أشرف كمال - الخليج أونلاين-
مع تزايد حدة المعارك الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، قررت دول نقل سفاراتها من الخرطوم إلى مدينة بورتسودان الساحلية التي تمثل مركزاً رئيسياً للإجلاء، وهي خطوة ربما تتخذها بعض دول الخليج مع تزايد احتمالات تعرض بعثاتها للخطر.
فقد أعلنت الخارجية الهندية (3 مايو 2023) نقل سفارتها مؤقتاً إلى مدينة بورتسودان التي تتمتع بوضع أمني مستقر.
كما أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في مقابلة تلفزيونية (3 مايو) موافقة بلاده على مقترح سوداني بنقل السفارة التركية مؤقتاً بسبب الاشتباكات المستمرة بالقرب منها.
وبعد أسبوع على تصريحاته عاد الوزير التركي معلناً نقل سفارة أنقرة إلى بورتسودان، مؤكداً وصول موظفي السفارة إلى المدينة الساحلية، بعد تحول الاشتباكات في السودان إلى حرب شوارع.
وسبق أن تعرض مبنى السفارة التركية في الخرطوم لإطلاق الرصاص، كما أصيب عدد من المواطنين الأتراك خلال الاشتباكات الدائرة منذ منتصف أبريل 2023، بحسب تشاووش أوغلو.
هذه الخطوات تأتي بعد إغلاق غالبية الدول مقار سفاراتها في الخرطوم بسبب تردي الأوضاع الأمنية وتزايد المخاطر على البعثات، وقد لقي دبلوماسي مصري حتفه بعد إصابته برصاصة خلال الاشتباكات.
ورغم الهدن العديدة التي وافق عليها طرفا النزاع وتوقيع اتفاق المبادئ في جدة، فإن المعارك لم تتوقف يوماً واحداً عملياً، حيث يتهم كل طرف خصمه بخرق الهدنة، وهو ما دفع دولاً مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا لإجلاء دبلوماسييها في عمليات تدخل نوعية أثناء الاشتباكات.
وقد اتهمت الخارجية السودانية (4 مايو 2023) قوات الدعم السريع بالاعتداء على البعثات الدبلوماسية ونهبها، وطالبت المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي بتصنيف "المتمردين" كمنظمة إرهابية.
وقالت الخارجية السودانية، في بيان نقلته الوكالة الرسمية (سونا): إن "القوات المتمردة تواصل خروقاتها للهدنة وذلك بتعرضها لمقار البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية بالسرقة والنهب، وباتخاذها المستشفيات والمراكز الصحية مقرات عسكرية، وطرد المواطنين من مساكنهم، ونهب ممتلكاتهم، واتخاذهم دروعاً بشرية".
وجاء الاتهام بعد يومين من إعلان المملكة العربية السعودية تعرض مبنى ملحقيتها الثقافية في السودان (2 مايو)، لاقتحام من قبل مجموعة مسلحة قامت بتخريب الأجهزة والكاميرات، والاستيلاء على بعض ممتلكات الملحقية، وتعطيل أنظمتها وخوادمها.
ومنتصف مايو، قالت الخارجية السودانية إن قوات الدعم السريع اقتحمت مقر الملحقية العسكرية السعودية والملحقية العسكرية الكويتية، ومقرات البعثات الدبلوماسية للأردن وجنوب السودان والصومال وأوغندا.
استهداف سفارات خليجية
خليجياً، بدت مقار البعثات الموجودة في الخرطوم وكأنها جزء من المعركة، حيث اتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع باقتحام السفارة العُمانية (25 أبريل 2023)، وهو ما ردت عليه مسقط ببيان مقتضب قالت فيه إن سفارتها "آمنة وسليمة"، دون تفاصيل.
وقبلها بيومين، اتهم الجيش قوات الدعم السريع أيضاً بنهب البعثة القطرية لإجلاء الرعايا، واعتراض موكب الرعايا، وباعتراض البعثة الفرنسية، وتحدثت تقارير عن إصابة فرنسي خلال عملية الإجلاء، غير أن الدوحة وباريس لم تعلقا على هذه الأنباء.
وقال الجيش أيضاً إن قوات الدعم السريع "سرقت السيارة الدبلوماسية الخاصة بالسفير الماليزي أثناء تسوقه بعد إنزاله من عربته وهروبهم بها، والاعتداء على موكب السفارة الفرنسية بإطلاق النار؛ مما أدى إلى عودتهم وتعطيل عملية الإخلاء".
