاين-
تربط دول الخليج بالمملكة المتحدة علاقات استراتيجية وقوية في مجالات مختلفة، حيث تحرص قيادات دول مجلس التعاون وبريطانيا على تعزيزها وتطويرها بشكل مستمر.
واتفقت دول خليجية مع المملكة المتحدة على إطلاق حوارات استراتيجية مشتركة؛ من أجل تقوية العلاقات، وتوقيع مزيد من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية، وتطويرها على المدى البعيد.
وككيان مجتمع، دشن مجلس التعاون الخليجي والمملكة المتحدة، في لندن عام 2017، الحوار الاستراتيجي الإقليمي، الذي عقد بمشاركة عدد من كبار المسؤولين في الأمانة العامة للمجلس، والشرطة الخليجية، ووزارات الخارجية والدفاع والداخلية.
الكويت وبريطانيا
في 21 مارس 2023، انطلقت في العاصمة البريطانية لندن أولى جلسات الحوار الاستراتيجي الكويتي البريطاني، برئاسة وزيري خارجية البلدين الشيخ سالم العبد الله وجيمس كليفرلي.
ويهدف الحوار الاستراتيجي لتعميق العلاقات التي تأسست سنة 1899، وتعزيز التعاون لمواجهة التحديات الإقليمية والعالمية بشكل مشترك، بحسب بيان لوزارة الخارجية الكويتية.
وناقش الحوار مستجدات المنطقة والعالم، وسبل تعزيز التعاون في مجال العمل الدولي المتعدد الأطراف، كما تناولت الجلسة تعزيز التعاون المشترك في عدد من القضايا الهامة؛ مثل القضية الفلسطينية، ومسار الدعم الإنساني في أوكرانيا، وغيرها من القضايا.
وأثنى وزير الخارجية البريطاني خلال الجولة على حكمة السياسة الكويتية، وقال إن العلاقات بين البلدين تزداد متانة رغم ما يعيشه العالم من تقلبات.
وكان السفير الكويتي لدى المملكة المتحدة وإيرلندا الشمالية بدر العوضي، كشف يوم 26 فبراير الماضي، أن اجتماعات الحوار الاستراتيجي بين بريطانيا والكويت ستعقد بلندن، في مارس.
وأكد العوضي، في تصريح له، أن انطلاق الحوار الاستراتيجي سيضاف إلى قوة الروابط بين البلدين.
وقال: إن "العلاقات بين المملكة المتحدة والكويت وطيدة، وأخذت تتعزز على مدى 124 عاماً مضت منذ تأسيسها في عام 1899؛ إذ بنيت على ركائز عديدة منها الأمن والدفاع والاستثمار والثقافة والتعليم والسياحة".
وسبق حديث العوضي توقيع الكويت وبريطانيا، في 14 فبراير 2023، مذكرة تفاهم لإنشاء حوار استراتيجي بين البلدين، إضافة إلى اتفاقية حول استرداد المبالغ المالية المستردة من قبل قوى الشرطة المتربولية ذات العلاقة بمكتب الصحة الكويتي في لندن.
ويتمتع البلدان بعلاقة متميزة منذ سنوات طويلة، ويتمثل ذلك في التعاون بينهما بمجالات عديدة، سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية وسياحية.
ويعتبر التعاون في مجال الدفاع هو حجر أساس للعلاقة الكويتية البريطانية، خاصة بعد الدور الذي أدته بريطانيا في تحرير الكويت.
الحوار القطري البريطاني
شهد يوم الثلاثاء 21 فبراير الماضي، في العاصمة البريطانية لندن، انطلاق الجلسة الافتتاحية للحوار الاستراتيجي الأول بين دولة قطر والمملكة المتحدة، بحضور وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ونظيره البريطاني، جيمس كليفرلي.
وخلال انطلاق الحوار الاستراتيجي بين الدولتين، أكد الوزيران الشراكة العميقة والوثيقة بين قطر والمملكة، والتي تمكنهما من مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية بشكل مشترك.
والتزم الوزيران بزيادة وتيرة التعاون في مجموعة من الأولويات المشتركة؛ بدءاً من زيادة الدعم من أجل خفض التصعيد، والعمل على تعزيز السلام في الشرق الأوسط، وتوجيه الإغاثة بعد الزلازل إلى كل من تركيا وسوريا، إضافة إلى أوكرانيا والقرن الأفريقي.
واتفق البلدان -بوصفهما اقتصادين رائدين- على العمل بشكل أوثق على الدعم الثابت لخفض التصعيد وتحقيق السلام، وكذلك التعاون في مواجهة التحديات العالمية.
وإلى جانب الحوار الاستراتيجي، سبق أن وقعت المملكة المتحدة وقطر، في مايو الماضي، اتفاقية شراكة استثمارية استراتيجية تضخ الدوحة بموجبها استثمارات في الاقتصاد البريطاني بقيمة 12.5 مليار دولار، خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
وبلغت قيمة التجارة بين البلدين 4.8 مليارات جنيه إسترليني (6 مليارات دولار)، العام الماضي، وتقدر قيمة الاستثمار القطري في الاقتصاد البريطاني بالفعل بأكثر من 40 مليار جنيه إسترليني (50.12 مليار دولار)، مما يدعم الوظائف والنمو في جميع أنحاء البلاد.
الإمارات وبريطانيا
دشنت الإمارات مع بريطانيا الحوار الاستراتيجي الأول بينهما، خلال زيارة ولي عهد أبوظبي في حينها، الشيخ محمد بن زايد (الرئيس حالياً)، إلى لندن في سبتمبر 2021، وعقده لقاء مع رئيس وزراء بريطانيا السابق، بوريس جونسون.
