كامل جميل - الخليج أونلاين-
يبدو أن التقارب بين الخليجيين والفلسطينيين وسعي حكومات خليجية إلى الدفاع المستمر عن القضية الفلسطينية، في المحافل الدولية، ودأبها على كشف الأسلوب الدموي الذي تعتمده "إسرائيل" لمواجهة أصحاب الأرض، كان له أثر كبيراً ما دعا "تل أبيب" لمواجهته عن طريق الإعلام الرقمي.
ذلك ما يتوضح من خلال ما كشفت عنه منصة التحقيقات العربية "إيكاد" حول تنفيذ لجان إلكترونية إسرائيلية حملة ممنهجة ومكثفة بواسطة حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لتصوير الفلسطينيين على أنهم معادون للعرب، خاصة الخليجيين، وزرع الفتنة بين الجانبين.
قالت المنصة في تحقيق نشرت تفاصيله في حسابها على "تويتر"، في 20 مارس 2023: إن "حسابات تزعم أنها فلسطينية، تهاجم الخليجيين بشدة خاصة السعوديين".
وأضافت أن "فريق عمل لاحظ أن تلك الحسابات المرتبطة بلجان إسرائيلية تعمل بطريقة منظمة في نشر مقاطع وصور وتغريدات، تعزز رواية التطبيع وتبررها، من خلال تشويه سمعة الفلسطينيين ونظرتهم للخليج والعالم العربي".
وأشارت إلى أن من أبرز تلك الحسابات كان (الفلسطينيين no context) وحساب (دمي فلسطيني)، اللذين ينشران محتوى متشابه المضمون، ويعكس أن الفلسطينيين كارهون للخليجيين ومنكرون لمساعدتهم.
وأوضحت المنصة أن الحسابين تبين ارتباطهما بحساب الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، وحسابات الأكاديمي الإسرائيلي د.مئير مصري، ومقدم البرامج السعودي لؤي الشريف، والكاتب السوري عبد الجليل السعيد، المقربين من الحكومة الإماراتية، حسب التحقيق.
حسابات وهمية
تعمل هذه الحسابات على تصوير الفلسطينيين بوصفهم معادين للسعودية وموالين لإيران.
وتعمل على تأجيج الخلاف بين القطريين والفلسطينيين، بنشر فيديو لخطيب فلسطيني يهاجم قطر خلال فترة المونديال، وفق التحقيق نفسه.
وضمت تلك الشبكة نحو 19 صفحة "فيسبوك"، و66 ملفاً شخصياً، و6 مجموعات، و42 حساباً على "إنستغرام".
دعم سياسي
على مدار تاريخها كانت بلدان الخليج صاحبة مواقف سياسية داعمة لفلسطين والقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وفي المواقف الخاصة التي تتخذها هذه البلدان.
فالسعودية لطالما اتخذت مواقف مساندة للشعب الفلسطيني، منذ عهد مؤسسها الملك عبد العزيز.
وافتتحت المملكة قنصلية لها في القدس عام 1943 بهدف تسهيل التواصل مع الشعب الفلسطيني ودعم قضيته، كما استثمرت علاقاتها الدولية لكسب التأييد لهذه القضية.
ودولة قطر تؤكد باستمرار موقفها الثابت حول أهمية التوصل إلى حل عادل وشامل ومستدام للقضية الفلسطينية على أساس المرجعيات المتفق عليها وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين.
وتواصل الكويت بدورها موقفها الرافض لكل أشكال التطبيع مع "إسرائيل"، وأسست، عام 1957، مكتب مقاطعة "إسرائيل"، وأصدرت قرار حظر حيازة وتداول السلع الإسرائيلية بكل أنواعها.
سلطنة عُمان تؤكد باستمرار دعمها الثابت للتطلعات والمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، وحقه الإنساني في تقرير المصير، وإقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
من جانبهما فإن دولتي الإمارات والبحرين، وعلى الرغم من تطبيع علاقاتهما مع "إسرائيل"، في أغسطس 2020، فهما تتخذان مواقف قوية في دعم الشعب الفلسطيني.
وإلى جانب الدعم السياسي قدّمت دول الخليج مساعدات بمليارات الدولارات، للفلسطينيين، ودشنت حملات مختلفة تقدم مساعدات غذائية ومالية وعلاجية وإنسانية.
