دول » دول مجلس التعاون

هل تستفيد دول الخليج من أزمة مضيق "باب المندب"؟

في 2023/12/28

سلمى حداد - الخليج أونلاين- 

منذ 31 أكتوبر الماضي، بدأ الحوثيون عملياتهم في البحر الأحمر عندما أعلنوا "الانتصار للمظلومية التاريخية للشعب الفلسطيني" بعد شن دولة الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة جماعية على قطاع غزة في السابع من الشهر نفسه.

وعملت الهجمات الحوثية على تعطيل حركة السفن عبر مضيق "باب المندب"، وتأثرت التجارة العالمية بذلك وخاصة عمليات نقل النفط، وهو ما يحمل انعكاسات دولية وإقليمية.

وترتبط الانعكاسات الدولية بارتفاع تكلفة النقل والتأمين على حركة البضائع عبر البحر، ومن ثم العودة لارتفاع معدلات التضخم، وما يترتب على ذلك من أضرار كبيرة على الاقتصادات العالمية.

أما على الصعيد الإقليمي فإن ارتفاع أسعار النفط سيكون مردوده إيجابياً على دول الخليج النفطية، لكن بالمقابل قد يكون لارتفاع تكلفة النقل تأثيرات سلبية مضادة.

هجمات وتهديدات

وتوعدت جماعة "الحوثي" في أكثر من مناسبة، باستهداف السفن التي تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية، "تضامناً مع فلسطين"، ودعت الدول إلى سحب مواطنيها العاملين ضمن طواقم هذه السفن.

وتوالت الهجمات ضد سفن تقول الجماعة إنها مرتبطة بدولة الاحتلال الإسرائيلي.

وكان ضمن أبرز العمليات إعلان جماعة الحوثي اليمنية، في 19 نوفمبر الماضي، الاستيلاء على سفينة الشحن "جالاكسي ليدر"، المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي، في البحر الأحمر، واقتيادها إلى الساحل اليمني.

وأحدث الهجمات أعلنتها هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، الثلاثاء (26 ديسمبر الجاري)، عندما قالت إنها تلقت تقريراً عن حادث يتعلق بسفينة على بعد نحو 60 ميلاً بحرياً من ميناء الحديدة اليمني، مضيفة أنه سُمع دوي انفجار وشوهدت صواريخ على بعد أربعة أميال بحرية من الموقع.

هذه العمليات دفعت عدة شركات شحن حاويات لتعليق رحلاتها عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر، تحاشياً لتعرضها للخطر الذي يزيد قيمة التأمين على عمليات النقل.

باب المندب

وما يزيد خطورة هجمات الحوثيين أنها توقف الملاحة ولو جزئياً عبر مضيق "باب المندب".

و"باب المندب" مضيق بين أفريقيا وشبه الجزيرة العربية وهو منفذ البحر الأحمر إلى المحيط الهندي، و"يتدفق من خلاله عادة من 12 إلى 15٪ من حجم التجارة البحرية التي تمثل 85٪ من إجمالي التجارة العالمية".

ويعد المضيق أحد أهم المسارات المائية في العالم لشحنات السلع العالمية المنقولة بحراً، خاصة النفط الخام والوقود من الخليج المتجه إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس أو خط أنابيب سوميد، بالإضافة إلى السلع المتجهة إلى آسيا، ومن ذلك النفط الروسي.

ويبلغ عرض باب المندب 30  كيلومتراً في أضيق نقاطه، مما يجعل حركة الناقلات صعبة ومقتصرة على قناتين للشحنات الواردة والصادرة، تفصل بينهما جزيرة بريم.

والبديل الوحيد لهذا المسار هو طريق رأس الرجاء الصالح، أقصى جنوب القارة الأفريقية، والسير فيه يعني ارتفاع تكلفة النقل، بسبب طول الوقت المستغرق واستهلاك الوقود.

ارتفاع أسعار النفط

ولعل أهم ما يمر عبر "باب المندب" من آسيا إلى أوروبا هو النفط، وبنسبة تصل إلى 25% من النفط العالمي، بحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد).

