دول » دول مجلس التعاون

هل تسعى أوكرانيا لحل أزمتها مع روسيا من بوابة الخليج؟

في 2024/01/12

كمال السلامي - الخليج أونلاين-

اهتمام أوكراني بدور خليجي مؤثر في أزمة الحرب المستمرة بين كييف وموسكو منذ قرابة العامين، هذا ما تشي به المباحثات والاتصالات التي لا تكاد تتوقف بين القيادة والدبلوماسية الأوكرانية، ونظيراتها في دول الخليج العربي.

خلال الأيام القليلة الماضية، أجرى الرئيس الأوكراني سلسلة اتصالات مع قادة خليجيين، بالتزامن مع نشاط خليجي يتعلق بملف الوساطة الإنسانية بين أوكرانيا وروسيا، تكللت بالنجاح في الإفراج عن أسرى حرب، وأطفال بين الجانبين.

نشاط وحرص تبديه القيادة الأوكرانية تجاه دول الخليج، التي تتمتع بعلاقة مستقرة بروسيا، وهو ما يجعلها مؤهلة لأداء دور محوري في إنهاء تلك الحرب، التي خلفت آلاف القتلى ودماراً هائلاً بعدد من المدن الأوكرانية، فهل تلعب دول الخليج مجتمعة أو فُرادى دوراً في التوسط لإنهاء هذه الأزمة؟

الوساطة القطرية

في أحدث حلقات التواصل بين القيادة الأوكرانية ودول الخليج، أجرى الرئيس فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء (9 يناير)، اتصالاً بأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بحثا خلاله تطورات الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022.

زيلينسكي بحث مع أمير قطر جهود المجتمع الدولي لوقف القتال في بلاده، وحماية المدنيين، وكذلك "الإبقاء على قنوات الاتصال كافة مفتوحة لحل الأزمة، بالحوار والطرق الدبلوماسية"، وهو ما يشي برغبة أوكرانية في أن يكون لقطر دور في الوساطة مع موسكو.

ويبدو أن الرئيس الأوكراني يسعى للاستفادة من مكانة وسُمعة قطر في مجال الوساطة، ودورها المحوري في حل أعقد الملفات الدولية والإقليمية، للقيام بمهمة التوسط من أجل إنهاء الحرب، في ظل حالة التململ في كييف تجاه الموقف الغربي الذي بدأ مؤخراً يتراجع فيما يتعلق بدعم الجيش الأوكراني في حربه مع روسيا.

وخلال شهري ديسمبر وأكتوبر، كان لقطر دور مهم في تيسير لم شمل قرابة 10 أطفال أوكرانيين بعائلاتهم، بعد وساطة ناجحة بين موسكو وكييف، في الوقت الذي دعت الدوحة في أكثر من مناسبة إلى "ضبط النفس وحل الخلاف عبر الحوار البناء والطرق الدبلوماسية بين موسكو وكييف".

وساطة الإمارات

ويبدو أن الإمارات دخلت أيضاً على خط الوساطة بين أوكرانيا وروسيا، حيث نجحت في التوصل إلى اتفاق لتبادل أسرى الحرب بين كييف وموسكو، يوم 3 يناير الجاري.

وأعلنت الخارجية الإماراتية نجاح وساطتها في التوصل إلى أكبر صفقة تبادل بين روسيا وأوكرانيا، والتي جرى بموجبها الإفراج عن 248 جندياً روسياً لدى أوكرانيا، مقابل 230 أسيراً أوكرانياً.

الخارجية الإماراتية أكدت التزام أبوظبي بمواصلة الجهود الهادفة إلى إيجاد حل سلمي للنزاع في أوكرانيا، مؤكدة موقفها المتمثل في الدعوة إلى الدبلوماسية والحوار وخفض التصعيد، وسعيها لدعم جميع المبادرات التي من شأنها التخفيف من التداعيات الإنسانية الناجمة عن الأزمة.

وسبق أن استضافت أبوظبي مفاوضات بين ممثلين عن روسيا وأوكرانيا، في نوفمبر من العام 2022، تمحورت حول "إمكانية تبادل أسرى الحرب"، كما جددت الإمارات حينها دعوتها "إلى حل النزاع بين موسكو وكييف سياسياً"، وفقاً لوكالة "رويترز".

الدور السعودي

في 20 سبتمبر الماضي، أدلى الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، بتصريح لقناة "فوكس نيوز" الأمريكية، قال فيه إن بلاده تبذل كل ما في وسعها من أجل تفعيل الجهود لتسوية النزاع في أوكرانيا.

ومؤخراً كشفت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، عن اجتماع سري لمستشارين أمنيين، عُقد في ديسمبر الماضي، بين أوكرانيا وممثلين عن مجموعة السبع ودول أخرى، لمناقشة "شروط كييف لإجراء محادثات سلام مع روسيا".

وفي 6 أغسطس 2023 احتضنت السعودية "لقاء جدة" بشأن أوكرانيا، جرى خلاله التشاور بين ممثلين من 40 دولة ومنظمة دولية، حول إيجاد أرضية مشتركة تمهد الطريق للسلام بين موسكو وكييف.

