دول » دول مجلس التعاون

من النفطي إلى النووي.. علاقات الطاقة قاطرة تعاون واسع بين الصين ودول الخليج

في 2023/09/15

 روبرت موجيلنيكي/معهد دول الخليج العربية - ترجمة الخليج الجديد- 

سلط الباحث المقيم بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن، روبرت موجيلنيكي، الضوء على العلاقات المتنامية في مجال الطاقة بين الصين ودول الخليج، مشيرا إلى تطورها إلى آفاق اقتصادية أوسع بعد دعوة السعودية والإمارات وإيران للانضمام إلى عضوية مجموعة بريكس.

وذكر موجيلنيكي، في تحليل نشره بموقع المعهد وترجمه "الخليج الجديد"، أن دعوة الدول الثلاث تؤكد الروابط المتنامية بين منطقة الخليج والقوى الاقتصادية العالمية ذات الثقل، وعلى رأسها الصين، وهو ما ترجمته الرياض بإطلاق منتدى الأعمال السعودي الصيني في 16 أغسطس/آب في بكين، تحت رعاية وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان، ماجد بن عبدالله الحقيل.

وشهد المنتدى توقيع 12 اتفاقية بقيمة 1.33 مليار دولار من الاستثمارات المتعهد بها بين البلدين، ما ساهم في خلق شعور متزايد بالزخم الاقتصادي بين دول الخليج والصين، غير أن قطاع الطاقة يظل المحرك الرئيسي لتلك العلاقات.

فالنتائج المباشرة التي خرج بها منتدى أغسطس تبدو هزيلة مقارنة بصفقات الطاقة الأخيرة، ففي شهر مارس/آذار الماضي، أنفقت شركة أرامكو السعودية 3.6 مليار دولار للاستحواذ على حصة قدرها 10% في مصفاة صينية عملاقة.

ومهدت الصفقة الطريق لزيادة واردات الصين من النفط الخام السعودي، مع ارتفاع متوقع بنسبة 40% في سبتمبر/أيلول، رغم أن تمديد خفض السعودية الطوعي لإنتاج النفط حتى نهاية عام 2023 قد يغير أنماط الشراء على المدى القصير.

وإلى جانب كونها الركيزة المهيمنة في العلاقات الاقتصادية بين الصين والخليج، تلعب ديناميكيات الطاقة أيضًا دورًا واسع النطاق في القضايا الإقليمية الرئيسية التي تؤثر على المصالح الأمريكية.

النفط والغاز والمعادن

وتهيمن علاقات الطاقة على العلاقات الاقتصادية بين معظم دول الخليج والصين، ومن غير المرجح أن تتغير هذه الديناميكية بشكل جذري في المستقبل المنظور، حسبما يرى موجيلنيكي، مشيرا إلى أن السعودية تعد أهم شريك طاقة خليجي للصين، لكنها ليست قصة الشراكة الوحيدة.

ففي يونيو/حزيران، وقعت شركة البترول الوطنية الصينية وشركة قطر للطاقة اتفاق توريد لمدة 27 عاما لتوريد 4 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال، وحصلت شركة النفط الوطنية الصينية على حصة 5% في مشروع توسيع الغاز الطبيعي المسال في قطر، وذلك بعد توقيع صفقة غاز طبيعي مسال مماثلة مدتها 27 عامًا مع شركة سينوبك في عام 2022.

وفي الوقت نفسه، زار وفد عماني رفيع المستوى الصين في يونيو/حزيران الماضي لاستكشاف فرص تعزيز التعاون في قطاعي الطاقة والمعادن.

وفي فبراير/شباط الماضي، وقعت الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال اتفاقية شروط ملزمة لتزويد الشركة الصينية الدولية المتحدة للبترول والكيماويات بمليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا ابتداء من عام 2025.

وتصدر سلطنة عمان بالفعل حوالي 80% من نفطها الخام، وشكلت صادرات النفط إلى الصين، 42.5% من جمالي تلك الصادرات في عام 2021.

وعلى الرغم من جهود التنويع الاقتصادي المستمرة في جميع أنحاء المنطقة، فإن صادرات الخليج إلى الصين غير متنوعة إلى حد كبير، وتتألف في معظمها من النفط الخام والغاز الطبيعي المسال.

وظل هذا الاتجاه خطا ثابتا على مدى السنوات الماضية، وبالمثل: تكشف تدفقات الاستثمارات الصينية إلى دول الخليج عن تركيز قوي على قطاع الطاقة.