ويمر "الذهب الأسود" من دول الخليج إلى قناة السويس عبر مضيق باب المندب، ومن ثم إلى آسيا وأوروبا.

ونتيجة ذلك فإن أسعار النفط تواصل تحقيق مكاسب أسبوعية منذ نهاية أكتوبر.

وتحولت صناديق التحوط العالمية في ديسمبر الجاري إلى اتجاه أكثر تفاؤلاً بشأن صعود الخام، وذلك للمرة الأولى منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، وفق وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية.

وأحدث صعود للنفط كان في 26 ديسمبر عندما قفزت أسعار النفط قرابة 3% بسبب تجدد هجمات الحوثيين.

أزمة دولية متصاعدة

وفي 17 ديسمبر الجاري، قالت صحيفة "إيكونوميست" الاقتصادية الأشهر في بريطانيا، إنه "في مواجهة المخاطر المتزايدة المتمثلة في إصابة السفن بالشلل ومقتل أطقمها عند باب المندب، تتحول صناعة الشحن العالمية إلى وضع الطوارئ".

ورأت "إيكونوميست" أن هذه الهجمات سيكون لها تداعيات كبيرة أهمها ما يتعلق بالتأثيرات على الاقتصاد العالمي ودول إقليمية، ومخاطر التصعيد العسكري في الشرق الأوسط.

وأوضحت أن الخطر المطول على السفن بالمضيق من شأنه رفع تكاليف التجارة بسبب إعادة توجيه الشحن حول أفريقيا، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف، إذ ستضطر السفن للإبحار لوقت أطول، كما سترتفع تكاليف التأمين في هذه الحالة.

هل تستفيد دول الخليج؟

ولكن هذه الأزمة قد تخلق فائدة للدول النفطية، وبينها دول الخليج العربي، بسبب زيادة إيراداتها من ارتفاع أسعار النفط.

ولكن الخبير الاقتصادي المختص بشؤون النفط والطاقة، عامر الشوبكي، يقول إن "دولاً خليجية عدة ستكون أمام كلف إضافية لنقل النفط والغاز إلى أوروبا تحديداً".

وأضاف الشوبكي، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "جزء مهم من صادرات الإمارات النفطية تذهب إلى القارة الأوروبية، ومن ثم فهي تتحمل أعباء إضافية في تكلفة النقل مقابل الارتفاعات التي جرت على أسعار النفط الخام".

أما السعودية فهي تملك أنبوباً نفطياً يمتد من مدينة بقيق إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر وتستطيع التصدير من خلال هذا الميناء بدلاً من العبور من قبالة الساحل اليمنية.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنه يمكن للمملكة نقل نحو 5 ملايين برميل يومياً من هذا الميناء وهو ما يزيد عن حاجتها التصديرية إلى دول أوروبا، وبذلك يمكن القول إنها تستفيد من ارتفاع أسعار الخام دون تحمل تكاليف إضافية للنقل.

وفي السياق نفسه، قال الخبير الاقتصادي منير سيف الدين، إن "الدول النفطية قد تستفيد من ارتفاع أسعار الخام لكنها بالمقابل ستواجه أزمات مرتبطة بارتفاع تكاليف النقل".

وأضاف سيف الدين، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "استهداف السفن بالبحر الأحمر سيرفع أسعار النفط ومن ثم سترتفع تكاليف النقل البحري عموماً، وكذا معدلات التضخم، وهذا كله سينعكس على الاقتصاد الدولي برمته، سواء كانت الدول نفطية أو غير نفطية".

وتابع: "التضخم سيؤدي لاحقاً إلى تراجع الطلب على النفط وهذا سيعود بالسلب على الدول النفطية".

وأشار إلى أن الكلفة الإضافية للشحن عبر رأس الرجاء الصالح تتراوح ما بين 400 ألف دولار ومليون دولار لكل سفينة.

ولفت إلى أنه بينما كانت تكلفة استئجار ناقلة نفط تحمل مليوني برميل، قبل بدء التوترات واستهداف السفن في البحر الأحمر، 40 ألف دولار يومياً، ارتفع هذا الرقم الآن إلى 60 ألف دولار يومياً.