يوسف حمود - الخليج أونلاين-
ضربت طبول الحرب في جنوب الجزيرة العربية مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا شن هجمات جوية على مواقع جماعة الحوثي في اليمن، للرد على هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة كثّف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر من أجل منع حركة الملاحة البحرية الإسرائيلية هناك، مؤكدين تضامنهم مع الفلسطينيين في غزة.
وبسبب تلك الهجمات دخلت واشنطن ودول غربية في مواجهة مع جماعة "الحوثي"، التي توعدت بالرد الكبير على ما تعرضت له من هجمات على مواقعها في اليمن، ما يضع التساؤلات الكثيرة حول مصير الشرق الأوسط والمحيط الإقليمي وتداعيات هذا الهجوم.
هجوم كبير
على مدار أسابيع، هددت أمريكا وحلفاؤها بشن ضربات على الحوثيين بسبب الهجمات التي تعرضت لها السفن التجارية في البحر الأحمر، على خلفية التطورات في فلسطين مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة منذ الـ7 من أكتوبر الماضي.
وفي الساعات الأولى من يوم الـ12 من يناير، شن الجيشان الأمريكي والبريطاني ضربات جوية على أهداف متعددة للحوثيين في اليمن، فيما يُمثل رداً مهماً بعد أن حذرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الجماعة المسلحة المدعومة من إيران من أنها ستتحمل عواقب الهجمات المتكررة على سفن الشحن التجاري في البحر الأحمر.
ولعل هذه الضربات جاءت بعد أن وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على قرار يدعو الحوثيين إلى "وقف هجماتهم الوقحة" في الممر المائي الحيوي تجارياً.
وقال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في بيان إن الضربات نفذتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بدعم من أستراليا والبحرين وكندا وهولندا، ودول أخرى فيما قالت القوات الجوية الملكية البريطانية (RAF) إنها شنت ضربات ضد منشأتين للحوثيين في اليمن خلال العمليات المشتركة.
ويقول مسؤولون أمريكيون وبريطانيون إن الضربات التي شنتها الطائرات المقاتلة وصواريخ "توماهوك" أصابت أهدافاً كثيرة، مع تكرارها في أكثر من مرة وأصابت منصات جوية وبحرية فوق السطح وتحته، فيما قال مسؤولون حوثيون إن الغارات استهدفت مواقع عدة في اليمن، ومن ضمنها المطارات.
وذكرت الجماعة على لسان مسؤوليها أن الهجوم الأول أدى إلى مقتل 6 من عناصرهم وإصابة 5 آخرين، مشيرين إلى أنها لم يكن لها تأثير على قدراتهم العسكرية.
ودافع وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، الأحد (14 يناير)، عن الضربات التي نفذتها بلاده ضد مواقع الحوثيين، مؤكداً أنها كانت دقيقة وستتكرر إن لم تتوقف المليشيا عن مهاجمة السفن في البحر الأحمر.
مناقشات طويلة
لم يكن الهجوم وليد اللحظة، بل سبقه تهديدات ثم اجتماعات موسعة، وصولاً إلى إقراره، فقد كشف موقع "بوليتيكو" الأمريكي (12 يناير)، كواليس القرار الذي بموجبه شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها هجوماً مركزاً ضد أهداف للحوثيين في اليمن ليل الخميس - الجمعة.
وفق الموقع، فإن المناقشات استمرت أياماً، رغبة من بايدن في استنفاد الخيارات الدبلوماسية، وسط انقسام بين إدارته ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بشأن الرد على هجمات الحوثي الملاحة الدولية.
في الاجتماع الذي عقد صبيحة مطلع العام، بعد أن شنت مليشيا الحوثي هجوماً آخر على سفينة شحن دولية في البحر الأحمر، أبدى الرئيس الأمريكي استعداده حينئذ لمناقشة احتمالات الرد العسكري على هذه الهجمات.
وأشار "بوليتكو" إلى أن توجيهات بايدن اتخذت شقين؛ إذ وجه فريقه إلى بذل المزيد من الجهد على الجبهة الدبلوماسية لإصدار قرار من الأمم المتحدة بإدانة الهجمات؛ وأمر البنتاغون بإعداد العدة لخيارات الرد العسكري على مليشيا الحوثي.
ووفق الموقع، فقد آلت مناقشات الاجتماع بعد نحو 10 أيام من انعقاده إلى تنفيذ الولايات المتحدة وحلفائها ضربات واسعة النطاق على أهداف تابعة للحوثيين في اليمن.
وفي 3 يناير أصدرت الولايات المتحدة و13 دولة أخرى، بياناً أنذرت فيه الحوثيين أنهم سيتحملون "العواقب" الكاملة لأية هجمات أخرى على السفن التجارية.