فوفقاً لبيانات من برنامج تتبع الاستثمار العالمي الصيني، التابع لمعهد أميركان إنتربرايز، فإن قطاع الطاقة يمثل الجزء الأكبر من القيمة التراكمية للاستثمارات والبناء الصيني في معظم دول الخليج.

وفي حين أن النقل والعقارات من القطاعات المهمة الأخرى، إلا أنها عادة ما تظل ثانوية بالنسبة لقطاع الطاقة.

استراتيجية استيراد متنوعة

وهنا يشير موجيلنيكي إلى أن جهود أمريكية للتحقق من النفوذ الاقتصادي للصين في دول الخليج يجب أن تتعامل مع الحقائق الصعبة، المتمثلة في تدفقات سلع الطاقة والاستثمارات.

فعلاقات الخليج مع الصين التي تركز على الطاقة تميل لصالح الأخيرة، فأهمية الصين لموردي الخليج تفوق إلى حد كبير أهمية الخليج بالنسبة للمشترين الصينيين، خاصة على مستوى علاقات الطاقة الثنائية.

وينطوي نهج أمن الطاقة في بكين على استراتيجية استيراد متنوعة، من حيث الموردين والسلع على حد سواء، وضمان توافر مصادر الطاقة المحلية التي يمكن الاعتماد عليها في حالة حدوث أي انقطاع، ولذا فإن روسيا وأستراليا، على سبيل المثال، من أكبر موردي النفط الخام والغاز الطبيعي للصين.

ويتيح هذا التنوع في شراكات الطاقة للصين الانخراط في "علاقات انتهازية"، بحسب تعبير موجيلنيكي، مشيرا إلى أن الواردات الصينية من الخام الروسي بأسعار مخفضة في أعقاب غزو أوكرانيا سمحت لروسيا بأن تحل محل السعودية كأكبر مورد للنفط الخام للصين في أوائل عام 2023.

ومع ذلك، دفعت المنافسة الشديدة على الخام الروسي مع الهند المشترين الصينيين إلى زيادة واردات الخام الإيراني، والتي من المتوقع أن تصل إلى 1.5 مليون برميل يوميا، ما يُتوقع أن يولد حوالي 3.30 مليار دولار من الإيرادات الشهرية لإيران.

وهنا يلفت موجيلنيكي إلى أن إدارات أمريكية متعددة سعت إلى معايرة درجة مناسبة من الضغط على النظام الإيراني، وأن قدرة الحكومة الإيرانية على توليد الدخل من قطاع الطاقة لاتزال حسابًا مهمًا في موقف السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران، فضلاً عن كونها موضوعًا ساخنًا في السياسة الأمريكية الداخلية.

ولا يزال أولئك الذين يشترون النفط الإيراني، مثل ملاك مصافي التكرير في الصين، يواجهون خطر أن يصبحوا أهدافاً للعقوبات الأمريكية، حتى لو تضاءلت الإرادة السياسية لفرضها.

التجارة باليوان الصيني

وبعيداً عن وجهات التصدير، فإن العملات المستخدمة لتسوية مبيعات النفط والغاز في الخليج لها أهمية أيضا، ففي حين لا يزال البترودولار مهيمناً، فإن المسؤولين الصينيين يضغطون من أجل المزيد من تجارة النفط والغاز باليوان، خاصة منذ زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى المنطقة في ديسمبر/كانون الأول 2022.

وفي مارس/آذار، أكملت الصين أول صفقة طاقة تمت تسويتها باليوان، بشراء الغاز الطبيعي المسال الإماراتي في بورصة شنغهاي للبترول والغاز الطبيعي.

وتشير تعليقات المسؤولين السعوديين والتقارير الإعلامية إلى اعتبارات جدية لتسوية السعودية ترتيباتها التجارية باليوان، رغم أن المملكة لم تتخذ بعد أي خطوات محددة من شأنها أن تقوض هيمنة الدولار.

وكان التخلص من الدولار وإنشاء أنظمة مالية بديلة من الموضوعات التي تمت مراقبتها عن كثب خلال قمة مجموعة بريكس بجنوب أفريقيا في أغسطس/آب الماضي، إذ وجه الأعضاء دعوات إلى السعودية والإمارات وإيران ومصر وإثيوبيا والأرجنتين للانضمام إلى مجموعة الاقتصادات الناشئة الرئيسية، ومع ذلك، لم تظهر أي مبادرة ملموسة لمنافسة الدولار الأمريكي من القمة.

ويتوقع موجيلنيكي أن يكون السعي للحصول على ضمانات بأن السعودية لن تنفذ أي تغييرات سياسية كبيرة في تجارة الطاقة العالمية، خاصة فيما يتعلق بشركاء مثل الصين، جزءا من الجهود المستمرة التي يبذلها المسؤولون الأمريكيون لتأمين اتفاق تطبيع سعودي-إسرائيلي برعاية واشنطن.

