دول » دول مجلس التعاون

المناطق الحرة... خارطة جديدة لعلاقات إيران ودول الخليج الاقتصادية

في 2023/08/21

متابعات

تواصل إيران ودول الخليج خطوات التقارب في ظل التوجه من الجانبين نحو تصفير أزمات المنطقة وإعادة العلاقات إلى طبيعتها واستثمارها لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية لكلا الجانبين.

وفي هذا الإطار دعت إيران مؤخراً دولاً خليجية مثل السعودية والإمارات وقطر إلى الاستثمار في مناطقها الحرة، علاوة على توقيع اتفاقية مع سلطنة عُمان في الشأن نفسه.

وأعربت دول الخليج عن استعدادها للاستثمار في هذه المناطق، حيث ترى فيها فرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي وزيادة التجارة.

وفي العام 2022، بلغت قيمة التجارة بين إيران ودول الخليج حوالي 20 مليار دولار، ومن المتوقع أن تنمو هذه التجارة نمواً كبيراً في السنوات القادمة.

كما أن الاستثمار في المناطق الحرة الإيرانية سيساعد دول الخليج على وصول أسهل إلى الأسواق المحلية والإقليمية.

ويرى مراقبون أنه من الممكن أن تؤدي المحادثات إلى إبرام اتفاقات استثمارية بين إيران ودول الخليج، تعود بالنفع على البلدين.

دعوات إيرانية

وفي 17 أغسطس 2023، كشف مستشار الرئيس الإيراني، حجة الله عبد الملكي، أن طهران تجري مباحثات مع دول خليجية للاستثمار في المناطق الحرة، واصفاً التعاون بين بلاده والسعودية بـ"المهم للغاية".

وقال عبد الملكي، في حوار مع قناة "الجزيرة"، إن بلاده بدأت محادثات عميقة مع كل من قطر والإمارات للاستثمار في المناطق الحرة الإيرانية.

وبيّن مستشار الرئيس، الذي يتولى منصب أمين المجلس الأعلى للمناطق التجارية والصناعية والاقتصادية الخاصة والحرة في إيران، أن الإمارات أعلنت استعدادها للاستثمار في المناطق الإيرانية الحرة والخاصة، وإنشاء منطقة حرة مشتركة مع بلاده.

وشدد على سعي بلاده لاستقبال الاستثمارات السعودية، خاصة أن المملكة أعلنت من قبل استعدادها للاستثمار في إيران.

وفي تصريحات سابقة لوكالة "إرنا"، قال عبد الملكي: إن "غرفة المستثمرين الأجانب في دولة الإمارات أبدت استعدادها لاستثمار ما يصل إلى 100 مليار دولار في المناطق الحرة الإيرانية".

وفيما يتعلق بالسعودية، فقد كشف عبد الملكي، في 26 يونيو 2023، أن بلاده تتفاوض مع الرياض لتعزيز التعاون المشترك بما يفضي إلى التوصل إلى اتفاق لإنشاء مناطق حرة.

وقال: "نعمل على تطوير مناطق حرة مشتركة مع الدول الأخرى خاصة مع دول الجوار والدول العربية والإسلامية"، وفق موقع وكالة "سبوتنيك" الروسية.

وكشف أن "طهران وقعت مذكرة تفاهم مع سلطنة عمان وسوريا تتعلّق بالتعاون في المناطق الحرة".

وفي مايو الماضي، وعلى هامش زيارة السلطان العماني هيثم بن طارق إلى طهران، وقع وزراء النفط والاقتصاد والمالية الإيرانيون مع نظرائهم العمانيين على أربع وثائق اقتصادية بين البلدين في مجالات الطاقة والاستثمار والمناطق التجارية الحرة والتعاون الصناعي.

عوامل الجذب

تعتبر المناطق الحرة الإيرانية منصة جذابة للاستثمارات الأجنبية، حيث تتمتع بالعديد من المزايا، مثل الإعفاء من الرسوم الجمركية والضريبية، وسهولة الإجراءات الإدارية، والقرب من الأسواق المحلية والإقليمية.

يمكن أن تعود الاستثمارات في المناطق الحرة الإيرانية بالنفع على دول الخليج العربي من خلال زيادة التجارة بين الجانبين، وتعزيز التعاون الاقتصادي، والوصول إلى الأسواق المحلية والإقليمية بشكل أسهل.

كما أن الاستثمارات في المناطق الحرة الإيرانية ستحقق النفع لإيران من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية، وخلق فرص عمل جديدة، وتعزيز التنمية الاقتصادية، والوصول إلى الأسواق الخليجية والعربية على نحو أسهل.

وتقدر الحكومة الإيرانية أن الاستثمارات في المناطق الحرة الإيرانية ستساهم في الناتج المحلي الإجمالي الإيراني بنسبة 5٪ في السنوات القادمة.

وحسب بيانات المجلس الأعلى للمناطق التجارية والصناعية والاقتصادية الخاصة والحرة بإيران، فإن الدولة تضم 15 منطقة حرة، و33 منطقة اقتصادية خاصة تعمل فيها 2500 شركة بحجم تصدير سنوي يعادل 18 مليار دولار.