الاجتماع جاء في سياق المساعي السعودية لتأدية دور من أجل التهدئة وإنهاء النزاع في أوكرانيا، خصوصاً أن الرياض تتمتع بعلاقات مستقرة وإيجابية مع روسيا وأوكرانيا على حدٍّ سواء.

الكويت والبحرين

ولا يقتصر المسعى الأوكراني على البحث عن دور للدول الثلاثة التي ذُكرت، بل يممت القيادة الأوكرانية وجهها نحو عواصم خليجية أخرى، وهو ما يؤكد المكانة الكبيرة التي أصبحت تمثلها دول الخليج في السياسة والمنظومة الدولية.

وفي هذا السياق، تلقى أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، 8 يناير، اتصالاً من الرئيس الأوكراني، جرى فيه بحث العلاقات الثنائية، كما قدم زيلينسكي عرضاً عن مستجدات الأزمة مع روسيا، ودعا الأمير الجديد للمشاركة "في الاجتماع المقبل لمستشاري الأمن القومي والمستشارين السياسيين بشأن تنفيذ صيغة السلام الأوكرانية"، الذي سيعقد لاحقاً.

وعلى ذات الصعيد، تلقى ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، أول اتصال من نوعه بين قيادة البلدين منذ بدأت العلاقات بينهما، أجرى خلاله زيلينسكي بحث العلاقات الثنائية، إضافة إلى عرض رغبة أوكرانيا في أن تدعم البحرين صيغة السلام الأوكرانية، فضلاً عن إطلاعها على جهود كييف لدعم تصدير الحبوب دون عوائق عبر البحر الأسود.

اهتمام خليجي

ولعل من مصلحة دول الخليج أن يكون لها حضور في حلحلة الأزمة الروسية الأوكرانية، ووفقاً للمحلل السياسي والمستشار الأمني الكويتي ناصر المصري، فإن الدول الست مهتمة بهذا الملف.

وأشار المصري، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن لدول الخليج أسباباً منطقية للاهتمام بالملف الأوكراني الروسي، منها "التوازن بين القوى المختلفة"، مشيراً إلى أن من مصلحتها التوجه نحو روسيا والصين أكثر، لإيصال رسائل لواشنطن والغرب، وبما يؤدي إلى نوع من التوازنات.

وأضاف أن أوكرانيا بلد صغير مقارنة بروسيا، لكن دول الخليج حرصت على الوساطة بينهما، وآخر تلك الوساطات نجاح الإمارات في الإفراج عن عدد كبير من أسرى الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وهذا – حسب قوله – "ينسجم مع إيمان دول الخليج بالوساطة والبعد الإنساني لها".

لكنه يعتقد أن موقف أوكرانيا "لا يزال سيئاً، بالرغم من كل ما قامت به دول الخليج، خصوصاً بعد ضربة الـ7 من أكتوبر"، مشيراً إلى أن كييف "وقفت مع العدو الإسرائيلي بكل وضوح".

وقال المصري: "لم نطلب منها التحول 180 درجة، لكن على الأقل، بقدر إيمانها بحق "إسرائيل" كدولة كان من المفترض أن تؤمن بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم الخاصة"، أو على الأقل "تقف موقفاً حيادياً".

واستطرد قائلاً:" "أوكرانيا، مع الأسف، لم تلتزم بالحياد، بعكس الروس، الذين آمنوا بأن الفلسطينيين لهم الحق في دولة مستقلة، شأنها في ذلك شأن أي دولة أخرى، كما لم يؤمنوا بالطرح الإسرائيلي أو الأمريكي والأوروبي وغيره فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين، إنما أعطوهم حقهم بالكامل، ونتوقع المزيد، وهذا شيء جيد في حد ذاته".

مصالح مرتقبة

ويرى المستشار الأمني الخليجي ناصر المصري، أن اهتمام وتفاعل دول مجلس التعاون بالملف الأوكراني الروسي يمنحها فرصة "نقل التكنولوجيا وتوطينها، وكذلك الاستفادة بقضية الأمن الغذائي من حبوب وغيرها، سواء من روسيا أو أوكرانيا".

وشدد، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، على أن "البراغماتية في هذه المرحلة مهمة جداً بالنسبة لدول الخليج، خصوصاً في علاقاتها مع روسيا والصين وأمريكا وبريطانيا".

وأشار إلى أنه من المهم إقامة صداقات مع أطراف دولية، لتحقيق مصالح استراتيجية، وأكد إمكانية استفادة دول الخليج من الجانب الآخر الروسي والصيني في هذه المسألة، لافتاً إلى دورهم في مجلس الأمن وفي الطرح الذي يتفوق على الطرح الأمريكي الغربي البريطاني.

وأشار إلى أن دول الخليج تسعى لتعزيز علاقاتها مع روسيا والصين أيضاً، وهذا تجلى في قضية الطاقة، حينما لم تخضع تلك الدول لما تريده الولايات المتحدة، ونفذت ما تريده بالتنسيق مع موسكو، وهذا خلق توازناً بين العرض والطلب في أسواق النفط.

وختم المصري قائلاً: "الشيء الآخر، قضية العلاقات الصينية العربية الخليجية، ولا سيما السعودية، والانفتاح عليها، وخلق البديل في المنتجات والصناعات والأدوية، وقد نصل إلى الأسلحة".