دول » دول مجلس التعاون

بعد اتفاق "كوب 28".. لماذا ترفض دول الخليج التخلي عن الوقود الأحفوري؟

في 2023/12/15

يوسف حمود - الخليج أونلاين-

بعد أن حققت أرباحاً كبيرة من الوقود الأحفوري على مدى عقود، تضع دول الخليج حالياً نصب عينيها الهيدروجين الأخضر، في إطار رغبتها المعلنة بجعل اقتصاداتها صديقة للبيئة، لكنها في ذات الوقت ترفض الاستغناء الكامل عن الوقود الأحفوري.

وطغى جو من التوتر على اليوم الأخير من مؤتمر المناخ في دبي، حيث تصارعت وجهتا نظر مختلفتين في طريقة التعامل مع الوقود الأحفوري، فيما وجدت الإمارات نفسها في وضع من يحاول التوفيق بين طرفين، ما استدعى لتمديد المؤتمر يوماً جديداً والتوصل لإعلان يقارب بين المختلفين.

ويردد المطالبون بـ"التخلص التدريجي" من الوقود الأحفوري، أن حرقه يعد أكبر سبب لتغير المناخ على الإطلاق، لكن الرافضين لهذه الرؤية وفي مقدمتهم دول الخليج، يرون أنه محرك الحياة الحديثة، فما أسباب الرفض الخليجي للتخلي الكامل عن الوقود الأحفوري؟

مؤتمر مختلف.. خلافات كبيرة

على خلاف المؤتمرات السابقة، كان مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28) الذي انعقد في مدينة دبي واختتم الأربعاء 13 ديسمبر، مختلفاً من حيث ما مر به من خلافات كبيرة، وصولاً إلى تمديده ليوم إضافي من أجل التوصل إلى اتفاقٍ وصف بالتاريخي، والذي دعا إلى "التحول" باتجاه التخلي عن الوقود الأحفوري تدريجياً.

وبعد تمديد أشغاله إثر خلافات حول "الاستغناء" عن الوقود الأحفوري، خرج المؤتمر باتفاق تضمن إشارة إلى التحول عن الوقود الأحفوري بالكامل في العقد الحالي، لكنه لم يتحدث عن "الاستغناء" عن النفط والغاز والفحم، وهو ما طالبت به أكثر من 100 دولة، بعدما رفضت السعودية والكويت والعراق أي اتفاق يمس بالنفط والغاز.

ودعا الاتفاق المتفق عليه الأطراف إلى تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي إلى منظومة طاقة خالية من كافة مصادر الوقود التقليدي الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته؛ وذلك بهدف تحقيق الحياد المناخي.

كما دعا إلى "تشجيعهم على تقديم مساهمات محددة وطنياً تشمل كافة القطاعات الاقتصادية، من خلال زيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة معدل تحسين كفاءة الطاقة سنوياً بحلول عام 2030".

وفي الاتفاق اعتراف بدور "مصادر الطاقة الانتقالية"، في إشارة إلى الغاز، في ضمان "أمن الطاقة" في الدول النامية، حيث ما زال نحو 800 مليون شخص محرومين من الكهرباء.

وإلى جانب ذلك، يدعو إلى "تسريع التكنولوجيات ذات انبعاثات "صفر كربون" أو "المنخفضة الكربون"، ومن ضمن ذلك الطاقة النووية والهيدروجين المنخفض الكربون وتقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، وهي ما زالت غير ناضجة، ولكن تفضلها البلدان الغنية بالنفط حتى تتمكن من الاستمرار في إنتاجه".

وكانت المسودة الأولى المقترحة للاتفاق أثارت احتجاجات لأنها لم تدعُ إلى "الاستغناء" عن مصادر الطاقة الملوثة التي يعد حرقها منذ القرن التاسع عشر مسؤولاً إلى حد بعيد عن الارتفاع الحالي في درجات الحرارة العالمية بمقدار 1,2 درجة مئوية.

