يوسف حمود - الخليج أونلاين-
لا يتوقف منذ سنوات طويلة الحديث دون جدوى حول إصلاح وتوسيع مجلس الأمن، مرتكزاً على إصلاح آليات العمل لتحقيق نجاعة أكبر في أداء المجلس لمهمته المكلف بها وفق ميثاق الأمم المتحدة، كصون السلم والأمن الدوليين، إضافة إلى توسيع عدد أعضائه.
وطرح عدد لا يحصى من المقترحات داخل الأمم المتحدة لإصلاح مجلس الأمن الذي كان هدفاً لعديد من الانتقادات على امتداد أكثر من عقدين، ولكن دون إحراز أي تقدم يُذكر، وكان من بين ما طرح مقترحات خليجية تتكرر بين الحين والآخر، كان آخرها مع العدوان الإسرائيلي على غزة، وفشل المجلس في اتخاذ إجراء لوقف الحرب.
ورغم إيمان الكثيرين بحتمية إصلاح مجلس الأمن، فإن أصحاب الرؤية الواقعية للتوازنات (الجيو- استراتيجية) يؤكدون استحالة التقدم في هذا الاتجاه، خاصة أن فكرة الإصلاح والتوسيع ليست وليدة اليوم، بل كانت هدف عديد من المبادرات منذ ستينيات القرن الماضي، إلا أنها دائماً ما انتهت إلى طريق مسدود.
دعوات خليجية
وقفت واشنطن في مجلس الأمن جداراً منيعاً أمام كل المحاولات لإيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة، منذ الـ7 من أكتوبر الماضي، الذي راح ضحيته نحو 100 ألف شهيد وجريح من المدنيين، وهو أمر استفز دولاً خليجية، حيث دعت إلى إصلاح المجلس لضمان تمكينه من القيام بواجباته الأساسية.
في بيان للخارجية السعودية تعليقاً على نقض أمريكا مشروع قرار قدمته الجزائر نيابة عن الدول العربية (20 فبراير 2024)، يدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أعربت "عن أسفها جراء نقض مشروع القرار الذي يدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة ومحيطها".
وشددت على أن "هناك حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إصلاح مجلس الأمن؛ للاضطلاع بمسؤولياته في حفظ الأمن والسلم الدوليين بمصداقية ودون ازدواجية في المعايير"، محذرة من "تفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة ومحيطه، وتصاعد العمليات العسكرية التي تهدد الأمن والسلم الدوليين".
أما الخارجية الكويتية فقد أعربت عن أسف بلادها لاستخدام حق النقض الفيتو مجدداً في مجلس الأمن، قائلة: إن "الفيتو حال دون إصدار قرار يدعو إلى وضع حد للعدوان الوحشي الذي تشنه قوات الاحتلال على شعب فلسطين الأعزل منذ أكثر من أربعة أشهر".
وشددت على أن "فشل مجلس الأمن باعتماد مشروع القرار يجسد بشكل مؤسف حجم التحديات التي تواجه الإرادة الدولية، مما يستدعي التحرك السريع لمواجهتها ومعالجتها لضمان تمكين مجلس الأمن القيام بواجباته الأساسية".
أما وزارة الخارجية القطرية فقد أصدرت بياناً عبرت فيه عن أسفها العميق لإعاقة مشروع القرار، معتبرة أن "العدوان الغاشم المستمر على غزة يفضح مرة تلو الأخرى ازدواجية المعايير وتباين مواقف المجتمع الدولي إزاء جرائم الحرب الممنهجة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني".
وفي نفس السياق قالت وكالة الأنباء العُمانية في حسابها على منصة "إكس": إن "سلطنة عُمان تُعرب عن أسفها واستنكارها لفشل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في إصدار قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزّة، وذلك نتيجة لتكرار استخدام حق النقض".
وبشكل مجتمع ألقت مندوبة قطر في المجلس بياناً خليجياً لاستنكار عرقلة القرار؛ "كونه مشروع قرار إنساني في مضمونه ويتسق مع القانون الدولي الإنساني".
ليست الأولى
لم تكن الدعوات الخليجية هي الأولى لها، لكنها الحديثة بالنسبة للكويت والسعودية، حيث سبق أن دعت إلى جانب دول الخليج الأخرى إلى العمل على إصلاح مجلس الأمن، وتوسيع عدد الأعضاء.
وبسبب العدوان الإسرائيلي على القطاع، كانت قطر قد أكدت، في 22 نوفمبر 2023، أن مسألة إصلاح مجلس الأمن "تمثل تحدياً مهماً، وهدفاً استراتيجياً للمجموعة الدولية لارتباطها الوثيق بإحدى الركائز الرئيسية للأمم المتحدة المتمثلة في صون السلم والأمن الدوليين".
ولفتت إلى أن المجلس هو الجهاز الرئيسي للأمم المتحدة المعني بضمان حفظ السلم والأمن الدوليين، وذلك استناداً إلى ولايته بموجب الميثاق.
وأكدت أن إصلاح المجلس "بات ضرورة ملحة، خاصة في ظل النزاعات والأزمات الإنسانية المتفاقمة في العالم، وفي مقدمتها الأزمة الإنسانية الكارثية، والتصعيد الخطير في قطاع غزة، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ظل يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني".
