كمال صالح - الخليج أونلاين-
عامان على اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وهي الحرب التي مثلت اختباراً للعلاقات الدولية، وفي المقدمة علاقة دول الخليج بروسيا، والولايات المتحدة ودول الغرب.
ومنذ اليوم الأول للحرب، اتخذت دول الخليج موقفاً متوازناً، أغضب الولايات المتحدة الأمريكية، وتسبب بحالة من الفتور في العلاقة بينهما، لكن سرعان ما تلاشى ذلك لأسباب كثيرة، أبرزها الحاجة للطاقة.
فالعقوبات الغربية التي طالت روسيا خلقت أزمة طاقة في أوروبا التي لا يقوى سكانها على برد الشتاء، فكانت دول الخليج، وفي المقدمة قطر، ملاذاً ضرورياً لها، كما كانت بعض دول الخليج ملاذاً ومتنفساً لروسيا.
موقف مبدئي
منذ اليوم الأول للحرب، التي اندلعت في 24 فبراير 2022، تخندقت دول الغرب، ومن ورائها الولايات المتحدة، بقوة خلف أوكرانيا، وباستثناء الضغط على الزناد، فإن تلك الدول انخرطت في الحرب، وجندت كل قدراتها لدعم كييف، بما في ذلك تقديم السلاح والعتاد والتقنية لصالح الجيش الأوكراني.
هذه الحرب وضعت دول الخليج أمام خيارات مهمة وتاريخية، ويبدو أنها أحسنت الاختيار، من خلال الموازنة بين ما هو سياسي، وبين ما هو اقتصادي وإنساني.
وفي الـ2 من يونيو 2022، أكد المجلس الوزاري الخليجي، أن موقف دول المجلس من الأزمة الأوكرانية مبني على "مبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، والحفاظ على النظام الدولي القائم على احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها".
هذا الموقف كانت ترجمته فعلية، حيث امتنعت الإمارات، في 26 فبراير 2022، عن التصويت على مشروع قرار أمريكي يدين الهجوم الروسي على أوكرانيا، كما امتنعت دول الخليج مجتمعة من الموافقة على تعليق عضوية موسكو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مطلع أبريل من العام 2022.
النأي بالنفس
فرضت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون عقوبات واسعة ضد موسكو؛ رداً على حرب أوكرانيا، وبالرغم من الضغوطات الأمريكية الغربية على دول الخليج لتطبيق تلك العقوبات، فإن الأخيرة آثرت النأي بالنفس.
ووفقاً لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فإن دول الخليج أكدت خلال الاجتماع الوزاري، في 1 يونيو 2022، عدم مشاركتها في تبني العقوبات الغربية على روسيا.
مبادرات خليجية
في حوار أجراه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، في سبتمبر 2023، قال إن المملكة تبذل كل ما في وسعها من أجل تفعيل الجهود لتسوية النزاع في أوكرانيا.
وقبلها بشهر تقريباً، أي مطلع أغسطس 2023، استضافت مدينة جدة السعودية اجتماعاً دولياً يضم ممثلين عن 40 دولة ومنظمة دولية، بشأن الأزمة الروسية الأوكرانية، نتج عنه الاتفاق على مواصلة التشاور الدولي بما يسهم في بناء أرضية مشتركة تمهد الطريق للسلام.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، نشطت الوساطة الخليجية أيضاً بين طرفي الصراع، إذ نجحت الوساطة الإماراتية في إبرام ثلاث صفقات تبادل لأسرى الحرب بين موسكو وكييف، نتج عنها الإفراج عن المئات من الجانبين، كما نجحت قطر في التوسط للم شمل عدد من القاصرين الأوكرانيين بأسرهم، بعد مفاوضات قامت بها الدوحة مع الجانب الروسي.
ولعل الأهم في موضوع الحرب الروسية الأوكرانية هو إصرار دول الخليج على الظهور كطرف محايد، بل إن الإمارات والسعودية استقبلتا بترحاب بالغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أبوظبي والرياض، في زيارة حملت الكثير من الدلالات بالنسبة للغرب، الذي اعتقد أن بوتين أصبح معزولاً وغير قادر على الحراك.
موقف واقعي
وعن ذلك يقول الصحفي والباحث في الشؤون الدولية سالم الجهوري: إن "الموقف الخليجي واقعي، براغماتي، استطاع خلال العامين الماضيين منذ اندلاع هذه الأزمة، أن يكون منفتحاً على الطرفين؛ نظراً للمصالح المشتركة بين دول المجلس الست، وكذلك روسيا وأوكرانيا".
ولفت الجهوري في حديث لـ"الخليج أونلاين" إلى أن "هذا الموقف جعل دول المجلس أكثر وضوحاً لدى الطرفين المتحاربين، وكذلك لدى الأطراف الغربية"، مشيراً إلى أن ذلك جعلها "مهيأة لأن تقوم بأي دور لحلحلة الأزمة الأوكرانية الروسية".
ويشير إلى أنه كانت هنالك جهود بذلتها سابقاً السعودية وبعض دول مجلس التعاون لتقريب وجهات النظر وإيجاد مخرج لأزمة أوكرانيا، "إلا أنها توقفت، كما توقفت جهود حل الأزمة اليمنية، بسبب الحرب في غزة".
وقال الجهوري: "دول الخليج تستطيع من خلال إمكانياتها وسمعتها ومصداقية الأطراف فيها أن يكون لها دور (في حل أزمة أوكرانيا)، وأنا على ثقة من أنها ستعاود دورها عندما تنتهي الأزمة في قطاع غزة".
نقطة تحول
ويرى الجهوري أن دول الغرب لم تستطع التأثير على موقف دول الخليج، أو أن تجذبها إلى مساحتها التحالفية ضد روسيا، مشيراً إلى أن الغرب "يدرك أن دول مجلس التعاون لها مصالح مشتركة مع روسيا، كما لها مصالح مع الصين، وهذه نقطة تحول أساسية في مسار العلاقات الغربية الخليجية خلال هذا الوقت"، خصوصاً أنه منذ فترات طويلة "كانت دول مجلس التعاون تحسب على الموقف الغربي"، حسب قوله.
واستطرد قائلاً: "الحيادية التي اتبعت في نظري كانت خطوة مهمة، واستطاعت أن تحافظ على توازن دقيق ومهم جداً في تلك العلاقة التي أعتقد أنه سيكون لها دور فاعل في إنهاء الأزمة الروسية الأوكرانية".
خيبة أمل خليجية
وإلى جانب حرصها على بناء علاقات مع روسيا، تنطلق دول الخليج في موقفها المحايد من حرب أوكرانيا من خيبة الأمل التي أصيبت بها جراء المواقف الغربية المنحازة لـ"إسرائيل" في حرب غزة.
وحول هذا يقول الباحث العماني سالم الجهوري: "الغرب يصم آذانه كثيراً عن بعض القضايا الإنسانية المهمة والملحة، ويقف عاجزاً عن التأثير في القضية العربية الإسرائيلية، وهذا مأخذ عربي على أمريكا وبريطانيا وأوروبا الغربية".
ولفت إلى أن "دول مجلس التعاون ترى أن الغرب يتعامل بازدواجية معايير في القضية الفلسطينية بالذات، ولا يقيم تقديراً لتلك العلاقات الاستراتيجية بينه وبين دول مجلس التعاون التي لديها كثير من الاستثمارات في الغرب، وأيضاً المشاريع المشتركة، وصفقات الأسلحة، ومن ثم فالغرب يضحي بالعرب من أجل إسرائيل، وهذا مأخذ كبير".