وخلال إطلاق الحوار الاستراتيجي بين البلدين، جدد بن زايد وجونسون التزامهما بتعميق شراكتهما في السياسة الخارجية والقضايا الإقليمية والأمنية والدفاعية.
واتفق الجانبان على عقد مناقشات ودفع التعاون قدماً في مجالات التعليم والثقافة، وتغير المناخ والتعاون متعدد الأطراف، إضافة إلى القضايا الأمنية.
وتشهد العلاقات الإماراتية - البريطانية تطوراً في مختلف المجالات العسكرية والاقتصادية والتعليمية والسياحية والثقافية، إلى جانب العلاقات السياسية.
وعلى الصعيد التجاري والاقتصادي ارتبطت الإمارات بعلاقات تاريخية وثيقة مع بريطانيا من خلال الاتفاقيات الثنائية، واللجان المختصة التي شكلت عبر التاريخ في مختلف المجالات، وهو ما ساهم في نمو حجم التبادل التجاري بينهما إلى مليارات الدولارات.
شراكة سعودية بريطانية
السعودية شهدت إطلاق مجلس الشراكة الاستراتيجية السنوي ليكون آلية رئيسية لحوار منتظم لتعزيز كل جوانب العلاقة الثنائية، ومن ضمن ذلك المجالات الاقتصادية، والدفاع والأمن، والمساعدات الإنسانيّة، والمواضيع الإقليمية والدولية.
وأطلق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خلال زيارته إلى بريطانيا، في مارس 2018، مجلس الشراكة الاستراتيجية بين بلاده والمملكة المتحدة، حيث تم الاتفاق على خطة تنفيذ لتحقيق هذه الشراكة الاستراتيجية ومتابعتها.
وتحظى بريطانيا بعلاقات تاريخية كبيرة مع السعودية، وهي واحدة من كبرى الدول التي تحظى باستثمارات وتجارة بينية معها.
وتُعد المملكة أكبر مشترٍ للسلاح البريطاني، حيث فاق حجم الصفقات العسكرية، بين عامي 2015 و2017، حاجز الـ15 مليار دولار، كما أبرمت صفقات بقيمة ملياري دولار، خلال العام 2021، بحسب صحيفة "الغارديان"، وشملت معظم الصفقات أسلحة وذخائر وصواريخ ومعدات عسكرية.
تعاون واسع
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي أنور القاسم، أن المملكة المتحدة ترغب بتنويع شركاتها مع دول الخليج من خلال الحوارات الاستراتيجية في مجالات أساسية، ومن ضمنها قطاعات التكنولوجيا النظيفة الناشئة، والبنية التحتية الرقمية، والقطاع الإلكتروني، إلى جانب مواصلة التعاون الوثيق حول الأمن الإقليمي.
وقال القاسم في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "إن بريطانيا تنظر إلى الحوارات الاستراتيجية مع دول الخليج على أنها صمام استقرار وازدهار لكل الأطراف، كما تعزز مواجهة أية تهديدات لأمن هذه الدول بناء على اتفاقات دفاعية مشتركة بين لندن والعواصم الخليجية".
ويضيف القاسم: "تعول لندن على قدرة بعض دول الخليج على المساهمة في حل النزاعات الإقليمية الدولية، على غرار التعاون مع قطر لحل الأزمة الأفغانية وغيرها من الأزمات التي يشهدها العالم".
وأوضح أن المملكة المتحدة تعول أيضاً على دول الخليج للتنسيق لمعالجة أي تهديدات، وتشمل وجود بريطانيا في جميع الدول الست، والتنسيق من خلال هيئة دفاع بريطانية إقليمية.
ويشير إلى أن الجانبين يستفيدون من مكافحة التطرف وبناء قدرات مشتركة لصناعة الأمن السيبراني مع دول مجلس التعاون ومكافحة الجريمة، والتكيف مع التحديات الاقتصادية وتوفير الحوكمة، إضافة إلى دعم جهود دول مجلس التعاون في تنويع اقتصاداتها".
ولفت إلى أن لندن تنظر لدول الخليج على أنها "مصدر للاستقرار في عالم متغير، وقد فرضت الدول الست احترامها على كل دول الغرب من خلال المحافظة على إمدادات دول العالم بالطاقة، وعدم الانجرار إلى الصراعات الدولية، والمحافظة على تسجيل نمو اقتصادي، والمساهمة باستثمارات ضخمة في المملكة المتحدة ومعظم دول الغرب".
وأوضح أن المملكة المتحدة التي خرجت من الاتحاد الأوروبي ترغب بعقد شراكات مستقبلية مع السعودية وقطر والإمارات والكويت ترتكز على الأولويات المشتركة، كالتجارة والاستثمار والأمن.
ولم يسجل انطلاق حوارات استراتيجية بين سلطنة عُمان أو البحرين مع المملكة المتحدة كباقي دول الخليج، رغم متانة العلاقات بينهم، ولكن تجرى لقاءات مستمرة.
وتعد بريطانيا من أكثر الدول استثماراً في السلطنة، حيث بلغت الاستثمارات البريطانية المباشرة ما يقرب من نصف الاستثمار الأجنبي بالسلطنة، أي نحو 15.65 مليار ريال (40.6 مليار دولار)، وفقاً لبيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات العُماني العام الماضي.
كما يبلغ إجمالي التبادل التجاري بين عُمان وبريطانيا نحو 2.8 مليار جنيه إسترليني (3.7 مليارات دولار)، بحسب إحصاءات عُمانية.
وتتخذ الشراكة والتعاون العسكري بين البحرين والمملكة المتحدة أشكالاً متنوعة من التدريب والتسليح وتبادل الخبرات والمعلومات، خاصة مع احتضان البحرين لأول قاعدة بحرية دائمة لبريطانيا في المنطقة.