رفض خليجي

وخلال القمة تصدرت دول خليجية، وفي مقدمتها السعودية، الدول الرافضة للتخلي عن الوقود الأحفوري، وهو ما أشار له وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، عقب البيان الختامي، حيث أكد أن فريقاً متكاملاً من المملكة شارك في مفاوضات "كوب 28"، لافتاً إلى أنه "تمت مراجعة نص البيان الختامي لكوب 28 كلمة بكلمة".

وأوضح أن الاتفاق لم ينص على التخلص الفوري أو المتدرج من الوقود الأحفوري بل "عملية تحول"، مضيفاً: "يجب النظر بطريقة متكاملة للنصوص ضمن اتفاق كوب28، حيث أعطى لكل دولة الحق باختيار المنهجية التي تحافظ على مصالحها، لأننا لن نقبل أي قرار يؤكد الاستغناء عن الوقود الأحفوري".

أما وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري سعد بن شريدة الكعبي، فقد أكد صعوبة الاستغناء عن الوقود الأحفوري لأهميته كمنتج وسيط يدخل في تركيبة عدد من المنتجات فضلاً عن إنتاج الكهرباء.

وأوضح الكعبي، خلال كلمته في أعمال مؤتمر الطاقة العربي الـ12 في الدوحة (12 ديسمبر)، أن "أي مناقشة هادفة حول صناعة الطاقة يجب أن تأخذ في الحسبان معالجة القضايا والمخاوف البيئية الملحة".

بدوره قال نائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط الكويتي، سعد البراك، إن بلاده متمسكة بموقفها الرافض لإدراج مسألة خفض استخدام الوقود الأحفوري أو التخلي عنه في مسودة الاتفاق النهائي لمؤتمر المناخ.

ونقلت وكالة "كونا" الرسمية، عن البراك قوله (12 ديسمبر): "لذا هذا التفكير العنصري والاستعماري المرفه عندما يمتد ليشمل اقتطاع أجزاء مهمة من اقتصاداتنا في المنطقة التي يعتمد عليها مستقبلنا شيء مرفوض تماماً، وأتعجب كيف طالت المفاوضات إلى هذا الوقت" في مؤتمر المناخ.

وكان مؤتمر منظمة الأقطار العربية المصدِّرة للبترول (أوابك) الذي انعقد بالدوحة، أكد أن "تحقيق تحول هادف واقعي إلى طاقة منخفضة الكربون، يتطلب السعي إلى التوصل لفهم مشترك لما يمكن وما لا يمكن القيام به".

وفي الـ9 من ديسمبر دعا أمين عام منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك)، الكويتي هيثم الغيص، بإلحاح، أعضاء المنظمة وشركاءها، إلى "الرفض الاستباقي" لأي اتفاق يستهدف الوقود الأحفوري بدلاً من انبعاثات الغازات الدفيئة في المفاوضات المناخية في مؤتمر كوب28 المنعقد في دبي.

سبب الرفض

يرى المحلل الاقتصادي رشيد نصر، أن دول الخليج "تواجه، بوصفها مركزاً لإنتاج النفط والغاز، تحدي التكيف مع مشهد متغير في مجال الطاقة".

ولفت، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن ذلك "يتعلق بتكلفة التخلص من الوقود الأحفوري والاستثمارات الكبيرة التي قد تكون غير مضمونة في مجال الطاقة الخضراء".

ويشير إلى أن دول الخليج "ليس من السهولة عليها التخلي عن هذا الوقود، لأسباب كثيرة منها أن الوقود الأحفوري يعد الدخل الاقتصادي الأبرز الذي يساعدها في النمو ورفع قيمة اقتصادها"، مضيفاً: "لذلك ربما ينبغي أن تتم بشكل تدريجي وبطيء جداً".

