متابعات-
حذرت السعودية ودول الخليج الأخرى، مصر، من أن أي خطة إنقاذ مالية من قبلها "ستعتمد على خفض القاهرة لقيمة عملتها وتعيين مسؤولين جدد لإدارة اقتصادها "بعد سنوات من المساعدة السهلة".
هكذا ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، تعليقا على فشل زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأخيرة إلى الرياض، في الحصول على مساعدات من دول الخليج، التي دأبت على ذلك منذ عدة أعوام.
وقالت الصحيفة إن الزيارة لم تثمر عن أي تقدم يذكر، لا سيما أن القاهرة لم تستجب بعد لشروط الخليجيين.
خسر الجنيه المصري، منذ مارس/آذار من العام الماضي، قرابة نصف قيمته، حيث لا يزال الاقتصاد المتأرجح جراء تراجع السياحة، خلال وبعد جائحة كورونا، يعاني من صعوبات كبيرة، بينما يواجه المواطن غلاء الأسعار، الذي تسبب فيه الغزو الروسي لأوكرانيا.
وارتفع معدل التضخم في مصر إلى أكثر من 40%، بينما يعد الجنيه المحلي ضمن أسوأ العملات أداء على مستوى العالم هذا العام، مما دفع ملايين المصريين إلى براثن الفقر.
ومنذ وصول السيسي إلى السلطة في عام 2013، قدمت دول الخليج عشرات المليارات من الدولارات لمصر في شكل مساعدات وودائع مباشرة لدعم حليفٍ، يُعد أيضا شريكا أمنيا رئيسيا في المنطقة.
وفي حين كان السيسي يأمل في الحصول على دعم من الرياض خلال الرحلة التي قادته إلى هناك الأسبوع الماضي، إلا أن زيارته لم تسفر عن أي وعود تمويل سعودية فورية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين مصريين وخليجيين، قولهم إن "جيران مصر الأثرياء يريدون عوائد أفضل لأموالهم الآن، حيث يركزون على إعادة تشكيل اقتصاداتهم المعتمدة على الطاقة"، في إشارة إلى تغيّر فلسفة استثمار الأموال في أغلب الدول الخليجية لا سيما السعودية والإمارات.
وقالت مصادر الصحيفة إن خفض قيمة الجنيه المصري مرة أخرى تأتي على رأس قائمة مطالبهم من القاهرة، مما قد يجعل الاستثمارات الخليجية في مصر أكثر ربحية.
كما طلبت دول الخليج من الجيش المصري تقليص مشاركته في الاقتصاد لصالح دور أكبر للقطاع الخاص، وهي خطوة من شأنها أن تسمح للشركات الخليجية بالاستحواذ على حصص في قطاعات النمو المصرية.
وقال مسؤولون إن دول الخليج تريد أيضا قيادة أكثر فاعلية لإدارة شؤونها المالية، وسط سنوات من المخاوف بشأن سوء الإدارة والفساد في مصر.
ورغم ذلك، لم تفعل مصر حتى الآن سوى القليل لتلبية مطالب دول الخليج، إلا أن محللين يتوقعون أن تسمح القاهرة قريبا للعملة بالانخفاض بحدة، مسجلة بذلك رابع تخفيض منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
وتمكن الاقتصاد المصري من الصمود بفضل صندوق النقد الدولي، الذي وافق العام الماضي على إقراض القاهرة 3 مليارات دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، لكن خبراء الاقتصاد يقولون إن خطة الإنقاذ هذه، ليست كافية لسد فجوة التمويل التي ستواجهها مصر في السنوات المقبلة حيث تسعى إلى سداد ديون تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
وقال صندوق النقد الدولي إنه يتوقع أن تجلب مصر تمويلا إضافيا بقيمة 14 مليار دولار من الخليج ودول أخرى في إطار زمني مدته أربع سنوات.
وللمساعدة في تغطية الاحتياجات التمويلية الفورية للبلاد، كلف القادة المصريون صندوق الثروة السيادية بجمع 2.5 مليار دولار بحلول يونيو/حزيران.
وستأتي بعض الأموال من حملة الخصخصة التي أطلقتها السلطات المصرية مؤخرًا لبيع حصص في 32 شركة مملوكة للدولة، على الرغم من أنه من المتوقع أن يستمر هذا البرنامج حتى أوائل عام 2024.
وتوقفت المفاوضات مع صناديق الثروة السيادية والشركات في الخليج بشأن أصول حكومية مختلفة، وفقًا لأشخاص مطلعين على المناقشات، ولم تؤت أي من تلك الصفقات ثمارها.
ويرى أغلب المستثمرين أن قيمة الجنيه المصري مبالغٌ فيها، على الرغم من انخفاضها بأكثر من 40 ٪ مقابل الدولار الأميركي خلال العام الماضي.
وقال متابعون إن دول الخليج تتفق أيضا مع صندوق النقد الدولي على أن مصر بحاجة إلى كبح جماح الإنفاق المالي وتقليص دور جيشها في الاقتصاد.
وفي العقد الماضي، تم تكليف القوات المسلحة بمسؤولية مئات من مشاريع البنية التحتية وتم توسيعها لتشمل قطاعات تتراوح من الأغذية والمشروبات إلى الأسمنت.
يقول أيمن سليمان الرئيس التنفيذي للصندوق السيادي المصري، إن الصندوق يساعد في إدارة بيع 14 شركة من أصل 32 شركة مملوكة للدولة ويهدف إلى الإعلان عن صفقتين قريبًا، مما يساعد الصندوق على جمع 2.5 مليار دولار.
في الوقت نفسه، يضيف سليمان أن المستثمرين المحتملين لديهم مخاوف بشأن الاقتصاد، بما في ذلك مسار أسعار الفائدة والجنيه المصري. واصفا عقلية المستثمرين بـ"التجارية البحتة".
وبين عامي 2013 و 2020، زودت دول الخليج مصر بما مجموعه 97 مليار دولار من ودائع البنك المركزي والاستثمار المباشر وأشكال أخرى من المساعدات المالية، وفقًا لكارين إي يونغ، الباحثة في الاقتصاد السياسي للشرق الأوسط في معهد "أميريان إنتربرايز".
وكشفت الباحثة أن السعودية تتقدم تلك الجهود، حيث قدمت أكثر من 46 مليار دولار.
وعندما بدأت الحرب في أوكرانيا في أوائل عام 2022، تضرر الاقتصاد المصري بشدة لذلك، أودعت بعض دول الخليج 13 مليار دولار في البنك المركزي المصري، مما ساعد السلطات المصرية على تعزيز احتياطياتها من العملات الأجنبية.
وشملت تلك الحزمة 5 مليارات دولار من المملكة العربية السعودية في مارس الماضي.
ومع ذلك، نما الإحباط العام من مصر في دول الخليج هذا العام، حيث رفضت الإمارات تحويل نسبة مئوية من إجمالي قيمة القرض كوديعة إلى البنك المركزي المصري، وفقًا لمسؤولين مطلعين، إن ما دفع القاهرة إلى اللجوء إلى السعودية والكويت، لكنهما رفضتا المساعدة أيضا.
وتسعى مصر، وهي واحدة من 5 دول في العالم تعد الأكثر عرضة للعجز عن سداد ديونها الخارجية، إلى خفض استهلاكها المحلي من الطاقة من أجل زيادة كمية صادراتها من النفط والغاز وبالتالي زيادة مواردها بالدولار.
وفي هذا الصدد أيضا عرضت الحكومة العديد من الأصول المملوكة للدولة للبيع.