محمد أمين - الخليج أونلاين-
تتجه الأنظار إلى مدينة "دافوس" السويسرية التي اشتهرت منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، باستضافتها المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي لا يزال يحتفظ بأهميته رغم التحديات والأزمات المتصاعدة، وذلك باعتباره مساحة للحوار بين زعماء العالم، ولمناقشة التحديات العالمية على مختلف الأصعدة.
وتحت شعار "إعادة بناء الثقة" يُعقد المنتدى خلال الفترة الممتدة من 15 إلى 19 يناير الحالي، بمشاركة مئات الشخصيات العامة، وأكثر من 60 رئيس دولة وحكومة، وسط حضور خليجي لافت.
ورغم أن الآمال كانت معقودة على هذه النسخة من المنتدى لتلافي صدمات الطاقة وتجاوز ما خلَّفته جائحة كورونا خلال الأعوام الماضية، فإن التطورات الأخيرة التي يشهدها الشرق الأوسط أنهت هذه الآمال، ليبقى العالم عالقاً في أزمات لا متناهية.
تحديات جمَّة
يبدو أن شعار "إعادة بناء الثقة" بعيد المنال إذا ما نظرنا إلى الأزمات الحالية في المنطقة، وأبرزها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتهديد التوتر العسكري في البحر الأحمر لسلاسل الإمداد العالمية، إضافة إلى قرب دخول الحرب الروسية - الأوكرانية عامها الثالث.
وقال المحلل الاقتصادي يونس الكريم، إن النسخة الحالية من المنتدى لا تختلف عن النسخ السابقة؛ لكونها "تتركز على تحديد الضرر الذي لحق بالاقتصاد العالمي، وليس اتخاذ قرارات للحل".
وأوضح الكريم لـ"الخليج أونلاين"، أن الحلول تأتي من خلال قرارات سياسية تكون داعمة للقرارات الاقتصادية، مشيراً إلى أن "مجرد الحديث عن أن التوتر في مضيق باب المندب قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط لا يعني انتهاء التوتر، بل يجب أن يكون هناك تدخل دولي لتفادي ذلك".
وأضاف أن الشرق الأوسط حالياً بات "منطقة محمومة" نتيجة الأوضاع في فلسطين و"باب المندب"، لافتاً إلى أن المجريات الحالية تنذر بتدهور الوضع الاقتصادي خلال العام الحالي (2024).
تقارب خليجي وطرح رؤى اقتصادية
منذ اليوم الأول للمنتدى، أضحى جلياً مدى التقارب بين الدول الخليجية المشاركة فيه، من خلال تصريحات أدلى بها عدد من المسؤولين خلال الجلسات الحوارية والمناقشات الواسعة.
وخلال جلسة حول "اقتصادات الخليج"، أكدت قطر على لسان وزير المالية علي بن أحمد الكواري، أن هناك رؤية اقتصادية موحدة عبر مجلس التعاون الخليجي، وأن ما بين الدول الست يعد "تكاملاً وليس تنافساً".
الكواري أكد أيضاً وجود رؤى مستقبلية بعيدة المدى لدول الخليج العربي، وتحدث عن نقاط القوة التي تتمتع بها، ومن أبرزها "صناديق الثروة السيادية".
أما السعودية، فقد أكدت أن دول الخليج تستقطب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مشيرة إلى أن موقعها الجغرافي يجعلها محوراً للتجارة العالمية، وفق تصريح لوزير الاستثمار خالد الفالح.
ولفت الفالح إلى أن المملكة تنتقل تدريجياً إلى "الاقتصاد الأخضر"، الذي يهدف إلى الحد من المخاطر البيئية، وتحقيق تنمية مستدامة دون أن تؤدي إلى التدهور البيئي.
الإمارات بدورها أكدت على لسان رئيس دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، أحمد جاسم الزعابي، أنها تعمل لتكون قطباً للأعمال والاستثمار ووجهة للشباب والعالم.
من جانبها أشارت تصريحات وزير المالية والاقتصاد الوطني البحريني الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة، إلى أن وتيرة النمو الاقتصادي في منطقة الخليج تسير نحو المسار الصحيح للدفع بعجلة التنمية الاقتصادية نحو آفاقٍ أكثر تطوراً ونماء.
السير نحو التكامل الخليجي
تتمتع العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي بتاريخ طويل من النماء والازدهار، حيث تتبنى سياسات عملية، وتطبيق واقعي لمشاريع التكامل الاقتصادي تحت مبدأ "خطوة تلو خطوة"، بهدف تحديد الأهداف ووتطوير برامج يمكن تطبيقها.
ومرت دول المجلس بعديد من المحطات والمواقف سلبية كانت أو إيجابية، لكن ذلك لم يؤثر على هدفها المتمثل ببناء كيان اقتصادي قوي يرسخ مكانة مرموقة على خريطة القرارات الاقتصادية العالمية.
وتبوأت دول المجلس مراكز الصدارة في عديد من المؤشرات والتقارير الإقليمية والعالمية، وفي القضايا المتعلقة بالتنمية الشاملة التي تُعنى بمجالات عدة، أبرزها الاقتصاد والبيئة، وذلك بفضل خطط تنموية استراتيجية طموحة.
وأكد المحلل الاقتصادي يونس الكريم، أن دول الخليج لديها تطلعات نحو التكامل الاقتصادي، مشيراً إلى وجود بعض العقبات في هذا الإطار.
وأضاف الكريم، أنه يتم العمل حتى الآن على أمور عدة، منها تطوير البنية التحتية الخليجية للوصول إلى التكامل.
كما أكد وجود كثير من القواسم المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي يسهل الوصول إلى التكامل في ما بينها، مشيراً في الوقت ذاته إلى التنافس الموجود بين الدول في القطاعات الاقتصادية.
تحديات تواجه الدول الخليجية
ذكر المحلل الاقتصادي يونس الكريم، أن أمام دول مجلس التعاون "تحديات سياسية، وتحديات الاقتصاد المعرفي، إلى جانب عدم وجود بنية تشريعية موحدة تحكم الخليج العربي، حيث توجد بنية لكل دولة على حدة، ما يزيد من التنافس في المنطقة".
وقال الكريم، إن المشاكل السياسية في الدول المجاورة تنعكس سلباً على دول مجلس التعاون، إضافة إلى طبيعة العلاقات مع الدول الكبرى "أمريكا، الصين، روسيا" باعتبارها دولاً متنافسة عالمياً.
وأوضح أنه "رغم محاولة الخليج العربي الاستفادة من التصادم الدولي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا للحصول على مكاسب، فإن الأمر لا يتم بسهولة، حيث ترى واشنطن أن أية استفادة من الاقتصاد الصيني أو الروسي بمثابة عداء لها".
وأشار إلى أن "الولايات المتحدة تعتبر وجود رؤوس الأموال الروسية في الإمارات بمنزلة غسل أموال لموسكو، لذلك تشدد مراقبة النشاط المصرفي الإماراتي"، مؤكداً أن هذا الأمر "بالغ الحساسية؛ لكونه يصعب اعتماد الخليج العربي لإقامة منصات لتحويل الأموال؛ خوفاً من وجود شبهة لشركة خاضعة لعقوبات اقتصادية".
ويرى الكريم، أن "عملية التمويل تحتاج إلى وجود أسواق مالية والتي بدورها لا يمكن إقامتها في دول الخليج العربي قبل أن تكون هناك بنية تشريعية حقيقية ومؤسسات اقتصادية تدير منطقة الخليج كوحدة واحدة وليس على مستوى الدول".