وما زالت دول الخليج تقدم للفلسطينيين الدعم الإنساني بإنشاء مدارس ومستشفيات ومجمعات سكنية، وهو ما برزت به بشكل أكبر دولة قطر في قطاع غزة.
نشاط إلكتروني
ليس جديداً القول إن الإسرائيليين متفوقون جداً في مجالات العلوم التقنية والاختراق الإلكتروني، وكانت صحيفة "الغارديان" البريطانية، ذكرت في فبراير الماضي، أن "تل أبيب" تدخلت في التلاعب بأكثر من 30 عملية انتخاب بالعالم.
يُظهر التحقيق الذي نشرته الغارديان بث دولة الاحتلال معلومات مضللة من قبل "فريق خورخي" الذي يدير خدمة خاصة للتدخل سراً في الانتخابات دون أي أثر، بالتعاون مع عملاء وشركات أخرى.
ووصف الفريق بأنهم "خريجو جهات حكومية من ذوي الخبرة في التمويل ووسائل التواصل الاجتماعي والحملات والحرب النفسية".
و"إسرائيل" متطورة جداً في التجسس الرقمي، وتبرز شركة "NSO" على رأس هرم شركات التجسس الرقمي في "إسرائيل".
وتعمل الشركة على صنع برمجيات اختراق للأجهزة الذكية من حواسيب وهواتف.
ومن أبرز برامج التجسس الشهيرة التي طورتها الشركة الإسرائيلية، "بيغاسوس"، الذي يستخدم لاختراق هواتف صحفيين ومسؤولين وناشطين بأنحاء متفرقة من العالم.
فرق تسد
الخبير في الشأن الإسرائيلي محمد وتد، قال لـ"الخليج أونلاين" إن عمل الحسابات الإسرائيلية في التخفي بهيئة فلسطينيين والتجاوز على الخليجيين؛ يأتي في سياق سياسة فرق تسد التي تعتمدها "تل أبيب" تجاه الدول العربية والإسلامية وأيضاً الشعب الفلسطيني.
يرى وتد أن هذه الحسابات تهدف إلى إضعاف الموقف العربي وتفكيكه في حالة اتجه للوحدة والتوافق.
واعتبر أن نشر تغريدات تحريضية تارة وترويجية تارة أخرى، أشبه بسلاح موجه صوب العرب يوظف ويستخدم حساب مصالح "إسرائيل".
ويعتقد وتد أن لهذه الحسابات "تأثيراً وتداعيات على العلاقات بين دول الخليج والفلسطينيين، خصوصاً على المستوى الرسمي"، وهو ما يؤدي بالنتيجة إلى "انشغال العرب عن إسرائيل"، بحسب قوله.
وتد يرى أن أهمية هذه الحسابات ومنشوراتها كبيرة لـ "إسرائيل"؛ مبيناً أنها تهدف لإضعاف الدعم والتضامن العربي والخليجي لفلسطين التي تشهد حالة غير مسبوقة من التصعيد الأمني وبوادر انتفاضة ثالثة".
يتحدث وتد عن عوامل داخلية وخارجية تدفع "إسرائيل" إلى هذا الفعل، مبيناً أن العوامل الداخلية قد تتعلق بالاحتجاجات التي تشهدها "إسرائيل" ضد التشريعات لإصلاح جهاز القضاء الذي يظهر حجم الصراعات الداخلية التي لا تريد "تل أبيب" أن يستغلها الأعداء ويتحالفون ضدها.
وفيما يتعلق بالعوامل الخارجية، يقول وتد "هي إعادة التحالفات والعلاقات بين جميع الدول العربية والإسلامية، وطي الخلافات وصفحة الماضي ما يشير إلى تشكل تحالف جديدة في الشرق الأوسط لن تكون "إسرائيل" هي قائدته؛ حيث كان تراهن على حلف تقوده ضد إيران".
وتابع: "أحد العوامل الخارجية هو تقارب دول الخليج أكثر وأكثر من الفلسطينيين ودعم وإسناد القضية الفلسطينية، ورفضهم لسياسات حكومة بنيامين نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني، حيث عادت القضية الفلسطينية لتكون محورية وأساسية في الدبلوماسية العربية والخليجية تجاه القضية الفلسطينية".