في 18 نوفمبر 2022، قال السكرتير الأول للكويت لدى الأمم المتحدة فهد محمد حجي، إن هناك عدداً من التحديات الخاصة بمسألة إصلاح مجلس الأمن، أبرزها مسألة حق النقض "الفيتو"، حيث "أسهم التعسف باستخدامه أحياناً، خلال السنوات الماضية، في النيل من مصداقية المجلس"، حسب قوله.
وأعربت الكويت عن أسفها لأن الغالبية العظمى من حالات استخدام الفيتو، خاصة خلال العقود الثلاثة الماضية، كانت تجاه قضايا تخص المنطقة العربية.
ودعت في بيانها إلى أن تأخذ أي زيادة قد تطرأ على مقاعد مجلس الأمن في الحسبان إتاحة فرصة أكبر للدول الصغيرة في الوصول إلى عضوية المجلس والمساهمة في أعماله.
ويتألف مجلس الأمن حالياً من 15 دولة، منها 5 دائمة العضوية هي الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة، و10 أعضاء تنتخبهم الجمعية العامة وفق التوزيع الجغرافي.
وتمتلك الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض "الفيتو"، الذي يعطي أي دولة من الدول الخمس حق إجهاض أي قرار يقدم لمجلس الأمن دون إبداء أسباب.
مقترحات وخطوات
وتتشارك مع دول الخليج دول كبرى في مسألة إصلاح مجلس الأمن، حيث يروج في الأثناء نموذج جديد مقترح للإصلاحات، أطلقته مجموعة (البرازيل وألمانيا والهند واليابان)، تدعو إلى إلحاق ستة أعضاء دائمين آخرين.
وليس من المستغرب أن تكون البلدان الأربعة متنافسة منذ فترة طويلة على المقاعد الدائمة التي ظلت امتيازاً لخمس دول منذ إنشاء المنظمة الدولية قبل 79 عاماً.
وتقترح مجموعة الأربعة أن يُنتخب الأعضاء الدائمون الستة الجدد في مجلس الأمن بما يضمن صعود اثنتين من الدول الأفريقية الأعضاء، واثنتين من الدول الأعضاء في آسيا والمحيط الهادئ، وعضو من دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وعضو واحد من دول أوروبا الغربية ودول أعضاء أخرى.
وفي أغسطس من العام الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، دعمه توسيع مجلس الأمن وزيادة عدد الأعضاء الدائمين فيه، وقال إن إدارته قامت بسلسلة من المشاورات وستستمر في ذلك.
عقود من العمل
يرى الكاتب والباحث السياسي مسار عبد المحسن راضي، أن ما يطرح في الأمم المتحدة عن ضرورة إعطاء مقعد دائم للعرب في مجلس الأمن، وزيادة نسبة المقاعد غير الدائمة للعرب، بأنها "فكرة جميلة".
لكن ما وصفها راضي بـ"الفكرة الجميلة" تحتاجُ، وفق قوله في حديث سابق لـ"الخليج أونلاين"، إلى "عقود من العمل لا الانتظار، وتشغيل العقول ومراكز الفكر العربية".
وحول الفيتو، يعتقد راضي أن هذا الحق الذي تمارسه القوى العُظمى هو من "الأثقال الدولية النادرة لتثبيت المنظمات الدولية -تعبير لعالم السياسة جوزيف فرانكل– والتي ما زالت تمثل البعد الحقيقي العملي فيما يُسمى بالنظام الدولي، لحد هذه اللحظة".
ويستشهد راضي بقول للأكاديمي الأمريكي روبرت كيوهان، الذي يعمل في مجالات العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، بأن "كُلفة إنشاء المنظمات الدولية أكبر من كُلفة المحافظة عليها".
وختم راضي قائلاً: "رغم أن هذه العبارة تبدو تجريدية وسفسطائية نوعاً ما، لكنها تتسق تاريخياً مع ما سجلته مذكرات تشرشل (رئيس وزراء بريطاني سابق قادها خلال الحرب العالمية الثانية) حول حقائق العالم، ومفادها أن على الدول الصغيرة ألا تذهب بعيداً في تصوراتها بأن لها حقوقاً مثل الدول الكبيرة".
أما ناصيف حتي، الناطق السابق باسم الجامعة العربية، فيرى أنه "لا يوازي الحماس والتطلع لإصلاح مجلس الأمن وتوسيعه إلا التنافس القائم والمقبل بين المرشحين المحتملين لأي فئة انتموا".
ويعتقد أن ذلك يجعل عملية الإصلاح وضرورة إنجازها "عملية ليست بالسهلة، ودونها كثير من العوائق، رغم ضرورة إنجاز هذا الإصلاح أياً كانت طبيعته، وذلك خدمة للسلم والأمن الدوليين".
وأضاف: "أفكار ومقترحات كثيرة على طاولة النقاش، كلها تندرج تحت عنوان قوامه ضرورة إصلاح مجلس الأمن لجعله أكثر تمثيلاً للنظام الدولي الجديد؛ ما يعزز شرعية دوره بوصفه المسؤول الأول عن الأمن والسلم الدوليين، ومن ثم فاعلية هذا الدور الأكثر من ضروري في عالم تتشابك وتتداخل فيه الخلافات والنزاعات التي تهدد الأمن الإقليمي في حالات معينة".