كمال صالح - الخليج أونلاين-
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر، شهدت الدبلوماسية الخليجية نشاطاً كبيراً، وأحدثت اختراقات مهمة في جدار الأزمة التي عصفت بالمنطقة.
نشاط تصدره وزراء خارجية قطر والسعودية وسلطنة عُمان، نجحوا خلاله في لفت أنظار العالم إلى ما يحدث في غزة، وطرح جرائم الاحتلال على طاولة النقاش في عدة عواصم دولية.
التوصل لهدنة إنسانية، والدفع لاستصدار قرار أممي لوقف الحرب، وتبني دعوات لمحاكمة قادة الكيان الصهيوني، والخروج بموقف عربي إسلامي موحد، ولقاءات سياسية مستمرة لإيصال صوت الفلسطينيين، كانت بعض ثمار نشاط هؤلاء الوزراء الثلاثة الذين حشدوا دبلوماسية بلدانهم، بغية إنهاء العدوان الإسرائيلي الغاشم والمدعوم غربياً على قطاع غزة.
رأس الدبلوماسية القطرية
أصبح رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أحد أكثر الشخصيات الشرق أوسطية المألوفة عالمياً، لقاء نشاطه الكبير، والتحركات التي أجراها طوال الأسابيع الماضية.
ومنذ بداية الحرب على غزة قاد وزير خارجية قطر بنجاح جهود الوساطة بين "إسرائيل" و"حماس"، وهي الجهود التي أثمرت هدنة إنسانية دخلت حيز التنفيذ يوم الجمعة الموافق 24 نوفمبر، قابلة للتمديد، أفرج خلالها عن قرابة 300 أسير من الجانبين، في حين يجري الحديث عن محادثات للإفراج عن أكثر من هذا الرقم مع تمديد أطول للهدنة.
وأصبح الوزير القطري رجلاً محورياً في هذه المرحلة، وإليه يتهافت المسؤولون والوزراء الغربيون؛ لبحث وقف التصعيد في غزة، وتتسابق عليه كبريات الشبكات الإعلامية العالمية؛ نظراً لأهمية دوره الحاسم في المشهد الإقليمي الحالي.
الحضور المحوري لوزير خارجية قطر ليس وليد هذه المرحلة، بل كان له دور مهم في أزمات عالمية عدة، منذ تولى المنصب في 27 يناير 2016.
الدوحة قِبلة واشنطن
يمكن وصف وزير خارجية القطر بأنه عرّاب الثقة العالمية بالدوحة، حيث سجلت الدبلوماسية القطرية تحت قيادته نجاحات لا تخفى على أحد، كما أنه ساهم في تعزيز دور بلاده كمركز للوساطة في أعقد أزمات العالم.
أبرز تلك الأزمات كانت الأفغانية، حيث أدت دبلوماسية قطر بقيادته دوراً مهماً في ملف الوساطة بين الولايات المتحدة وحركة "طالبان"، وهي الوساطة التي توجت بتوقيع اتفاقية سلام بين الحركة وواشنطن في الدوحة، أواخر فبراير 2020.
كما أدى وزير خارجية قطر دور الوسيط في ملف المعتقلين بين الولايات المتحدة وإيران، الذي توج بالتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى من الجانبين 5 مقابل 5، إضافة إلى الإفراج عن 6 مليارات دولار إيرانية كانت خاضعة للعقوبات، في سبتمبر الماضي.
ولم يقتصر دور الدبلوماسية القطرية على أزمات الشرق الأوسط، بل وصلت إلى الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث سجّلت أيضاً حضوراً لوزير خارجية قطر، حيث نجحت الدبلوماسية القطرية، في لم شمل 4 أطفال أوكرانيين مع عائلاتهم، بموجب طلب تقدمت به الحكومة الأوكرانية.
ووصلت أيضاً إلى الأمريكيتين، حيث دخلت الدوحة خط أزمة الثقة بين الولايات المتحدة وفنزويلا، على خلفية العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية السابقة على كاراكاس.
وعن هذا قالت مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت"، في تحليل لها نشرته، في يوليو الماضي: "إن قطر برزت كوسيط على الجبهة الأمريكية-الفنزويلية المجمدة".
ووفقاً لتغريدة للأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، فإن الشيخ محمد بن عبد الرحمن "يمثل الدبلوماسية القطرية والخليجية في أفضل حالاتها".
بن فرحان.. الوزير النشط
الأمير السعودي فيصل بن فرحان، تولى منصب وزير الخارجية في 23 أكتوبر 2019، ومنذ ذلك التاريخ، أدى دوراً مهماً في العديد من الملفات، أبرزها ملف حرب غزة، والملف اليمني، وملف الحرب الروسية الأوكرانية.
فمنذ السابع من أكتوبر، نشطت الدبلوماسية السعودية بشكل كبير يتصدره الأمير فيصل الذي كان صريحاً في التعبير عن وجهة نظر المملكة تجاه جرائم الاحتلال في غزة.
بن فرحان، على رأس الدبلوماسية السعودية، حشد كثيراً من المواقف الدولية وراء الموقف العربي والإسلامي، وخلال الشهر الماضي، عُقدت عدة قمم في المنطقة، أبرزها القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية في الرياض، والتي تبنت قرارات مهمة تجاه الحرب في غزة.