تحذيرات دولية
وبين مرحب ومندد كانت التصريحات الواردة من عواصم عربية ودولية على إثر الهجوم، والتي تحذر من توسع الحرب والصراع في المنطقة، هي الأبرز.
وتعتبر السعودية أشد المتضررين؛ لمحاذاتها باليمن، خصوصاً أنها خاضت حرباً واسعة استمرت نحو 9 سنوات مع الحوثيين، وتعمل حالياً على الخروج إلى حلٍّ سياسي ينهي الحرب اليمنية بتوافق محلي وبرعاية دولية.
وكان لافتاً من بيانها عقب الهجوم الأول، حينما دعت إلى "ضبط النفس وتجنب التصعيد"، معبرة في الوقت ذاته عن "القلق البالغ من العمليات العسكرية التي تشهدها منطقة البحر الأحمر والغارات الجوية التي تعرض لها عدد من المواقع في الجمهورية اليمنية".
في الطرف المقابل فإن حليفة الحوثي "إيران" نددت بالهجوم الأمريكي البريطاني، وحذرت من أنه سيفاقم "انعدام الأمن والاستقرار" في المنطقة، حيث نقلت وسائل إعلام رسمية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، القول في بيان، الجمعة: "ندين بشدة الهجمات العسكرية التي نفذتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هذا الصباح على عدة مدن في اليمن".
من جهته، قال وزير الخارجية العماني، بدر البوسعيدي، الجمعة (12 يناير)، إن الهجوم "يتعارض مع نصائح عمان ولن يؤدي إلا إلى صب الزيت على وضع خطير للغاية"، في وقتٍ أكدت وزارة الخارجية الكويتية أن "دولة الكويت تتابع بقلق واهتمام بالغين تطورات الأحداث في منطقة البحر الأحمر".
وتبرز المواقف الدولية التخوف من أن يتطور الأمر إلى تصعيد إقليمي يؤثر بشكل رئيسي على دول الخليج بشكلٍ خاص، حيث تقع بين نارين؛ تصعيد الحوثي، والدعم الذي قد تتلقاه من إيران من جهة، ومليشياتها المنتشرة في العراق وسوريا ولبنان، من جهة أخرى.
مخاوف جدية
يقول الباحث والمحلل السياسي نجيب السماوي، إن ما يحدث حالياً "كان متوقعاً تماماً"، موضحاً بقوله: "منذ الوهلة الأولى صدرت التحذيرات التي وصلنا لها الآن من أنه كلما طال أمد الحرب في غزة، زادت مخاطر التصعيد واشتعال الوضع في المنطقة، وهو الأمر الذي أساساً كانت واشنطن تتخوف منه وأرسلت بوارجها العسكرية للمنطقة للحد من ذلك التصعيد".
ويرى، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن هذه الهجمات "لن تمنع الحوثيين من شن هجمات أخرى في البحر الأحمر، بل العكس هو الصحيح، حيث إن الحوثيين لا يملكون مواقع واضحة يستطيع الأمريكان القضاء عليها لوقف هذا الخطر".
ويلفت إلى أن دول الخليج "كانت منذ الوهلة الأولى تحاول الابتعاد عن التصعيد من خلال رفضها الدخول في الحلف المعلن، غير أن البحرين وضعت نفسها في موقفٍ محرج، وهو ما يجعلها ضمن المستهدفين، سواء من إيران أو عبر مليشياتها، التي قد تنفذ أي هجمات في أي وقت".
ولم تدخل إيران حتى اللحظة في التصعيد في المنطقة منذ بدء العدوان على غزة في الـ7 من أكتوبر الماضي، لكنها تدعم شبكة من الحلفاء، تمتد من البحر المتوسط إلى الخليج تعرف باسم "محور المقاومة"، وهو الذي قد تستخدمه في أي لحظة للتخفيف أيضاً عن الحوثيين، حسب السماوي.
ومثلما تخشى واشنطن من التصعيد، يرى السماوي أن طهران "ما زالت تخشى اتساع نطاق الصراع؛ لأنها لا تريد التعرض مباشرة لانتقام محتمل"، وهو أمر بذات الوقت تخشاه دول الخليج، لأنه سيؤثر عليها، خصوصاً مع محاولاتها الجادة للنأي بنفسها عن أي صراع ضمن مخططاتها لتحسين اقتصاداتها بعيداً عن التوترات.
وقبل العدوان على غزة كان اليمن يمر منذ نحو عام بهدوء نسبي، وسط جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة، حيث ترى السعودية والإمارات أن الاستقرار الإقليمي مهم لخططها الاقتصادية، وهو ما دفع الرياض تحديداً لاستئناف علاقاتها الدبلوماسية مع إيران العام الماضي، بعد سنوات من العداء، وهو ما قد يزعج واشنطن.