يوسف حمود - الخليج أونلاين-
بينما رفض قادة الدول العربية والإسلامية توصيف حرب "إسرائيل الانتقامية" في غزة بأنها تأتي "دفاعاً عن النفس"، أكدوا مطالب وخطوات في سبيل الضغط باتجاه وقف العدوان وفك الحصار من خلال إرسال المساعدات إلى القطاع المحاصر.
وفيما يرى البعض أن مخرجات القمة لم تلبِّ المطالب الشعبية، وكانت أقل من حجم مأساة غزة، وأن الشعوب كانت تنتظر قرارات أكثر فاعلية لوقف العدوان، طالب القادة المجتمعون مجلس الأمن الدولي "بقرار حاسم ملزم يفرض وقف العدوان الإسرائيلي في غزة"، وحذروا من اتساع رقعة الحرب.
لكن الأهم في البيان الختامي ثلاث نقاط رئيسية؛ تتمثل في قدرة الدول العربية والإسلامية على إدخال المساعدات دون انتظار إذن "إسرائيل"، وهل ستمضي نحو تشكيل فريق لرفع قضايا ضد قادة الاحتلال في محكمة الجنايات الدولية، وكيف ستقنع الدول المصدرة للأسلحة إلى "إسرائيل" بوقفها، على الرغم من أن تلك الدول تؤيد العدوان على غزة.
وقف السلاح
كانت الرياض، في الـ11 من نوفمبر 2023، على موعدٍ مع قمة لزعماء العرب والمسلمين في اجتماع طارئ لبحث حرب غزة، حيث طالب البيان الختامي بإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، وكذلك "جرائم الحرب والمجازر البربرية والوحشية وغير الإنسانية".
البيان الذي يحتوي على 31 بنداً قال: "إننا ندين العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وجرائم الحرب والمجازر الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال الاستعماري ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية. نحن نطالب بوقفها على الفور".
البيان أكد أيضاً أنه "ما لم ينعم الشعب الفلسطيني بالأمن والسلام فإنه لا يمكن لإسرائيل ولا أي دولة أخرى في المنطقة أن تنعم بهما".
وحمل البيان في مضمونه دعوة الدول إلى "الوقف الفوري لتصدير الأسلحة التي يستخدمها جيش الاحتلال والمستوطنون الإرهابيون لقتل الفلسطينيين"، لكن اللافت أن الدول التي تصدر الأسلحة للاحتلال هي دول تؤيد العدوان على غزة، وتصف سكانها بـ"الإرهابيين"، على غرار الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا.
وأرسلت واشنطن حاملات طائرات وغواصة نووية وطائرات محملة بالأسلحة، وخصصت ميزانية كبيرة لجلب أسلحة للاحتلال الإسرائيلي، وكذلك أعلنت ألمانيا أنها وضعت في تصرف "إسرائيل" طائرتين مسيرتين حربيتين.
كما أعلنت الحكومة البريطانية إرسال سفينتين تابعتين للبحرية الملكية، وطائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط؛ "لدعم إسرائيل وتعزيز الأمن الإقليمي ومنع أي تصعيد".
إدخال المساعدات
لم يخلُ البيان الختامي من المطالبة بكسر الحصار عن غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع فوراً، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وحماية طواقمها، معربين عن دعمهم لجهود مصر في إدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري ومستدام وكافٍ.
ويعتبر معبر رفح شريان الحياة الرئيس الذي يربط قطاع غزة بالعالم الخارجي، حيث يقع على الحدود الجنوبية لغزة مع مصر، وأصبح النقطة المحورية للجهود المبذولة لتوصيل المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، والسماح للمصابين وحملة جوازات السفر الأجنبية بالمغادرة.
لكن على الرغم من ذلك تقول مصر إن "إسرائيل" تتحكم بدخول المساعدات عبر معبر رفح، حيث تقوم بإجراءات التفتيش التي تفرضها قبل وصولها إلى المنفذ الفلسطيني، وتمنع دخول كثير من الاحتياجات الضرورية، خصوصاً الأدوية، وتسمح فقط بدخول كمية محدودة من الشاحنات.
وتمكن الأردن من كسر الحصار بإرسال مساعدات طبية للمستشفى الأردني في غزة عبر إنزال جوي مرتين خلال أسبوع، على الرغم من تصريحات دولة الاحتلال بأن الإنزال جاء بعد موافقة منها، في حين لم تتضح الطريقة التي تنوي الدول العربية فعلها لكسر الحصار وإرسال جميع الاحتياجات للقطاع.