ومنذ أيام، يرأس الوزير السعودي وفداً عربياً إسلامياً لحشد الدعم الدولي لإنهاء حرب غزة، ووقف العدوان الإسرائيلي على القطاع، شملت زيارة الوفد عواصم الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا، كما رأس الوفد الوزاري العربي الإسلامي، خلال جلسة مجلس الأمن المنعقدة الأربعاء 29 نوفمبر، وأكد في مؤتمر صحفي أن الوضع في غزة لا يحتمل.
يضاف ذلك إلى عشرات الاتصالات واللقاءات الثنائية التي عقدها منذ بدء الحرب في غزة، في محاولة سعودية لخفض التصعيد ومنع استمرار الكارثة.
اختراق جدار أزمة اليمن
وطوال السنوات الأربع الماضية، سطع نجم الوزير السعودي في الملف اليمني، وفي مارس 2021، أطلق بن فرحان مبادرة لوقف إطلاق النار في اليمن تحت إشراف الأمم المتحدة.
تطورت المبادرة إلى اتفاق هدنة، جرى التوصل إليها في أبريل 2022، ومددت ولا تزال قائمة حتى الآن، كما نجح الوزير السعودي في إعادة تموضع المملكة في موقع الوسيط في الحرب اليمنية، وتوج ذلك باستقبالها وفداً رفيعاً من جماعة الحوثي، في سبتمبر الماضي.
وللرياض عبر دبلوماسية وزير خارجيتها حضور أيضاً في أزمة روسيا وأوكرانيا، وتوج ذلك باجتماع جدة بشأن الحرب الأوكرانية، مطلع أغسطس الماضي، وسط إشادات دولية بالدور المهم الذي يمكن أن تؤديه الرياض في حلحلة هذا الملف.
وكان للسعودية أيضاً حضور في ملف أزمة سد النهضة، حيث بدأ الحديث، في فبراير 2021، عن دور سعودي يهدف لحلحلة هذه الأزمة من خلال التوسط بين الأطراف الثلاثة.
كما أدت الدبلوماسية السعودية بقيادة الأمير فيصل دوراً محورياً في تقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع السوداني، وصولاً إلى صدور بيان جدة، في مايو 2023، بين الجيش وقوات الدعم السريع، واستمرار المملكة في أداء دور الوسيط لإنهاء الأزمة.
البوسعيدي.. حامل لواء السياسة العُمانية
وعلى خُطا نظيريه، كان وزير خارجية سلطنة عُمان بدر البوسعيدي حاضراً في قلب التحولات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً قضية فلسطين.
الوزير البوسعيدي تصدر المشهد بتبني مواقف جريئة ضد الاحتلال وعدوانه على غزة، ودعا، في 31 من أكتوبر الماضي، إلى إجراء تحقيق دولي مستقل بشأن العدوان الإسرائيلية ومحاكمة قادة الاحتلال.
البوسعيدي أسهم بنشاط في مجمل اللقاءات والمباحثات التي شهدتها دول الخليج والمنطقة العربية بخصوص غزة، وتبنى مواقف لافتة تجاه المقاومة في غزة، وهذا ما أكده لصحفيين أجانب، أواخر أكتوبر، حينما أكد أن "حماس حركة مقاومة وليست منظمة إرهابية".
محاولات وقف العدوان على غزة لم تغب عن لقاءات واتصالات الوزير العماني، منذ السابع من أكتوبر، حيث استمرت دون توقف.
الملف اليمني والنووي الإيراني
البوسعيدي الذي يشغل منصب وزير خارجية عُمان، منذ 18 أغسطس 2020، أدى دوراً محورياً في ملفات عدة، أبرزها اليمني، وكان للسلطنة دور بارز في جمع الفرقاء واحتواء أطراف الصراع.
وطوال الأعوام الثلاثة الماضية، تحولت مسقط إلى نقطة اتصال مستمرة بين الأطراف الدولية والإقليمية بشأن الملف اليمني، وصارت قبلة للمبعوثين الأممي والأمريكي، ومبعوثي الدول الكبرى بشأن اليمن.
وأدت الدبلوماسية العُمانية بقيادة البوسعيدي، خلال السنوات الماضية، دوراً في الإفراج عن أسرى أمريكيين وسعوديين لدى جماعة الحوثي، واحتضنت مسقط قيادات يمنية من كل الأطراف، وحظيت بإشادة دولية وأممية لقاء دورها الإيجابي.
وفي الملف النووي الإيراني كان لدبلوماسية عُمان وفارسها البوسعيدي دور مهم أيضاً، ودخلت مسقط منتصف العام الجاري كوسيط في هذا الملف الحساس، محققة إلى جانب قطر اختراقاً مهماً في طريق الوصول إلى تفاهمات كبرى تُفضي إلى تخفيف التوتر في المنطقة والإقليم.
كما أدت الدبلوماسية العُمانية، بقيادة بدر البوسعيدي، دوراً في الإفراج عن مواطنين من بلجيكا والدنمارك والنمسا كانوا محتجزين لدى إيران، ضمن مساعي السلطنة المستمرة لتهيئة الظروف نحو تطبيع العلاقة الغربية الإيرانية.