دول » دول مجلس التعاون

رغم محدودية حجمها الجيو-استراتيجي.. دول الخليج تبرز بالمشهد الدولي

في 2023/06/12

متابعات- 

المنطقة الخليجية تحولت خلال السنوات القليلة الماضية إلى مركز قرار مهم تلجأ إليه مختلف القوى ومراكز القرار الغربية، وهو تأكيد لمكانة كبيرة احتلتها عواصم الخليج أعطتها القدرة على النجاح في المبادرات والتوجهات والمواقف السياسية والاقتصادية وأيضاً الإنسانية.

باختصار يبرز دور قطر في التوصل إلى اتفاق سلام بين حركة طالبان والولايات المتحدة عام 2021، الذي أفضى إلى انسحاب أمريكا من أفغانستان، إضافة إلى دورها في حل النزاعات بعدة دول واستضافة محادثات بين الأطراف المتنازعة.

كما تؤدي السعودية أيضاً أدواراً محورية في قضايا إقليمية ودولية، منها دورها في الاقتصاد العالمي من خلال نفوذها في تحديد حجم الإنتاج العالمي للنفط وأسعاره، وفي التوسط في قضايا النزاعات مثلما يحدث في السودان حالياً، أو عمليات تبادل محتجزين بين روسيا وأكرانيا خلال حربهما المستمرة منذ فبراير 2022.

ومن الدول الخليجية المؤثرة أيضاً سلطنة عُمان، التي تؤدي دور الوساطة بين طهران وواشنطن لحل أزمة الملف النووي الإيراني، فضلاً عن التوسط لإرساء السلام في اليمن وإنهاء الحرب فيه، علاوة على وساطتها في إجلاء رعايا متحفظ عليهم بين إيران ودول أوروبية، يضاف إلى هذا الأدوار الإنسانية التي تؤديها مختلف بلدان الخليج.

التأثير الكبير

كل ما سبق يفسر باختصار ما ذهب إليه مستشار رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، المتحدث الرسمي للوزارة ماجد الأنصاري، بقوله إن دول منطقة الخليج ذات الحجم "الجيو-استراتيجي" المحدود أصبح لها تأثير أكبر من "القوى الوسيطة" في المنطقة والعالم.

جاء ذلك خلال كلمة ألقاها الأنصاري في فعالية بعنوان "دول صغيرة ذات تأثير كبير.. تحديات ماثلة أمام خليج أصبح أكثر عالمية"، يوم 10 يونيو 2023، استضافها "منتدى الدوحة" ومؤتمر روما للحوار المتوسطي، حسبما ذكرت وكالة الأنباء القطرية "قنا".

وأوضح المسؤول القطري قائلاً: "إن الدول الصغيرة أصبح لها خلال الأعوام الأخيرة تأثيرات متنامية على مختلف جوانب السياسة الدولية".

كما أشار إلى أن "دول منطقة الخليج ذات الحجم الجيو-استراتيجي المحدود باتت تتمتع بميزات خاصة، وأصبح لها تأثير اقتصادي وسياسي واجتماعي وإنساني وإعلامي أكبر بكثير مقارنة مع القوى الوسيطة في المنطقة والعالم".

أستاذ التاريخ السياسي، د. بشار فتحي العكيدي، يقول في حديث لـ"الخليج أونلاين": إنه "لا يخفى على أحد ما تضطلع به دول الخليج من تأثير سياسي كبير في الآونة الأخيرة، لا سيما مع تصاعد المشاكل في المنطقة ومحاولتها أداء دور الوسيط لحل تلك المشاكل التي تنذر بمخاطر كبيرة على المنطقة".

يشير العكيدي إلى أن ما يدفع دول الخليج لأداء هذا الدور  هو "علاقاتها الودية مع الدول المؤثرة، لا سيما واشنطن والدول الغربية بصورة عامة، ولعل هذا الأمر يدعونا إلى الالتفات إلى جزئية مهمة هي تصفير المشاكل بين الدول الخليجية، واستغلال إمكانياتها المادية والسياسية في تحقيق تكامل اقتصادي سياسي".

مراتب متقدمة عالمياً

برزت أهمية دول الخليج بوضوح العام الماضي، حين أدت دوراً لتهدئة الأجواء بين الخصوم في الحرب الروسية الأوكرانية، لا سيما مع نجاح الوساطة الخليجية في صفقات تبادل أسرى بين موسكو وكييف، وتبادل سجناء بين موسكو وواشنطن.

وكان عقدُ قادة الدول الست قمة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن في مدينة جدة السعودية منتصف يوليو الماضي، وأخرى مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، بالعاصمة السعودية الرياض في ديسمبر التالي، دليلاً على قوة تأثير المنطقة الخليجية على مستوى العالم.