الطاقة النووية والهيدروجين

ومن زاوية أخرى، تستعد الشركات الصينية للعب دور أكبر في طموحات الطاقة النووية في الخليج، ما يزيد من الحساسيات المرتبطة بالطاقة النووية ومخاطر انتشارها في المنطقة.

ففي مايو/أيار الماضي، وقعت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية الإماراتية 3 اتفاقيات مع مؤسسات الطاقة النووية الصينية، فيما يدرس المسؤولون السعوديون عرضاً من الصين، - وكذلك من فرنسا وروسيا؛ لبناء محطة للطاقة النووية.

ويُنظر إلى ذلك باعتباره جزء من حملة سعودية لتأمين المساعدة الأمريكية في تطوير القدرات النووية المدنية، وهو ما يظهر أيضًا كمطلب مهم في صفقة تطبيع محتملة بين السعودية وإسرائيل.

كما أن طموحات دول الخليج لتصبح من كبار الموردين العالميين للهيدروجين توفر فرصًا جديدة للصين، سواء من خلال توفير التقنيات الحيوية مثل المحللات الكهربائية، أو العمل كشريك في مجالات التعاون الأخرى المتعلقة بالهيدروجين، أو بأن تصبح سوقًا للتصدير في المستقبل.

وتقود الصين العالم في إنتاج الهيدروجين، ولكن بأشكال كثيفة الانبعاثات، ولدى تحالف الهيدروجين الصيني مبادرة لرفع حصة الهيدروجين في مزيج الطاقة المحلي إلى 20% بحلول عام 2060.

وقد تدعم الجهود الخليجية لإنتاج هيدروجين أنظف هدف الصين المتمثل في الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060.

 وخلال زيارة الرئيس الصيني إلى الرياض، وقعت السعودية والصين مذكرات تفاهم بشأن الطاقة الهيدروجينية، وبدأ مجلس الشورى السعودي في الموافقة على صفات التعاون بمجال طاقة الهيدروجين النظيفة في مارس/آذار.

ويرتبط أحد الأبعاد الرئيسية لمشروع نيوم السعودي بالهيدروجين الأخضر، كما تسعى كل من سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة إلى أن تصبحا رائدتين عالميتين في إنتاج وتوريد الهيدروجين منخفض الكربون.

ومع اقتراب انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 28) في دبي، فمن المرجح أن ينمو النفوذ الصيني في مواقف دول الخليج بشأن تغير المناخ وتحول الطاقة العالمية.

وسبق أن شاركت الجهات الصينية الفاعلة لسنوات في مجال الطاقة الشمسية بالخليج، بالإضافة إلى الممولين والمطورين المؤثرين في قطاع الطاقة المتجددة الأوسع.

ومن ناحية أخرى، أطلق المركز الصيني العربي الدولي لأبحاث الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي الدفعة الأولى من المشروعات التعاونية.

وتشكل الصناعات ذات التقنية العالية مثل الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية لجهود التنويع الاقتصادي في الخليج، خاصة في السعودية والإمارات، اللتين تتسابقان لشراء رقائق إنفيديا عالية الأداء، في الوقت الذي تفيد فيه التقارير بتوسيع الولايات المتحدة القيود المفروضة على رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة خارج الصين لتشمل دول الشرق الأوسط.

وتطرح الحالة المضطربة للاقتصاد الصيني مخاوف إضافية للمنتجين الخليجيين الذين يعتمدون على الطلب القوي على الطاقة من الصين.

وهنا يشير موجيلنيكي إلى أن التعافي الاقتصادي للصين عام 2023 كان بطيئا، إذ يمر القطاع العقاري بأزمة، ويشكل انخفاض عدد السكان "معضلة ديموغرافية"؛ فيما يتحدث المحللون عن "فخ الانكماش" و"كوفيد اقتصادي طويل الأمد" في الاقتصاد الثاني عالميا.

 وفي حين أن الطلب الصيني على سلع الطاقة الخليجية لن يجف بين عشية وضحاها، فإن أياً من ذلك لا يبشر بالخير بالنسبة لشراكة الطاقة بين الصين والخليج خلال السنوات المقبلة.

والأمر الوحيد المؤكد، بحسب موجيلنيكي، هو أن علاقات الطاقة بين الصين والخليج ستتطور، مع ما يترتب على ذلك من آثار متفاوتة على دول الخليج والمصالح الأمريكية بالمنطقة.