متابعات-
بيّنت الجولة السادسة من الحوار الاستراتيجي بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي التي انعقدت في موسكو أمس الاثنين، أن دول الخليج لا تزال تهدف إلى الجمع بين إنماء العلاقات مع روسيا، التي تؤدي دوراً هاماً في المنطقة، والمساهمة في إنهاء النزاع الروسي الأوكراني المستمرّ منذ أكثر من عام بلا انفراجة في الأفق.
ومن اللافت أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اجتمع هذه المرة مع وزراء الخارجية البحريني، والكويتي، والعماني، والسعودي، ووزيري الدولة للشؤون الخارجية القطري، والإماراتي، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، في لقاء هو الثاني من نوعه في هذا الإطار منذ بدء الحرب الروسية المفتوحة في أوكرانيا، إذ انعقدت الجولة الخامسة من الحوار الاستراتيجي في السعودية في يونيو/حزيران 2022، على أن تعقد الجولة السابعة في الدوحة.
وفي هذا السياق، ذكّرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية في عددها الصادر اليوم الثلاثاء، بأن دول الخليج واجهت ضغوطاً أميركية كبيرة حتى تتبنى موقفاً واضحاً، وتعزف عن التعاون الاقتصادي والسياسي مع روسيا، بما في ذلك عن طريق الانضمام إلى العقوبات بحق موسكو، والتخلي عن اتفاقات خفض إنتاج النفط في إطار آلية "أوبك +".
ولفتت الصحيفة إلى أن دول الخليج أظهرت استقلاليتها في نهاية المطاف، عن طريق مواصلة التعاون مع واشنطن، وتقديم مساعدات إنسانية لكييف من دون التخلي عن موسكو.
ويشير نائب رئيس اتحاد الدبلوماسيين الروس، الأستاذ بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، أندريه باكلانوف، إلى أن روسيا تسعى للدفع بالعلاقات مع دول الخليج، من دون المساس بعلاقات هذه الدول مع الغرب، معتبراً أن دول الخليج يمكنها المساهمة في تسوية بعض الملفات العالقة بين روسيا وأوكرانيا.
ويقول باكلانوف الذي عمل سفيراً لروسيا لدى السعودية من عام 2000 إلى عام 2005، في حديث لـ"العربي الجديد": "بيّن لافروف خلال اجتماع أمس بوضوح، أن روسيا تسعى لبناء علاقات ثنائية مع كلّ دول الخليج، دون المساس بعلاقاتها مع دول الغرب الجماعي، ما يعني أنه يمكنها الدفع بالصداقة مع روسيا من دون الخشية من ردّ فعل الغرب".
ومن اللافت أن لافروف أكد أمس أن التعاون بين دول الخليج وروسيا "غير موجه ضد أي طرف"، مشدداً على أن روسيا وبلدان الخليج لا تسعى للتدخل في علاقات الطرف الآخر مع دول ثالثة.
وحول رؤيته للدور الخليجي المحتمل في تسوية النزاع الروسي الأوكراني، يقول باكلانوف: "يمكن للدول العربية والخليجية المساهمة في إبرام صفقة حبوب جديدة عادلة، بعد فشل الصفقة القائمة بوساطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمساهمة بذلك في الأمن الغذائي العالمي، وكذلك في وضع قواعد إجراء الحرب، مثل منع استخدام القنابل العنقودية، واستهداف مواقع الطاقة، لاسيما المحطات النووية، مثل محطة زابوريجيا".
ومنذ بدء الحرب المفتوحة في أوكرانيا، تمكنت دول الخليج مرات عدة من أداء دور وساطة فعالة بين روسيا من جانب وأوكرانيا والغرب من جانب آخر، ومن بينها وساطة سعودية متكررة لإجراء عمليات تبادل الأسرى، وتسلّم روسيا رجل الأعمال المعتقل في الولايات المتحدة، فيكتور بوت، في مطار أبوظبي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وزيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، إلى كييف في نهاية فبراير/شباط الماضي، تلتها أخرى إلى موسكو.
إلا أن باكلانوف يقلّل من واقعية أداء دول الخليج دوراً يفضي إلى إنهاء النزاع بشكل كامل نظراً لطبيعته، قائلا: "النزاع الروسي الأوكراني هو امتداد للحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) ونزاع سلافي داخلي أشبه بحرب أهلية. يحمل هذا النزاع طابعاً وجودياً، يزيد من صعوبة إنهائه عبر التوصل إلى حلول وسط".
ويشكك الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، المستشرق كيريل سيميونوف، هو الآخر، في قدرة دول الخليج على أداء دور فعال في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا لإنهاء النزاع، معتبراً في الوقت نفسه أن تجربة المصالحة السعودية الإيرانية قد تكون مفيدة.
ويقول سيميونوف في تعليق لـ"العربي الجديد": "تتصرف دول الخليج وفقاً للآليات العامة، وتسعى للوساطة بين طرفي النزاع، ولكن ثمة تساؤلات حول فاعلية جهودها، لأن قرار إنهاء أعمال القتال سيُتخذ في نهاية المطاف في كييف وواشنطن وبروكسل، وليس في الرياض وأبوظبي".
ومع ذلك، يقرّ بأن جهود سلطانة عمان تحديداً قد تكون مفيدة، نظراً لخبرتها الخاصة في إجراء مفاوضات سلام "في الظل"، ودورها الهام في المصالحة السعودية الإيرانية برعاية صينية، التي أسفرت عن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، منهية مواجهة طويلة مسّت المنطقة بأجمعها، وهو ما حظي باستحسان موسكو.
وكان لافروف قد جدّد ترحيب بلاده بمساعي دول الخليج لخلق أجواء أكثر إيجابية في المنطقة، والخطوات نحو تطبيع العلاقات العربية الإيرانية، قائلاً في مؤتمر صحافي في ختام جولة الحوار الاستراتيجي أمس: "نرحب بالخطوات المتخذة نحو تطبيع العلاقات العربية الإيرانية. استأنفت السعودية أخيراً العلاقات الدبلوماسية مع إيران، مما يخلق بشكل عام جواً إيجابياً في هذه المنطقة".
وبدوره، أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي في المؤتمر الصحافي ذاته، أن الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تقف على نفس المسافة من جميع شركائها، وتتبع سياسة خارجية متزنة.