تلك القمتان مكنتا العواصم الخليجية من تعزيز مكانتها الدبلوماسية بين كبريات القوى الدبلوماسية العالمية، ومن زادت هذه المكانة من قوة تأثير دول الخليج في الوساطات والمباحثات، لا سيما لنزع فتيل التوترات بالمنطقة عبر مساعيها لإحياء الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، وبرزت فيها الدوحة ومسقط.

ولا يمكن تجاهل ما تحقق من إنجاز هام في المنطقة بعودة العلاقات السعودية الإيرانية.

يقول العكيدي إن على دول الخليج "استغلال موقعها الجغرافي المهم في قلب العالم، والذي يعد صفة مهمة أو ميزة تفتقر إليها كثير من الدول".

ويرى أن موقع دول الخليج أعطاها ميزة إضافية "تتمثل في التحكم في التجارة العالمية وخطوط النقل البري والبحري والجوي".

تلك الميزة، وفق العكيدي، "يمكن استغلالها بشكل كبير في دعم التكتل الخليجي الاقتصادي السياسي الذي سيكون له دور مستقبلي كبير في حال تفعيل هذا التكتل بما يخدم دول الخليج والمنطقة، ومن ثم تحقيق النجاح السياسي المنشود، والذي سيعزز من دور دول الخليج لا في المنطقة فحسب، بل يكون لها دور سياسي كبير في جميع القضايا التي ستشهدها المنطقة والعالم مستقبلاً".

قمتان مهمتان

التأثير الخليجي على مستوى العالم أكده أيضاً التصنيف السنوي لمجلة "CEOWORLD"، الذي صدر في أغسطس الماضي، ويعتمد على القوة والتأثير المتصورين، وحلت فيه السعودية والإمارات وقطر بقائمة أقوى دول في العالم لعام 2021؛ إذ جاءت السعودية في المركز الـ11، والإمارات في الـ14، ودولة قطر بالمرتبة الـ21.

وأوضح التصنيف أن أقوى الدول في العالم هي التي تشكل باستمرارٍ السياسات الاقتصادية العالمية.

وبينت المجلة أن تلك الدول تهيمن على العالم من خلال سمات الاستقرار السياسي، والتأثير الاقتصادي، وميزانية الدفاع، وأسلحة الدولة، والتحالفات العالمية، والقوة الناعمة والقوة العسكرية.

ويشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة هي القوة الاقتصادية والعسكرية الأكثر هيمنة في العالم، كما جاءت الصين وروسيا في المركزين الثاني والثالث، فيما كانت التالية في القائمة الهند وفرنسا وألمانيا، وتراجعت المملكة المتحدة مركزين خلف اليابان في المرتبة الثامنة.

واحتلت "إسرائيل" المرتبة العاشرة في قائمة أقوى الدول في العالم لعام 2021.

الاقتصاد محرك السياسة

يقول د. فتحي العكيدي إن السياسة الحديثة ترتبط بالاقتصاد، "أو تكاد تكون المحرك الأساسي له"، لذلك عند الحديث عن الدور الجيوسياسي لا بد من النظر إلى الاقتصاد على اعتباره المحرك الأساس لهذا الموضوع.

ويشير العكيدي إلى ضرورة دراسة الواقع الاقتصادي الذي يتنوع بين الصناعة والزراعة والتجارة، واستغلال الإمكانيات المتوفرة، مع محاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه من الإمكانيات القليلة المتوفرة، بحسب قوله.

ويلفت العكيدي إلى الخطوات التي اتخذتها دول الخليج بالجانب الزراعي في الآونة الأخيرة؛ حتى نجحت في تصدير إنتاجها؛ وهو ما يؤشر مستقبلاً إلى تعدد الإيرادات، لا سيما مع وجود دراسات ومشاريع وخطط للاستغناء عن النفط، وتحديداً في الإمارات التي عدت مشروعاً متكاملاً بهذا الشأن.

وبناء عليه؛ يرى العكيدي أن "تحقيق التأثير السياسي لا بد أن يصاحبه تأثير اقتصادي، ولما كانت دول الخليج تمتلك منظومة سياسية موحدة تتمثل في مجلس التعاون، فلا بد من تعزيز هذا الجانب اقتصادياً، ومن ثم خلق منظومة سياسية اقتصادية لها ثقلها وتأثيرها السياسي العالمي".

ووفق هذا المنظور يؤكد العكيلي أهمية أن "توحد دول الخليج سياساتها وتتجاوز خلافاتها، وتنطلق من تأثيرها وثقلها العالمي في مجال النفط، وجعله ركيزة أساسية من خلال التحكم بأسعار النفط والغاز الطبيعي، وجعلها دولاً محورية في هذا المجال، ومن ثم الانطلاق لتعزيز القطاعات الأخرى كالزراعة والصناعة والتجارة التي تتوفر فيها كل مقومات النجاح؛ من موانئ وطرق وغيرها".