ويعمل في هذه المناطق أكثر من 700 ألف شخص، وهذا يعني أن هذه المناطق تستقطب طاقات العمل من المناطق الأخرى.

وأنشئت أولى المناطق الاقتصادية الحرة والخاصة في إيران عام 1993، وارتفعت سرعة الاستثمار في تلك المناطق بنسبة ضعفين في العامين الماضيين، حيث تم استثمار 200 مليون دولار فيها.

ومن المتوقع أن تنمو الاستثمارات الأجنبية في المناطق الحرة الإيرانية إلى حوالي 100 مليار دولار في السنوات القادمة. ومن المتوقع كذلك أن تخلق المناطق الحرة الإيرانية حوالي مليون فرصة عمل جديدة في السنوات القادمة.

طريق للخروج من الأزمة

وفي رؤيته للدعوة الإيرانية لغالبية دول الخليج للاستثمار في مناطقها الحرة، قال الخبير الاستراتيجي عامر السبايلة: إن "إيران بعد الأزمة المعمقة على المستوى الدولي -خاصة فيما يتعلق بفرض عقوبات عليها بدأت تظهر نتائجها على اقتصادها- وجدت نفسها مضطرة إلى اتخاذ سياسة تصفير الخلاف مع جيرانها".

وأضاف السبايلة، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "إيران تسعى لعدم السماح باستغلال الخلافات مع دول الخليج خاصة مع دخول (إسرائيل) إلى الخليج".

وتابع: "إيران تبحث عن تصفير الخلاف مع الخليج، وإعادة بناء هذه العلاقة القائمة على فكرة المصالح المشتركة".

ورأى أنه من الصعب الاقتناع بأنه يمكن صياغة هذه العلاقة بسرعة لأن هناك موروثاً أمنياً وموروثاً كبيراً من عدم الثقة بين الجانبين، "ولا بد أن يكون هناك وقت وخطوات إيرانية حقيقية على الأرض تجاه دول الخليج لإعادة الثقة".

وأشار إلى أن الدعوة للاستثمار في المناطق الحرة الإيرانية أحد البوادر التي يمكن اعتبارها جيدة.

واعتبر الخبير الاستراتيجي أن إيران بدأت مرحلة بناء الثقة مع دول الخليج، ولذلك هي تنتهج خطوات عملية إزاء ذلك.

وقال: "إيران تسعى لأن تجعل المنطقة مرجعيتها العلاقة المشتركة مع الخليج وإغلاق الباب على أمريكا و(إسرائيل) للتدخل في هذه العلاقة"، لافتاً إلى أن "فكرة الاقتصاد مهمة لتحقيق ذلك لأن الجميع يبحث عن مصالحه".

عوائد اقتصادية وسياسية

ومن وجهة نظر اقتصادية، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش: إن "العلاقات الخليجية الإيرانية ليست جديدة، خصوصاً مع الإمارات؛ فحجم التبادل التجاري كان يصل إلى 40 مليار دولار، وانخفض لاحقاً إلى 10 مليارات دولار".

وتابع: "لدى إيران حضور استثماري كبير في الإمارات وبعض التقارير تتحدث عن استثمارات لطهران في الدولة الخليجية بقيمة 300 مليار دولار".

وأشار عايش، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن آفاق العلاقات الخليجية الإيرانية من الصعب أن تتحرك بسهولة، لذلك فإن الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية واحدة من أهم الوسائل للتأثير وعقلنة اتجاهات الدول.

واعتبر أن "طهران بحاجة إلى استثمارات كبيرة، ودول الخليج بحاجة إلى تنويع استثماراتها ودخلها، وإيران دولة كبيرة يمكن أن يحقق الاستثمار فيها فائدة جيدة لدول الخليج".

وأكد أن إيران بحاجة إلى استثمارات كبيرة، ودليل ذلك حجم الناتج المحلي لهذه الدولة، البالغ نحو 330 مليار دولار فقط، والذي لا يعبر عن دولة كبيرة نفطياً ولديها مساحات شاسعة من الأراضي والإمكانيات.

ولكن هذه الاستثمارات الخليجية لن تتدفق سريعاً نحو إيران "لأن هناك حالة من عدم اليقين تجتاح العلاقات الدولية، ما يستدعي أن يكون هناك تحضير فيما يتعلق بالفرص الاقتصادية، وقراءتها جيداً"، حسب الخبير الاقتصادي.

وقال: "لا بد أن يكون هناك عائد اقتصادي ومردود مالي من الاستثمارات، وهذا تحصيل حاصل، وأيضاً أن يكون هناك عائد ومردود سياسي".

وأوضح أن المردود السياسي يجب أن يتجلى في تعريف الدور الإيراني السياسي في المنطقة، والحد من التدخلات التي تخشاها الدول الخليجية، وأن  تتوافر الثقة بأن النظام في طهران يوفر البيئة الحاضنة للاستثمارات من جهة، ولعلاقات سياسية أكثر أمناً من جهة ثانية، وهو ما تسعى إليه دول الخليج.