وأكمل قائلاً: "لا يزال النفط شريان الحياة الرئيسي في دول الخليج، لكونه مصدر نحو 70% من الإيرادات الحكومية في المنطقة التي شهدت لعقود تدفق أرباح هائلة من عملية بيع ما يطلق عليه بـ(الذهب الأسود)".

وأضاف: "الوقود الأحفوري في الوقت الحالي واقع يفرض نفسه، في حين أن أي تحول سريع وغير محسوب سيضر بها وبأمن الطاقة العالمي، وقد ينعكس سلباً لا على دول الخليج وحدها، بل ربما على دول كثيرة ومن ضمنها الفقيرة التي تعتمد عليه".

ضمان اقتصادها

وشأنها شأن البلدان المنتجة للنفط والغاز، تواجه السعودية والإمارات والكويت وقطر وعُمان إلى جانب البحرين، ضغوطاً متزايدة لدفع الاستثمار في مجالات الطاقات البديلة وتقليص مشروعات الوقود الأحفوري، في وقت تتمسك فيه الدول بخطط لتوسيع الاستثمارات فيه لضمان أمنها الطاقي واستقرارها الاقتصادي، قبل الخوض في أي مسار انتقالي نحو الطاقات الجديدة.

وسجلت عائدات الدول الخليجية من الطاقة قفزة مهمة العام الماضي، إذ قفزت مداخيل الإمارات من 76 مليار دولار في عام 2021 إلى 119 مليار دولار في عام 2022، بينما زادت صادرات قطر من 87 مليار دولار إلى 132 مليار دولار، وقفزت بالكويت من 63 مليار دولار إلى 98 مليار دولار.

فيما تضخمت صادرات الطاقة بالسعودية أيضاً، وارتفعت عائداتها من 191 مليار دولار إلى 311 مليار دولار، وفقاً لأرقام أوردتها منظمة "Project Syndicate".

وتقول صحيفة "الغارديان" البريطانية (28 نوفمبر 2023)، إن السعودية تقود خطة استثمارية عالمية ضخمة لزيادة الطلب على الوقود الأحفوري الذي يشمل النفط والغاز في البلدان النامية، بزيادة استخدام السيارات والحافلات والطائرات التي تعمل بالوقود الأحفوري في أفريقيا وأماكن أخرى، وتسريع تطوير السفر الجوي الأسرع من الصوت.

وتمتلك دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من 30% من احتياطيات النفط في العالم، فضلاً عن أكثر من 20% من إجمالي احتياطات الغاز الطبيعي.

الطاقة النظيفة

في تقرير لمجلة "ميد" الاقتصادية (أكتوبر 2023)، ورد أن دول الخليج تخطط لإنفاق 325 مليار دولار على مشاريع الطاقة المستقبلية (النظيفة) التي تشمل النفط والغاز والبتروكيماويات الخالية من الكربون.

وأوضحت المجلة في تقرير لها بعنوان "النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ـ مينا 2023- 2024"، أن الإمارات تتصدر دول الخليج في الإنفاق المخطط على مشاريع الطاقة؛ إذ استحوذت على نحو 29% منه بما قيمته 93.9 مليار دولار.

وجاءت السعودية في المرتبة الثانية، مستحوذة على نحو 26% من الإنفاق، بما قيمته 84.4 مليار دولار، فيما حلت عُمان ثالثة بنحو 79 مليار دولار، بما نسبته 24.3%.

كما حلت قطر رابعة بنحو 40.1 مليار دولار، بما نسبته 12.34% من إجمالي الإنفاق، والكويت خامسة بنحو 7%، بواقع 22.4 مليار دولار، وجاءت البحرين في المرتبة السادسة بـ 5.1 مليارات دولار.

وبحسب التقرير، فإن قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات مجتمعة تشكل ثاني أكبر القطاعات تاريخياً في دول الخليج، حيث تمت ترسية عقود تزيد قيمتها على 280 مليار دولار خلال العقد الماضي.