لكن قوات الدعم السريع ردت ببيان قالت فيه إنها تعرضت لهجوم من جانب الجيش خلال عملها على إجلاء الرعايا الفرنسيين؛ ما أدى لإصابة مواطن فرنسي.
كما نقلت صحيفة "الشرق" القطرية عن مصدر لم تسمه، في اليوم نفسه، أن البعثة القطرية لم تتعرض لأي اعتراض أو نهب، وأنها كانت تسير ضمن موكب يضم بعثات أخرى بعضها خليجية، وأنهم تعرضوا لبعض الأسئلة في إحدى نقاط تمركز قوات الدعم السريع، قبل السماح لهم بالعبور دون اعتداء.
وفي الـ24 من أبريل، تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لاشتباكات عنيفة وتصاعد لأعمدة الدخان في محيط السفارة الكويتية بالخرطوم.
الاشتباكات حول السفارة الكويتية في الخرطوم لم تكن الاستهداف الوحيد الذي طال الكويت، إذ تعرض مقر سكن رئيس المكتب العسكري في سفارتها بالخرطوم إلى الاقتحام والتخريب.
وأدانت وزارة الخارجية الكويتية الهجوم، واعتبرت أنه، في بيان منتصف مايو، يعد "انتهاكاً صارخاً لكافة الأعراف الدولية وقواعد القانون الدولي، ولاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961".
في المقابل لم يتعرض أي من مقار بعثات الإمارات لأي اعتداء منذ بدء المعارك في العاصمة الخرطوم، وكذلك بعثات مملكة البحرين.
وسبق أن نقلت دول الخليج بعثاتها من العاصمة اليمنية إلى مدينة عدن جنوبي البلاد، بعدما سيطر الحوثيون على صنعاء في 2014، وهو ما يرجح أن تعيده في السودان.
حرب سوف تطول
المحلل السياسي العُماني عوض باقوير، قال إن الحرب في السودان ستكون لها تداعيات كبيرة ومتعددة، ومنها ما سيطال البعثات الدبلوماسية في الخرطوم، معرباً عن اعتقاده بأن بورتسودان ستكون مقراً مؤقتاً لغالبية البعثات.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، قال باقوير إن ما تعرضت له بعض البعثات من اعتداء يشير إلى احتمالية إغلاق البعثات الخليجية وغير الخليجية أيضاً أو نقلها من الخرطوم إلى بورتسودان بشكل مؤقت لكونها أكثر أمناً.
ويرى باقوير أن بورتسودان "أصبحت ملاذاً آمناً لإجلاء آلاف العالقين في الخرطوم حيث يدور القتال المباشر، مضيفاً: "أتصور أن الحرب في السودان سوف تطول لأسباب تتعلق بالأطراف الخارجية التي لها مصالح مع طرفي القتال، وهذا سوف يعقد الأزمة السودانية".
وخلص إلى أن تطور الأوضاع على الأرض هو الذي سيحدد مصير هذه البعثات التي قد ينتهي بها الحال في بلد مجاور لا في مدينة داخل السودان، مشيراً إلى أن الجميع يترقب ما ستسفر عنه المبادرة المطروحة من جانب منظمة "إيغاد" والاتحاد الأفريقي والوساطة السعودية - الأمريكية من نتائج.
وخلال الأيام الماضية، تزايدت عمليات إغلاق السفارات وإخلاء البعثات مع تفاقم القتال واستخدام الطيران الحربي والأسلحة الثقيلة ومضادات الطيران منذ اليوم الأول.
وفي الساعات الأولى من فجر 24 أبريل 2023، نفذت الولايات المتحدة عملية إخلاء نوعية من مقر سفارتها بالخرطوم؛ بإرسال طائرة عمودية مدعومة بنحو 6 طائرات أمّنتها قوات جوية خاصة بمساعدة إثيوبيا التي يسّرت تزويد الطائرة بالوقود.
الأمر نفسه قامت به المملكة المتحدة وألمانيا، فيما اختارت بعثات دبلوماسية عربية وأفريقية الخروج من الخرطوم براً عبر الطريق المؤدي إلى بورتسودان شرقاً، بعد تزايد التعقيدات الأمنية والتهديدات للبعثات.