محاكمة دولية
وفيما يتعلق بالملاحقة القانونية لا تعترف "إسرائيل" بمحكمة الجنايات الدولية، ولا حتى بالقوانين والأعراف الدولية، حيث ترتكب جرائم متزايدة بحق سكان غزة، متجاهلة كل الدعوات لوقفها، وتصر على أن ما تقوم به تحت مسمى "الدفاع عن النفس".
لكن ذلك لم يمنع الزعماء الذين اجتمعوا بالرياض من أن يؤكدوا "الطلب من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بدء تحقيق فوري في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها (إسرائيل) ضد الشعب الفلسطيني في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن ضمنها القدس الشرقية".
كما تضمن أيضا تكليف الأمانتين العامتين في منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية بمتابعة تنفيذ ذلك، وإنشاء وحدة رصد قانونية متخصصة مشتركة توثق الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وتعد مرافعات قانونية حول جميع الانتهاكات.
ويؤكد المختص بالقانون الدولي ثائر أيوب، أن ما يحدث في غزة "ليس مجرد انتهاكات عادية للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، بل جرائم حرب ترتكب في الأراضي الفلسطينية وضد الإنسانية وفق ميثاق روما المادة 8".
وأشار في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إلى أن الأحداث في قطاع غزة "تعتبر جريمة إبادة جماعية، وتعد ضمن الجرائم الأربع التي يحاكم عليها ميثاق روما (جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسان، وجريمة العدوان، وجريمة الإبادة الجماعية)".
وبيّن أن تفعيل محاكمة وملاحقة قيادات الاحتلال يتم من خلال اللجوء لمجلس الأمن لـ"تشكيل محكمة خاصة فيما يتعلق بأحداث غزة، أو الطلب المباشر من المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية بفتح تحقيق في الجرائم المرتكبة في غزة، وإصدار مذكرات اعتقال وتوقيف بحق قادة وجنود إسرائيل".
إلا أنه يرى أن ثمة "خيبة أمل بالقانون الدولي حالياً، مع الكيل بمكيالين، ونسف المعايير ومرحلة اللامعايير التي نشهدها بالقضية الفلسطينية، مقارنة بما يجري في أوكرانيا".
عجز عربي وإسلامي
"لم يعول المواطن العربي والإسلامي كثيراً على القمة، بل أصدر حكماً مسبقاً عليها قبل أن تبدأ بأنها عاجزة عن الوصول لمخرجات حقيقية تلبي طموح شعوب الأمة وتدعم الشعب الفلسطيني"، هكذا وصف رئيس تحرير موقع "السبيل" الإخباري الأردني عيسى شفقة مخرجات القمة.
ويرى أنه كان الأجدر بزعماء الدول المشاركة "أن تتخذ موقفاً جريئاً، وذلك من خلال قطع العلاقات مع الاحتلال الاسرائيلي، وإيقاف جميع المعاهدات معه، ووقف جميع العلاقات التطبيعية، وخاصة الدول التي تسير بمسار إجراء معاهدات مع الاحتلال".
ويتساءل شفقة في حديثه لـ"الخليج أونلاين" بقوله: "كيف تطلب الدول العربية من الدول عدم تصدير السلاح للاحتلال وهي لم تمنع الولايات المتحدة الأمريكية من استخدام قواعدها الموجودة بتلك الدول من إمداد الاحتلال بالسلاح؟"، مجيباً على ذلك: "من الطبيعي عدم استجابة الولايات المتحدة لتلك المطالب".
وحول كسر حصار غزة وإدخال المساعدات، كما ورد في البيان، استبعد قدرة الدول العربية والإسلامية على القيام بذلك، "خاصة أن الحرب دخلت في يومها الـ39، ولم تدخل أي مساعدات إلا بإذن من الاحتلال الإسرائيلي".
وأضاف: "متى سيكسرون الحصار؟ حين يباد الشعب الفلسطيني بأجمعه مثلاً؟ والمساعدات بحد ذاتها لم تصل إلى المستوى المطلوب، فماذا ستفعل طائرة أو طائرتان؟ خصوصاً أن الشعب الفلسطيني بغزة يحتاج إلى آلاف الأطنان من المعدات الطبية حتى تتناسب مع حجم الجرحى والإصابات التي تقدر بعشرات الآلاف حتى هذه اللحظة".
وحول تقديم شكاوى للجنائية الدولية يرى أنه ربما "ستكون هناك بعض الدعاوى"، إلا أنه حسب اعتقاده فإن تلك الدعاوى "لن ترقى لمستوى الإبادة للشعب الفلسطيني، وتهجيره من أراضيه".
وأكد أن الشعب الفلسطيني، وخصوصاً سكان غزة، "يتعرض حالياً لنكبة جديدة، حيث تركوا وحدهم في هذه الحرب، دون أن تصدر الدول العربية والإسلامية سوى الشجب والاستنكار".